صفحات الناس

هل ينجح النظام بتعطيل “التفاهمات”حول منبج وتل رفعت؟/ خالد الخطيب

 

 

بعدما فشلت في المواجهة المباشرة، غيّرت مليشيات النظام تكتيكاتها المتبعة لوقف زحف المعارضة المدعومة من تركيا في ريف حلب، في مرحلة “ما بعد عفرين”، وانتقلت من المواجهة العسكرية غير الرسمية المحدودة إلى التعبئة الشعبية الموالية، وتفعيل دور الخلايا الأمنية والحزبية، والعمل على خلق مبررات ديموغرافية وسياسية قد تُعطّل “التفاهمات” بين تركيا وروسيا وأميركا.

وتشمل استراتيجية النظام المتبعة في الآونة الأخيرة منطقتي منبج وتل رفعت، لقطع الطريق على أي تفاهم تركي–روسي، وتركي–أميركي، قد يقضي بانسحاب “وحدات حماية الشعب” الكردية من المنطقتين لصالح المعارضة. تلك الاستراتيجية يمكن أن تعرقل معارك المعارضة في حال قررت التقدم عسكرياً بدعم تركي.

مليشيات النظام، وبتنسيق مع “الوحدات” عززت من تواجدها الأمني في تل رفعت، وتزامنت تحركات المليشيات مع التظاهرات التي خرجت في المخيمات قرب معبر باب السلامة، والتي قام بها المُهجّرين من أبناء تل رفعت والقرى المحتلة، للضغط على تركيا ومطالبتها باستمرار عملية “غصن الزيتون” وما تلاها من مفاوضات بين تركيا وروسيا حول المنطقة.

تعزيزات مليشيات النظام في تل رفعت شملت مجموعة أمنية تابعة لـ”الأمن العسكري” يزيد عدد عناصرها عن الـ20، وصلت إلى تل رفعت بقيادة رئيس فرع “الأمن العسكري” في حلب العميد مازن الكنج، يرافقه عمر رحمون، المقرب من الأمن والمعروف بـ”عراب التهجير” من حلب الشرقية. عناصر “الأمن العسكري” تمركزوا في “الجمعية الفلاحية”، بالإضافة لأكثر من 30 عنصراً تابعاً لـ”الفرقة 30/حرس جمهوري” وصلوا تل رفعت، وانضموا لعناصر مليشيات نبل والزهراء و”لواء الباقر”. واستُثمِرَت التعزيزات الأمنية والعسكرية الرمزية، في الحملة الدعائية للنظام عبر وسائل إعلامه الرسمي والبديل في مواقع التواصل الاجتماعي.

القوات الروسية التي تتمركز في نقاط قريبة من تل رفعت منعت المليشيات من تكثيف تواجدها على خطوط التماس مع المعارضة. لكن، المليشيات روجت عكس الوقائع، بالنسبة للانتشار العسكري. ولم تشهد نقاط التماس شرقي تل رفعت، وكامل خط المواجهة في ريف حلب الشمالي، تغيّرات من حيث التواجد العسكري للطرفين.

إعلاميون موالون للنظام وصلوا تل رفعت، تباعاً، خلال الأسبوع الماضي، وروجوا لتواجد المليشيات المتزايد في المدينة وريفها، واكتظاظ المنطقة بالسكان الموالين للنظام. وفي حملة موازية، توافد عدد من الناشطين الموالين لـ”الوحدات” وأكدوا تمسكهم بـ”مقاطعة الشهباء” التي اعتبروها “منطلقاً للمقاومة الشعبية من أجل استعادة عفرين”، على اعتبار أنها باتت مأوى لأكثر من 200 ألف نازح فروا من عفرين وريفها ممن لا ينوون العودة في الوقت الحالي إلى قراهم.

المليشيات دعمت الموالين لها في تل رفعت والقرى العربية التي تحتلها “الوحدات”، ودفعت المئات منهم للعودة إلى المدينة والقرى التابعة لها. وسلّمت المليشيات بالتعاون مع “الوحدات” رئاسة المجلس المحلي والدوائر الخدمية في المدينة لشخصيات معروفة بولائها للنظام، وأشهرهم إبراهيم الديبو، رئيس المجلس المحلي، وعدداً من أقاربه. ووعد محافظ حلب حسين دياب، بمساعدة المجلس لتوفير الخدمات التي تفتقدها المدينة. الأمر ذاته حصل في قرى وبلدات دير جمال وكفرنايا وفافين وأم حوش وأحرص وتل قراح ومعراتة المسلمية وحربل والشيخ عيسى والوحشية وأم القرى والشهباء، وغيرها من القرى التي تحيط بمناطق سيطرة المعارضة المسلحة في ريف حلب الشمالي المنضوية في “درع الفرات”، على شكل قوس من الغرب والجنوب.

مجلس تل رفعت المحلي وبالتعاون مع ممثلي “الوحدات”، والرئيس المشترك لـ”مقاطعة عفرين” عثمان الشيخ عيسى، والرئيس المشترك لـ”مقاطعة الشهباء” التي تضم تل رفعت والقرى العربية المحتلة عماد داوود، عملوا على إيواء آلاف النازحين من عفرين في المنطقة. واستوعبت تل رفعت وحدها أكثر من 20 ألف نازح، وتم توزيع الألاف على القرى الأخرى، وتم إشغال كافة منازل المُهجّرين قسرياً من المنطقة على يد “الوحدات” بالعائلات النازحة من عفرين. وتم نقل أكثر من 15 ألف نازح من عفرين من المخيمات المؤقتة قرب نبل والزهراء وتوزيعهم على قرى المنطقة.

مليشيات النظام منعت نازحي عفرين من دخول مدينة حلب، أو التوجه نحو المناطق شرقي الفرات، وكثفت “الوحدات” جهودها لمنع نازحي عفرين من العودة إلى قراهم، بالتخويف وبث الشائعات وإثارة مخاوف الأهالي من العودة. الخلايا الأمنية التابعة لمليشيات النظام و”الوحدات” نظمت تظاهرة ضد الوفد الروسي الذي زار مخيم برخدان في المنطقة. وهتف المتظاهرون ضد الوفد الروسي، ورفضوا المساعدات الروسية.

نجحت سياسة تجميع النازحين وملء المنطقة بالأهالي المعادين للمعارضة المسلحة وحليفتها تركيا، وتحقق الهدف المرحلي لمنع تطبيق أي تفاهم تركي–روسي حول تل رفعت والقرى العربية ودخول المعارضة إليها. فعلياً، تمحور الخلاف بين الطرفين في المفاوضات الأخيرة حول ملف النازحين والأهالي الموالين للنظام عموماً في المنطقة، وتم تأجيل التفاوض إلى حين تحقيق الاستقرار في منطقة عفرين وعودة الأمن إليها وتسهيل عودة النازحين، وحينها يمكن فتح ملف تل رفعت مرة أخرى.

وفي حال لم تتمكن مليشيات النظام من منع التفاوض المؤجل حول تل رفعت فإنها ستعمل على طرح الإدارة المشتركة للمنطقة، بالتنسيق مع “الوحدات”، وهو مطلب يلقى القبول المبدئي لدى روسيا، كما هو الحال لدى الأميركيين في منبج. وهو ما ترفضه المعارضة المسلحة وتركيا في المنطقتين.

ولا تختلف سياسة مليشيات النظام في تل رفعت، عنها في منبج، التي تنتشر فيها إلى جانب “الوحدات” قوات أميركية، رغم الاختلاف الكبير بين المنطقتين من نواحٍ متعددة. المليشيات اتبعت سياسة التعبئة ذاتها في منبج، التي تعتبر هدفاً للمعارضة المسلحة المدعومة من تركيا، والهدف منع سقوط منبج في يد المعارضة بأي شكل كان. وفي أسوأ الأحوال التوصل لإدارة مشتركة تجنب منبج سيطرة المعارضة ودمجها مع باقي المناطق التي تسيطر عليها شمالي حلب.

بدت “الوحدات” ضعيفة وغير واثقة بحلفائها وبمستقبل المنطقة في الشمال، بما في ذلك تل رفعت ومنبج، وذلك بعدما خسرت عفرين. وضع “الوحدات” أسهم في تغلغل النظام في المنطقة خلال الفترة الماضية، وفي كثير من الأحيان بعلم “الوحدات”. وتمكن النظام من اختراق “مجلس منبج العسكري” التابع لـ”قوات سوريا الديموقراطية”، من خلال قادة وعناصر “لواء جند الحرمين” التابع لـ”المجلس” والذي انضم إلى صفوف “قسد” في آذار/مارس 2017. و ينتمي عناصر “لواء جند الحرمين” إلى عشائر من منطقة منبج أبرزها البوبنا والغنايم والعون. ويضاف إلى ذلك انتشار كبير لموالين للنظام في المؤسسات الخدمية في منبج كالمجلس المحلي، والمديريات التابعة له كمديرية التعليم التي دعت لإضراب في المدارس لأكثر من مرة، ونجحت في إيقاف عمل المدارس لثلاثة أيام متواصلة.

وتولى مهمة التواصل والتنسيق والعمل على التعبئة الشعبية الموالية للنظام في منبج كل من رئيس فرع “الأمن السياسي” بحلب العميد ناصر العلي، وهو من منبج، وينتمي لعشيرة الحديديين، وكذلك محافظ حمص السابق ومدير “مكتب المصالحة” في “القيادة القطرية لحزب البعث” أحمد منير، وهو من منبج أيضاً، ويتمتع بعلاقة وثيقة مع رئيس “المخابرات الجوية” اللواء جميل الحسن. بالإضافة لرئيس “شعبة حزب البعث” في منبج عبدالله الحسين، وله صلات بأمين فرع “حزب البعث” في حلب فاضل النجار. وكذلك لعب محمد خير الماشي، دوراً كبيراً في التعبئة من خلال حشد العشائر العربية في المنطقة لصالح النظام.

حراك العشائر والفعاليات الموالية للنظام في منبج قوبل بحملات أمنية نفذتها “الوحدات” ضد بعض الشخصيات التي تنظم حملات التعبئة الشعبية، والتي تسمي نفسها “اللجان الوطنية”، وصعّدت “الوحدات” أكثر من مرة لمنع انتشار الحراك وذلك بأمر من القوات الأميركية في المنطقة. مظاهرات للعشائر حاولت دخول منبج قادمة من الريف قبل أسبوع، لكنها فشلت بسبب منع “الوحدات” لها. وتظاهر المئات من الموالين للنظام داخل المدينة ورفعوا لافتات تدعو القوات الأميركية للمغادرة، وترفض دخول المعارضة والجيش التركي، وتؤكد على تبعية المنطقة للنظام. “الوحدات” اعتقلت بعض المتظاهرين.

مليشيا “لواء الباقر” التابعة للنظام فتحت الباب أمام العشرات من أبناء منبج للانضمام إلى صفوفها، ويستطيع عناصرها الدخول والخروج إلى منبج بعلم “الوحدات”. وتعتبر مليشيا “لواء الباقر” الممثل العسكري غير الرسمي للنظام في المنطقة.

في المفاوضات المبدئية التركية–الأميركية حول منبج، طُرِحَ موضوع “الإدارة المشتركة” للمنطقة عموماً، ريفاً ومدينة، وهو الحد الأدنى من أماني النظام الذي يرغب بتطبيقه في منبج ما سيجنبها السيطرة المباشرة من قبل المعارضة وتركيا. وبالنسبة لـ”الوحدات”، فـ”الإدارة المشتركة” أفضل الشرور في حال تخلى عنها حلفاؤها مرة أخرى. وبات ما يجمع “الوحدات” مع مليشيات النظام، هو وقف زحف المعارضة المدعمة من تركيا، والسماح لها بالبقاء على مشارف عفرين تتجول في المنطقة وفق الصفقة المفترضة مع مليشيات النظام بهدف إرباك المعارضة وإبقاء المعركة بعيدة عن معاقلها شرقي الفرات.

المبررات الديموغرافية والسياسية التي تعمل مليشيات النظام على إظهارها في منبج تشبه إلى حد كبير تلك التي عملت على إبرازها في تل رفعت، بهدف عرقلة أي تفاهم تركي–روسي يسمح للمعارضة بالسيطرة على المنطقة.

التعامل التركي مع مليشيات النظام كان قد ظهر أكثر وضوحاً خلال معركة عفرين، من مبدأ “هذا ملعبي… لا يمكنكم الاقتراب”، فهل ستفسح تركيا لـ”الوحدات” ومليشيات النظام المجال للمناورة، أم أنها ستكون أكثر حزماً في منبج وتل رفعت، رغم كل الأوراق التي يمتلكها الخصوم؟

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى