صفحات المستقبل

هو فقط يتحمل المسؤولية…


أشهر عديدة على بدء الإنتفاضة الشعبية العربية من المشرق إلى المغرب، أشهر عديدة منذ إنطلاق ثورات الحرية، أشهر كثيرة، كثيرة تمرّ ببطء شديد…

لم تنتصر ثورة في زمن من الأزمنة في ليلة، و لا في تحرك واحد في إحدى الجمع. الثورة تحتاج إلى وقتها.

لا تولد الثورة بسن البلوغ كما لا يولد الطفل رجلاً. الثورة تنمو، ببطء أحيانًا كثيرة.

تمرّ الفصول و السحاب يشاهد نموّها. من يفعتها إلى بلوغها. من أيامها الأولى المليئة بالعفوية و السذاجة…

من محاولتها الأولى لإرتياد درّاجة التظاهرات الشعبية… من أول شهيد يسقط لها و الذي تبدّله جنيّة الشهداء إلى روحٍ جديدة للثورة…

من أول صفعة تتلقاها من مدفعية المشاغب… و أول علاقة حب مع أول قوّة عظمى تأتي لنجدتها.. و أول خيبة حب، تليها أخرى و أخرى حتى تجد أن الحب الدائم هو حب الأرض و حب الشعب.

من كل هذا و أكثر، إلى حين تكبر و تقصى عضلاتها و تبدأ بالتقدم. ببطء تمشي. تحبو أحيانًا، تتعثر أحيانًا أخرى.. إلى أن تمتهن الركض و القفز فوق أفخاخ الفاشية و الرجعية.

****

لا مكان للبكاء بيننا. لا مكان للنحيب على أسنانٍ لا بد لها أن تسقط شهيدة كي تنمو مكانها أخرى أشدّ و أمكن على مضغ الحاكم القمعي.

هذا الحاكم الذي ظنّ لعقود كثيرة بأن جسدها له و أنه هو الوليّ عليها و هو أول الأشياء و آخرها و مصدر حياتها، و أن عليها أن تسجد له و لتماثيله و لوحاته التي تملأ غرف المنزل… هذا الحاكم قد دان وقت نومه الأخير.

هي وحدها من يقرر من يحكم جسدها، تُبعد من تشاء و تجتمع مع من مال قلبها له… أو لها.

لا سلطان له عليها. إما أن يرحل أو أنّها سترحّله إلى دارته الأخيرة.. هو ففط من يتحمل المسؤولية.

****

كم من دورة قمرٍ شاهدت الثورة، و الحاكم ببوطٍ أسود و بلحيةٍ كثّة تتناثر منها أوامر طاعة الزعيم و تكفير التفكير…

كم من مرة سمعت بكاء عيونها الكثيرة، عيون كل فتى و فتاة في جسد الأمّة.

كم من ليلة مرّت من دون أن تشرق المستديرة في طلائع الفجر، لينقضي النهار من دون خيط نور أو إشعاعة أمل.

لا تفي الذاكرة لإحتساب تلك الأرقام، فمع كل دورة للكوكب حول نجمه تضعف الذاكرة مقدار كلمة من قاموس الحرية.. كلمة وارء كلمة إلى أن تنتهي الكلمات و يُغلق لسان الحرية… و ينام الحاكم ظانًا أن مفهوم الحرية و الكرامة إندثر من ذاكرة الشعب.

و لكنه هو فقط يتحمل المسؤولية… و من دمائه هو فقط ستُستعاد الكلمات، و من جسده العاري من كرسي العرش و تاج الحكم و كنوز الفساد، ستُطبع نسخة جديدة من قاموس الحرية، نسخة منقّحة لا مكان فيها للزعيم الذي ظنّ أنه خالدًا.. للأبد!

http://southoak.blogspot.com/2011/08/blog-post.html

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى