صفحات سوريةمنير شحود

هل يولد التمثيل السياسي في سوريا قبل فوات الأوان؟


د. منير شحود

قد لا تكفي خمسة أشهر ولا خمس سنين لاكتمال انتعاش القاع السوري سياسيا بعد كل هذا الدمار الذي طاول أي محاولة للاجتماع السياسي، ولكن الحرية التي فرضت نفسها على الأرض، بدأت تعطي ثمارها في تجديد التعبير السياسي عند الشباب، في محاولاتهم المستمرة للظهور كقوة سياسية مستقلة. وبقدر ما تكشف السياسات التقليدية المعارضة عن عقمها يوما فيوم، تتراكم خبرات الثوار، بعد أن فجرت الثورة الركود السوري ورجَّته بقوة.

وبدأت السياسات التي تعلنها “الهيئة العامة للثورة السورية” بفرض نفسها داخل السياسات المعارضة في الداخل والخارج، ناهيكم عن استشفاف منافسة بين السياسيين الثوريين قليلي الخبرة من الناحية النظرية، ولكن الأكثر تأثيراً ومصداقيةً، وبين السياسيين التقليديين الأكثر قدرة على الظهور والتمثيل السياسي على مستويات أعلى، والذين مازالوا أسيري العمل السياسي الذي اعتادوا عليه في ظروف مختلفة مليئة بالحذر والسرية. وباءت بالفشل، حتى الآن، محاولات التوفيق بين الفريقين من أجل الخروج بتجمع سياسي فاعل. وظهر ذلك جلياً من التخبط في الإعلان عن مجلس وطني انتقالي ومجلس وطني مؤخراً في تركيا، وما رافق ذلك من حيرة وإرباك وتشويش.

يمكن تلخيص أهم مشاكل السياسات المعارضة التقليدية في سوريا بما يلي:

1.                   الخوف من اتخاذ خطوات جريئة لأسباب أمنية

2.                   شخصنة العلاقات بين المعارضين ورموزهم، والعلاقات غير القائمة على الحوار المتكافئ

3.                   عدم القدرة على تجاوز الخلافات الشخصية والارتقاء إلى مستويات المسؤولية الوطنية الكبرى التي فرضت نفسها بعد انتفاضة معظم السوريين

4.                   ميلها للعمل السري في وقت أصبح فيه هذا العمل بلا معنى في هذه الظروف

5.                   عدم القدرة على تحويل التجمعات السياسية التي ظهرت مؤخرا إلى إطارات عمل متجانسة، فبقيت مجرد تجمعات لأفراد مستقلين

6.                   عدم إدراك التطورات السياسية الثورية في القاع الاجتماعي، والتي جعلت من المعارضة التقليدية وتشكيلاتها مجرد هياكل من الماضي

7.                   الاستخفاف بقدرات الشباب القيادية، ومحاولة نقل أمراض المعارضة إلى هؤلاء بدون قصد

وفي ظروف يشتد فيها القمع، ويصعب فيها معرفة أحجام التمثيل السياسي بسبب غياب الآليات الديمقراطية الانتخابية، ويكثر المدعون والانتهازيون لاستغلال هذا الوضع، يستمر التخبط السياسي. وتجري، في الوقت نفسه، محاولات صادقة وملحة للخروج بتمثيل سياسي أصبح الآن مهماً أكثر من أي وقت مضى، وقد أوشك العالم أن يفقد صبره، ومثله أيضاً أولئك الذين يصنعون الحدث، ويريدون أن يكون لهم غطاء سياسي يمنحهم بعض الأمل.

ويمكن أن يتم تشكيل مجلس وطني يضم عناصر من الداخل والخارج، ويشمل معارضين تقليدين وممثلين مرشحين من قبل الثوار على الأرض، على أن يبقى هذا المجلس مفتوحاً لانضمام كوادر جديدة، ويعمل على انتخاب هيئة تمثيلية يتجدد انتخابها عند الحاجة في ديناميكية تعمل باستمرار على عدم الوقوع في الكوابح البيروقراطية، والمؤثرات الشللية والشخصية، والعمل على تطبيق الآليات الديمقراطية حيث يكون ذلك ممكناً.

وفي حال تعذر ذلك، يجب أن تأخذ القوى الشبابية على الأرض زمام المبادرة، وتنتخب ممثليها، أو تعينهم بالتوافق في مناطق سورية المختلفة، وتحدد من يمكن التعاون معه من ذوي الخبرة السياسية والتأثير الشعبي من المعارضين التقليديين. ويقوم المعارضون في الخارج، المختارون من قبل هذه القوى الشبابية، بالتمثيل السياسي في المحافل الدولية ووسائل الإعلام.

ومع كل الصعاب، تستعد سوريا لطي صفحة صعبة من العمل السياسي في سوريا، سواء منه المعارض التقليدي أو الاستبدادي، للولوج إلى عصر الديمقراطية والشفافية، في طريق ليست سهلة، ولكنها ممكنة بالفعل.

طبيب وكاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى