صفحات سورية

هل يُصلح الإئتلاف ما أفسد المجلس

 

    ياسر محمد أسكيف

    أخيرا ً اعترفت أمريكا ب(الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ) ممثلا ً للشعب السوري . وقبلها اعترفت دول الاتحاد الأوربي وتركيا وقطر والسعودية ….

    لا يشكّل الاعتراف الأمريكي أية مفاجأة , كما اعترافات سابقيه , ولا أظنه سيغيّر شيئا ً في أداء هذا المجلس . وإن كان هناك من أمر يستدعي التوقف فهو التأخر الذي مارسته أمريكا بخصوص الاعتراف . ويبدو أنها أقرّته أخيرا ً في محاولة جديدة لإحباط الجهد الروسي , وتأكيد الانقلاب على مُقرّرات جنيف , بعد أن اعتبر الأخضر الإبراهيمي أن هذه المقرّرات ما زالت تشكّل المنطلق الأمثل لحل الأزمة السورية سياسيا ً . وهذا الاعتراف تأكيد أمريكي على ترجيح الحلول العسكرية على سواها . تأكيد بدأ في تشكيل المجلس الوطني السوري , وتعزّز في استيلاد الائتلاف كنسخة مُعدّلة عن المجلس , إذ بقي الناظم والمعيار , في التشكيل , أو في الاستيلاد , هو إسقاط النظام , دون كبير اهتمام بالآليات ( دعم المجموعات المسلحة لزيادة نفوذها , رفض أي حل سلمي , استجداء التدخل الخارجي على كافة مستوياته …. ) , أو بالنتائج ( سيطرة المجموعات المتشدّدة التكفيرية , وانتفاء أي ملمح لسوريا الجديدة , سوريا التعدديّة . يضاف إلى ذلك تهيئة المناخ , نتيجة التدمير المخيف والخسائر المروّعة , لانهيار اقتصادي واجتماعي , على حد سواء , يجعل من ضرورة إعادة البناء والنهوض بالبلد أولوية يجب التضحية بكل شيء من أجلها . وهنا ستكثر الأضاحي وليس التضحيات , وسوف تسهل تلك الضرورة فرص الهيمنة والاستفراد , كما ستوفر أبوابا ً عديدة للتهميش والاقصاء .

    وإن لم يكن الأمر كذلك , فكيف لنا أن نفهم الفرز الذي أنتجه المجلس الوطني , بحيث جاءت جميع مكوّناته موافقة على التدخل العسكري الخارجي في الشأن السوري , وهو ما تكرّر في مكونات الائتلاف , بحيث جاء الفرز ذاته , وكأنما لا ممثل للشعب السوري إلا ويقبل بالتدخل العسكري الخارجي لإسقاط النظام . ولماذا كان الامريكيون والقطريون هم من قاد المباحثات وضغط لتوحيد القيادة العسكرية للجماعات المنضوية تحت لواء الائتلاف , ولم تكن قيادة هذا الائتلاف . ؟

    مزيدا ً من السلاح , ومزيدا ً من استجداء التدخل الخارجي , هما العنوانان الأبرزان لهذا الائتلاف الذي توجته أمريكا وقطر و … وكأنه ما من صوت سوري معارض , أو لديه رؤى مختلفة لحل الأزمة السورية , إلا وبات متوّجا ً . غير أن الحقيقة تقول غير ذلك , إذ يمكن لكبسة زر على لوحة مفاتيح أي كومبيوتر أن تعرض عشرات الهيئات , وعشرات الأحزاب , وأضعافها من الشخصيات , هذا إذا تغاضينا عن ذكر الكتلة الشعبية التي ما زالت موالية للنظام , والتي يعرف الجميع بأنها كتلة لا يستهان بها ( كما ً ونوعا ً ) . نعم يمثل الائتلاف قسما ً من الشعب السوري , لكنه بالتأكيد لا يمثل الثورة السورية , لأن من يمثلهم هذا الائتلاف هم أولئك الذين حسموا خياراتهم فيما يخص آليات وأشكال إدارة الثورة , واستقروا على شكل وحيد وأوحد هو اسقاط النظام , ولو بآليات تأخذ الوطن إلى الجحيم .

    ان الذي تغيّر بين ماضي (المجلس ) وحاضر ( الائتلاف ) هو مكان الاستيلاد أولا ً , وإضافة بعض الأسماء ( أشخاص وهيئات ) ثانيا ً . ما يعني أن المجلس الوطني قد جدّد شبابه ببعض الرتوش , دون أي مساس ببنيته الوظيفية . الأمر الذي يبقي مخاوف أطراف معارضة كثيرة قائمة ومشروعة , وخاصة أولئك الذين تمحورت مخاوفهم حول النزعة الاستئثارية والإقصائية للتيارات الدينية التي تستحوذ على التمثيل الأكبر في الائتلاف , وتحديدا الإخوان المسلمون . فالائتلاف , كما تظهر مكوّناته , ليس سوى الإخوان والبعض .

    وكي لا نقول المُقال , ونعرّف المُعرّف , سنحيل القارئة إلى ما كتبه هيثم مناع , المعارض السوري الغني عن التعريف , في صحيفة القدس العربي 12-12-2012 تحت عنوان (هل تغتال مراكش المشروع الديموقراطي ) والذي يتطرق فيه إلى الائتلاف الوطني , الذي يعتبر أن تشكيله قد وجه ( ضربة قوية لاحتمالات توحيد ديموقراطي وعقلاني لأطراف المعارضة ). ونحيل القرّاء أيضا ً إلى البيان الذي أصدره ( المنبر الديموقراطي السوري ) بخصوص الائتلاف والذي سأثبت هنا بعضا ً منه , مع رأيي بأنه يتسم بالكثير من الارتباك والتناقض والسذاجة .

    ( يود المنبر لفت نظر قادة الائتلاف إلى خطورة التداخل بينه وبين تجمع سياسي آخر يدّعي تمثيل السوريين … ) كما ( يلفت أنظار قيادة الائتلاف إلى خطورة الخلل في تمثيل مكوّناته الذي جاء ناقصا ً أو مجحفا ً ورجّح كفة قوّة معينة على كفة قوى ديموقراطية ناضلت في الداخل طيلة سنوات الصمت ..) والمتابع يرى أنها ذات الملاحظات التي وجهها ( المنبر الديموقراطي )والمقربون منه إلى ( المجلس الوطني ) والتي تم إرجاع السبب فيها إلى تنامي القوّة العسكرية للإخوان المسلمين , أي أن الذي يحدّد ثقل الأطراف في أي تحالف من هذه الأنواع هو القوّة العسكرية , فلم التخوّف من المعروف إذا ً في بنية المُستولد الجديد , ولم لا يكون محسوما ً بأن الرجاء والتمني لن يقدّم إلا المزيد من خداع الذات , وخداع الآخرين . وبأنه لن يصلح الائتلاف ما أفسد المجلس .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى