صفحات الحوار

هموم شعرية: مع جولان حاجي

 

 

تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته، ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته.

■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟

– عند وصولنا إلى سيدي بوزيد، في قافلة شعراء قادها محمد الصغير أولاد أحمد في تونس صيف 2011، فوجئ سيد حجاب بخلوّ الملعب البلدي من الجمهور الغفير المأمول. كان المدرَّج خالياً بسبب حظر التجوُّل، ثم أتى الوالي بعد إفطار رمضان، مرتدياً عباءة كمّونية ومعه الموظفون ليملأوا بعض الكراسي. أظنه ثربانتس، صانع دون كيخوته القارئ الأكبر، من قال إن “القارئ صنو الله”. لا أعني بهذا أن القارئ يخلق الشاعر. قصدي هو الحضور الخفي، المتوعّد أو الودود، الشعر رواحاً ومجيئاً بين وحدتين: وحدة كاتبه ووحدة قارئه. هناك من يقرأني، لا أعرف العدد ولا أفكر فيه. ثمة أصدقاء يهمني ويسرني أن يقرؤوني، وقد توزّعتنا القارات والبلدان، يضاف إليهم قارئ مجهول يُملي أحياناً التحولات على ما أكتبه. قرّاء الشعر أقلية، ومثلهم مزاولوه الذين يعيشونه. هذه نعمة ليستمرّ المُحتاجون إليه والمؤمنون به.

■ كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟

– صدر ديواني الأخير “ميزان الأذى” لدى “دار المتوسط” المتفانية في التوزيع. تعنيني روح الصداقة في النشر، ولا أستعجل شيئاً.

■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟

– وددتُ لو قرأتُ نصاً طويلاً كتبه شاعرٌ دنماركي عن معابد وادي النصارى في سورية، منشوراً في مجلة “أمكنة” المصرية التي أعارني أعدادها في دمشق المترجم القدير ثائر ديب. كنتُ صبياً في عامودة حين استلمتُ رسالة من مجلة “الناقد” تخطرني بأنهم سينشرون قصيدة طويلة لي، راويها الملاك جبريل، وتحتوي اقتباسات محرفة من سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري وكتب تراثية أخرى. هذا ولّى.

مرَّت مئات الأسابيع. حالياً، أنشر بانتظام في موقع “رمّان”. انقطعتُ عن نشر الشعر في الصحف والمجلات منذ نحو سنتين، باستثناء قصائد نشرت في مجلات إنكليزية وفرنسية، مثل “آغني” و”باريس ريفيو” و”ذا وولف” و”أوروب”. أحاول العثور على إيقاعٍ شخصي ما لمتابعة الجديد داخل هذه الدوامات الإلكترونية حيث تتماحى النتاجات. أحببتُ دائماً طريقة عماد أبو صالح في النشر، لولا خشيتي أن تنتهي الدواوين في سلال القمامة عند توزيعها كهدايا.

■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟

– ثمة شعراء أقدّرهم، مثل زكريا محمد، يضعون قصائدهم على فيسبوك ويعدّلونها لاحقاً. ما عدتُ متحمساً لنشر الشعر هناك. معظم ما أضعه على صفحتي روابط لمقالات أو ترجمات نشرتها في صحف ومجلات ومواقع مختلفة. لا أستخدم الهواتف الذكية، ولا أستخدم من وسائل التواصل الاجتماعي سوى فيسبوك. رأيتُ هذا الموقع للمرة الأولى في منزل الشاعر السوري حازم العظمة، وهو بالمناسبة أحد أساتذتي في كلية الطب بجامعة دمشق، وقد اعتزلنا كلانا المهنة. محاطاً بكِلاب حازم، دخلتُ هذا العالم الأزرق قبل أن يحرق البوعزيزي نفسه ببضعة أسابيع. شهدنا آنذاك عودة الشعر إلى المواضيع الساخنة والمناسبات والمنابر. عدتُ بعد تلك الفترة إلى المشي الطويل، ضرورة لا بد منها.

■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟

– سأذكر ثلاثة منهم: الشعراء والعاطلون عن العمل وطلبة الجامعة. كثيراً ما تخيّلت قراء الشعر طلبة جامعيين يودّعون مراهقتهم، حالمين وساخرين، أو لعلهم في عداد أولئك الذين ظلّوا مسكونين بنمط الحياة الجامعية والحنين إليها.

■ هل توافق على أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟

– كلاهما متداخل حالياً. أعتقد أن القصيدة المترجمة الفاشية في العالم العربي، هي القصيدة الحرة أو قصيدة النثر الأميركية شديدة التنوع، وهي تكاد تحتضن كل شيء بوصفه شعراً. إنها تبقى، غالباً، أرحم من نماذج الشعر الفرنسي الذي انحسرت ترجماته.

■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية، وما هي نقاط ضعفه؟

– كأي شعر آخر، الموسيقى هي مزيته ونقطة ضعفه معاً. جسامة السؤال أحالتني إلى تلميذ جاهل في مدرسة هرب منها إلى جمال البراري، فاكتشف أن الحدود بين اللغات ملغومة ومحروسة بجنود مدججين، ولا بد له من تخطّيها كالمهرّبين، متحلّياً بالحذر والجرأة والمعرفة.

■ شاعر عربي تعتقد أن من المهم استعادته الآن؟

– شاعر من الروّاد العراقيين: محمود البريكان، المقلّ في النشر، المعلّم الصارم والقارئ المتنسّك والمصغي الكبير إلى الموسيقى. اهتديتُ بفضله إلى يوميات كيركِجور وسيرة برديائيف، وهما كتابان يرافقاني منذ سنين.

■ ما الذي تتمناه للشعر العربي؟

– الكثير من النقّاد. الالتفات إلى شعراء اللغات الأخرى التي تتقاسم وتتنازع الجغرافيا نفسها مع لسان العرب.

بطاقة: شاعر ومترجم سوري مقيم في فرنسا. أعماله الشعرية: “نادى في الظلمات” (2004)، و”ثمة من يراك وحشاً” (2008)، و”الزناة” (2011)، و”الخريف، هنا، ساحر وكبير” (2013)، و”ميزان الأذى” (2016)، و”شجرة لا أعرف اسمها” (2017). إضافة إلى كتاب نثري “إلى أن قامت الحرب: نساء في الثورة السورية” (2016).

من ترجماته: “المرفأ المظلم” لمارك ستراند (2002)، و”النافذة الخلفية” لألفرد هيتشكوك (2005)، و”الفيل” لدان وايلي (2010)، و”القهوة منطلقاً” لناتالي بونتان (2017).

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى