أحمد عمرصفحات الناس

هوامش على حكاية الراعي والذئب/ أحمد عمر

 

 

نشر المواطن الفيسبوكي “بتلوموني ليه”، على صفحته، هذا المنشور: “يروى أنّ راعياً صغيرا كان يرعى الغنم خارج القرية، ولمّا كان دون سن العمل القانونية، كان الملل يصيبه، ففكّر في تسلية، فخطر له خاطر، وعمد على الفور إلى تنفيذه، وكان ذلك بأن جعل ينادي أهل القرية، مستغيثاً بأعلى صوته: الذئب، الذئب، أغيثوني، أنجدوني.

أسرع أهل القرية إلى نجدته، لكنهم لم يجدوا الذئب، فعادوا، وقد ساءهم كذب الراعي. ويبدو أن الراعي الصغير أعجبته اللعبة، ولم تمضِ أيام قليلة، حتى أعاد الكرّة، ليخيّب أهل القرية مرة أخرى، بعد أن هبّوا لنجدته، بالعصي والفؤوس. وفي يومٍ، ظهر الذئب شخصيا، وهاجم الراعي والغنم، فاستنجد الراعي واستغاث، وسمعه أهل القرية، إلا أن أحداً منهم لم يحرّك ساكناً، فقد أيقنوا أنه كان يكذب عليهم كعادته. وافترس الذئب من غنم الراعي ما افترس، وقتل ما قتل، وتلك عاقبة الكاذبين”.

فجاءته تعليقاتٌ زرقاء من سكان مدائن الفيسبوك، هذه مختاراتٌ منها، بعد تمرريها على فلاتر: الوحدة والحرية والاشتراكية:

الغلطة الأخيرة: ما فيش أكذب من بلحة، لا يصدق سوى في ضحكته، أبو ضحكة جنان، بيضحك على خيبته، افترست الذئاب مصر، وهو قاعد بيضحك.

واشرح لها حال حالاتي: المقصود بهذه القصة في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ أمتنا هو المخرج الذكي الضجران محمد بيازيد.

أنا دانا أنا دندن: يا أخي، صرع الإعلام رؤوسنا بقصة المخرج بيازيد الهلالي. الناس كلها تكذب، والرجل كذب كذبة غير سينمائية، يعني من غير صورة واحدة.

معدنيش وقت: هذا الراعي الكاذب يذكّرني بحراميها الذي رفع شعار “سورية الله حاميها”.

جودة وأسعد: الشعار كان: سورية “الأسد” الله حاميها.

السح الدح امبو: صرنا بشعار: الأسد أو نحرق البلد.

مقطّع السمكة وديلها: الحقيقة لم تعجبني القصة. السؤال، لمَ الراعي صغير السن؟ ومن الواجب أن يكون في المدرسة، هنا في ألمانيا، غرفة انتظار لكل مؤسسة، فيها ألعاب للأولاد. “حاميها حراميها” قال مرة حكمة: تعلموا من الأولاد وعلموهم.

جدول باسم الجنود: كان يرعى خارج القرية، كان لازماً أن يرعى في حضن الوطن.

أنتي دوهرنغ وإلا شعيرة: قد يكون الولد مصاباً بفوبيا الذئب، وكان يدرّب أهل القرية. الحكمة أن الأولاد لا يصلحون في مهنة الصابرين.

صباح فخرك: فعلاً.. ما من نبي إلا ورعى الغنم.

مهبول لأسباب غرامية: قصة علي بابا والأربعين ألف حرامي أجمل.

ريال بحر شلونه: يا جماعة عندنا واحدة تعاني من سرطان، واسمها سميرة مطاطة، وتعاني من سرطان الدم رجاء الدعم المالي على هذا الحساب.

أبو كرتونة: الأمة كلها تعاني من القصف والكوليرا والجوع يا أخت ريال.. و درهم مدريد خير من قنطار برشلونة.

الشعب يريد إسقاط الجنابة: كنّا نريد إسقاط النظام، فلم نعد نريد سوى شربة ماء.

رسالة التربيع والتدوير: والذئب أرحم من أخوتي.. يا أبي.

تخبّط شراً: رائعة، هذه قصة للكبار والصغار، للسياسيين ورجال الاقتصاد.. شكراً لمرورك أيها الذئب.

السلاح الأبيض: تقضي الأغنام حياتها خائفة من الـذئب. وفي النهاية، يأكلها الـراعي.

خلّص لي الجِل: صدقت، أيها السلاح الأبيض؛ لا يلام الذئب في عدوانه – إن يكُ الراعي عدوَّ الغنم.

من محيط الخصر إلى خليج الباسفيك: حال الخراف أحسن من حالنا، على الأقل ترعى تحت السماء.

وادي الذئاب: سابقاً، كانوا يعلموننا مكارم الأخلاق والفضائل، أما هذه الأيام فيعلمون أولادنا قصة الحيوان المنوي والبيضة.

الحجة إيفانكا: القصر صار حديقة حيوان فيها كل أنواع الحيوانات: الحيوان المنوي والزرافة والضبع والفيل..

إلكترون مغرم بعيون بروتونه هانم: سقى الله أيام زمان. الناس كانت تهبُّ للنجدة، في هذه الأيام حتى الرياح لم تعد تهب.

الحقيقة المرّة: الراعي أشرف منكم جميعاً، على الأقل كان له اسم حقيقي، نزلت عليكم حيطة.

العربي الجديد

 

-11-

 

دراجات حافظ الأسد النارية/ محمد السلوم

سمعان المخبر، ومن ينسى هذا الاسم؟ فمع ذكرى الحركة التصحيحية القادمة سيكون قد مر على وفاته 25 عاماً بالتمام والكمال. سمعان هو ابن إحدى قرى ريف إدلب الجنوبي، كان مستخدماً بسيطاً في إحدى المؤسسات، يُؤمر فيطيع. ولكنه غيّر قدره، فبعد زيارة الأمن العسكري وعرض خدماته تغيرت حال سمعان، صار اسمه سمعان المخبر، يأمر فيُطاع!

طيّر سمعان مدير المدرسة في قريته لأن العلم كان مرفوعاً عليها بالمقلوب، وطيّر مدير الناحية لأن الثقب الذي صنعوه في يافطة الاحتفال بحرب تشرين التحريرية حتى يسمح للهواء بالمرور دون أن تتمزق، كان في حاء كلمة حافظ!

كان دخول سمعان إلى أي مجلس كفيل بتغيير مجرى الحديث، والانتقال إلى التمجيد بحافظ الأسد “كان اسمه أبا سليمان في ذلك الوقت قبل أن يصبح لاحقاً أبا باسل”، والحزب القائد للدولة والمجتمع. وشيئاً فشيئاً بات سمعان مقصداً لكل من يريد الحصول على وظيفة، أو الفتك بمديره بسلخه تقريراً من تحت أنامله الرشيقة!

تروي الحكايات الشعبية عن سمعان الكثير، ولكن حكايته مع الأستاذ خليل من أغربها، غلط الأستاذ خليل غلطة عمره وذكر في حضور سمعان أنه ينوي شراء “موتور” دراجة نارية، فقفز سمعان قائلاً: سأبيعك موتوري.

ومن يجرؤ على قول لا، لسمعان! اشترى خليل الموتور، دون أية مساومة، وعندما وصل إلى بيته لاحظ وجود صورة لحافظ الأسد عليه، فنزعها بحنق وأحرقها مع سيل من الشتائم بحق سمعان والبعث وحافظ!

في اليوم التالي، كان الموظفون يشربون الشاي ويدخنون، متحلقين حول المدفأة، عندما اقتحم سمعان الغرفة صارخاً: أين خليل “هكذا حاف بدون كلمة أستاذ”؟

قال خليل: نعم يا سمعان؟

فقال: أين صورة سيادة الرئيس حافظ الأسد، أبي سليمان، التي كانت على الموتور؟

شاهت الوجوه، وتحجرت الألسن، ونُكّست الأعين في الأرض، ومن كان شجاعاً استطاع أن يختلس نظرة إلى وجه خليل الذي أكد الجميع أنه احمرَّ وكان يتصبب عرقاً وهلعاً. وعبثاً حاول تثبيت ركبتيه المرتجفتين.

لم ينبس خليل ببنت شفة، فأضاف سمعان: شوف ولاك أنا بعتك الموتور، ولم أبعك صورة القائد… وإذا لم تحضرها فلا تلومنّ إلا نفسك!

في ذلك اليوم لم يخرج خليل من بيته، ولم يجرؤ أحد على زيارته، حتى أن أمه طلبت من إخوته عدم الذهاب إليه، وقالت: لا أريد أن أفجع بكم جميعاً، ولسان حال الجميع كان: الله يسامحك يا خليل على هذه العملة!

في الصباح الباكر انطلق خليل إلى مكتبات القرية والقرى المجاورة بحثاً عن صورة مشابهة، اشترى كل ما وجده، وما أكثر النماذج المعروضة، ولكن سمعان قلّبها واحدة واحدة ومط شفته السفلى وقال: ولا واحدة! صورتي كانت شعار الحزب وبداخلها صورة لأبي سليمان على شكل قلب حب!

وأنا أريدها نفسها، لا أريد واحدة جديدة.

أقسم خليل أيماناً مغلظة أن ابنه مقروف الرقبة هو من انتزع الصورة لأنه يحب القائد أبا سليمان، وأنه لم يكن يدرك هذه العواقب، رق قلب سمعان لخليل، وقال: أنا أصدقك، ولكنك إذا لم تحضر لي صورة مثلها سأسلخك تقريراً أجعلك تذهب في خبر كان.

وفي صباح اليوم التالي، انطلق خليل إلى حماة، المدينة الأقرب، هناك فتش المكتبات جميعها، وفي النهاية وجدها، صورة أبي سليمان بطل التشرينين تحتل قلب حب أحمر في داخل شعار حزب البعث العربي الاشتراكي العظيم. طار قلبه فرحاً، فاشترى خمسين صورة. وعاد إلى قريته ليعرف أخيراً طعم النوم والأكل بعد صيام يومين متتابعين!

في الصباح أعطى سمعان الصور كلها، ولشدة فرحة سمعان بها وزّع على كل موظف صورة وطلب منهم جميعاً إلصاق الصور على موتوراتهم، وهكذا فعلوا. ومنذ ذلك اليوم وجدت في القرية مجموعة من الموتورات اسمها: موتورات “أبو سليمان”، يمكنك أن تفعل بها ما تشاء، ولكن إياك أن تنزع الصورة عنها!

أما سمعان فقد امتد به العمر، ويُقال إنه تشاجر مرة مع ابنه فشتم الابن العاق حافظ الأسد وحزب البعث، وأفحش في الشتيمة، فلم يحتمل قلب سمعان الصغير كل هذا العقوق، فانجلط ومات في الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر. وفي اليوم التالي كانت زوجته تلطم وتنوح على قبره قائلة: الله يرحمك يا سمعان، ألم تستطع تأجيل موتك يوماً واحداً حتى تشترك باحتفالات الحركة التصحيحية، ولا تفسد علينا هذه الفرحة!

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى