صفحات الناس

“هيومان رايتس ووتش”:النظام يستخدم السارين بشكل واسع ومنهجي

 

 

قالت منظمة “هيومان رايتس ووتش” في تقرير جديد لها بعنوان “الموت بالكيماوي: استخدام الحكومة السورية الواسع والمنهجي للأسلحة الكيماوية”، إن 3 تطورات منذ أواخر 2016 تُظهر أن استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيماوية أصبح واسعاً ومنهجياً: فالطائرات الحربية الحكومية أسقطت قنابل فيها مواد تؤثر في الأعصاب في 4 مناسبات على الأقل منذ 12 ديسمبر/كانون الأول، بما في ذلك خان شيخون. كما أصبح استخدام الحكومة للذخائر المليئة بالكلور الملقاة من المروحيات أكثر انتظاما. كما بدأت القوات البرية الحكومية أو الموالية للحكومة باستخدام الذخائر المرتجلة التي تطلق من الأرض وتحتوي على الكلور.

في بعض الهجمات على الأقل، يبدو أن القصد هو إلحاق معاناة شديدة بالسكان المدنيين، وهو ما يشكل جرائم ضد الإنسانية.

بعد الهجمات الكيماوية على الغوطة، طالب مجلس الأمن الدولي الحكومة السورية بتدمير مخزوناتها وأسلحتها الكيماوية وقدرتها على إنتاج هذه الأسلحة. استجابة لذلك، انضمّت سوريا إلى “اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية” في سبتمبر/أيلول 2013. أعلنت “منظمة حظر الأسلحة الكيماوية” في يونيو/حزيران 2014 أنها شحنت الأسلحة الكيماوية المصرح عنها في سوريا خارج البلاد لتدميرها، رغم استمرار المنظمة في محاولة التحقق من دقة واكتمال تصريح الحكومة السورية.

لكن في الواقع، كانت الحكومة السورية أصلاً تستخدم طائرات الهليكوبتر لإسقاط ذخائر بدائية الصنع مملوءة بالكلور على الأقل منذ أبريل/نيسان من ذلك العام. في حين أن اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية لا تحظر الكلور لأن له العديد من الاستخدامات المدنية، إلا أن الاتفاقية تحظر استخدامه كسلاح. مع ذلك، بين أبريل/نيسان 2014 وأواخر 2016، وثّقت “هيومن رايتس ووتش” 16 هجوماً نفذته الحكومة السورية باستخدام ذخائر بدائية مملوءة بالكلور ملقاة من الجو. كما أن عدد الهجمات المبلّغ عنها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أعلى بكثير. ووجدت آلية التحقيق المشتركة بين الأمم المتحدة و”منظمة حظر الأسلحة الكيماوية” في 3 هجمات بالكلور عامي 2014 و2015 أدلة كافية تشير إلى أن الحكومة هي المسؤولة.

وقابلت “هيومن رايتس ووتش” 60 شخصا لديهم معرفة مباشرة بالهجمات الكيماوية وآثارها المباشرة، واستعرضت عشرات الصور ومقاطع الفيديو لمواقع الارتطام والضحايا التي نشرت على الإنترنت وقدمها السكان المحليون مباشرة، إلا أنها لم تتمكن من إجراء تحقيقات ميدانية في مواقع الهجوم. وتشير معلومات من السكان المحليين في خان شيخون إلى أن طائرة حربية حلقت فوق المدينة مرتين حوالي الساعة 6:45 صباح 4 أبريل/نيسان 2017. وقال أحد السكان إنه رأى الطائرة تسقط قنبلة بالقرب من المخبز المركزي في المدينة في الحي الشمالي خلال أول طلعة جوية. وقال عدد من الاشخاص، بمن فيهم الشخص الذي رأى القنبلة، إنهم لم يسمعوا انفجاراً، لكنهم شاهدوا الدخان والغبار يتصاعد من المنطقة، بما يتفق مع العبوة الصغيرة نسبياً في قنبلة كيماوية. كما أكد العديد من الأشخاص أنهم شاهدوا إصابات أو سمعوا تقارير عن إصابات مباشرة بعد أول طلعة جوية. وبعد بضع دقائق، بحسب ما قالوه، أسقطت طائرة حربية 3 أو 4 قنابل شديدة الانفجار على البلدة.

وحددت “هيومن رايتس ووتش” 92 شخصاً، من بينهم 30 طفلاً، قال السكان المحليون والناشطون إنهم ماتوا بسبب التعرض الكيماوي في هذا الهجوم. وقال موظفون طبيون إن الهجوم أسفر عن إصابة مئات آخرين.

وراجعت “هيومن رايتس ووتش” عشرات الصور ومقاطع الفيديو التي قدمها السكان والتي تظهر الحفرة جراء القنبلة الأولى. يعتقد السكان المحليون أن هذا الموقع هو مصدر التعرض للمواد الكيماوية لأن أولئك الذين لقوا حتفهم يعيشون في مكان قريب، وظهرت على الناس الذين اقتربوا منه، بمن فيهم المسعفون، العوارض الأقوى الناتجة عن التعرض للمواد الكيماوية. إحدى الصور الأولى للحفرة، التي التقطها المسعفون، تظهر ما يبدو أنه سائل على الأسفلت. يتفق ذلك مع استخدام قنبلة تحتوي على سارين، الذي يكون على شكل سائل في درجة حرارة الغرفة.

الصور ومقاطع الفيديو الملتقطة للحفرة تظهر بقايا من الأسلحة الكيماوية المستخدمة: شظية معدنية رقيقة ملتوية عليها طلاء أخضر، وجسم معدني دائري أصغر. يستخدم التلوين الأخضر على نطاق واسع على الأسلحة المنتجة في المصانع للإشارة إلى أنها أسلحة كيماوية: “خاب-250” (KhAB-250)، على سبيل المثال، وهي إحدى قنبلتين من إنتاج سوفييتي مصممتين خصيصا لنشر السارين من طائرة حربية، تحملان خطين أخضرين. الجسم الدائري الظاهر في صور الحفرة يبدو مماثلا لغطاء فتحة التعبئة في “خاب-250″.

هذه البقايا، مقترنة بملاحظات الشهود، العوارض التي ظهرت على الضحايا، وإعلان الحكومتين الفرنسية والتركية و”منظمة حظر الأسلحة الكيماوية” أن السارين هو المادة المستخدمة في الهجوم، تشير إلى أن الطائرة الحربية السورية أسقطت قنبلة سارين منتجة في مصنع. وفقا لمنشورات مفتوحة المصدر، فإن القنابل السوفييتية الصنع الوحيدة المنتجة لنشر السارين هي قنبلة “خاب-250″، ونسختها الأكبر “خاب-500″.

وتشير الدلائل إلى أن هجوم خان شيخون ليس المرة الاولى التي تلقي فيها الطائرات الحربية الحكومية مواداً تؤثر في الأعصاب في الأشهر الأخيرة. وصف شهود لـ”هيومن رايتس ووتش” عوارض تتفق مع التعرض لعوامل الأعصاب، اختبروها هم وسكان محليون آخرون بعدما هاجمت الطائرات الحربية شرقي محافظة حماة في 11 و12 ديسمبر/كانون الأول وشمالي محافظة حماة بالقرب من خان شيخون في 30 مارس/آذار 2017.

ووقعت هجمات ديسمبر/كانون الأول في أراض يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي يراقب الاتصالات عن كثب، لذلك كان من الصعب الوصول إلى الشهود. ولكن 4 شهود تمت مقابلتهم عبر الهاتف، وموظفون طبيون تمت مقابلتهم عبر رسائل نصية بمساعدة وسطاء، قدموا روايات متسقة عن الهجمات. وقدم ناشط في المعارضة وسكان محليون أسماء 64 شخصا توفوا بسبب التعرض للمواد الكيماوية في هجمات ديسمبر/كانون الأول.

الهجوم المشتبه به باستخدام مادة تؤثر في الأعصاب في شمال حماة في 30 مارس/آذار لم يسفر عن وقوع وفيات، بل أصاب العشرات، من المدنيين والمقاتلين، بحسب السكان المحليين والعاملين الطبيين والمسعفين.

وقعت جميع الهجمات الأربعة المشتبه باستخدامها مادة تؤثر في الأعصاب في مناطق هددت فيها القوات المسلحة التي تقاتل الحكومة القواعد الجوية العسكرية الحكومية.

أصبح استخدام القوات الحكومية للأسلحة المملوءة بالكلور أكثر انتشارا ومنهجية. خلال الشهر الأخير من معركة مدينة حلب، التي انتهت في 15 ديسمبر/كانون الأول 2016، ألقت طائرات الهليكوبتر ذخائر متعددة بدائية الصنع مليئة بالكلور، في نمط يبين أن الهجمات كانت جزءا من الاستراتيجية العسكرية الشاملة لاستعادة المدينة. استمرت مثل هذه الهجمات في الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، في اللطامنة شمالي محافظة حماة.

منذ يناير/كانون الثاني 2017، وثقت “هيومن رايتس ووتش” أيضا، للمرة الأولى منذ أغسطس/آب 2013، استخدام القوات البرية الحكومية أو الموالية للحكومة الصواريخ البدائية الصنع المطلقة من الأرض والتي تحتوي على الكلور لمهاجمة المناطق القريبة من دمشق تحت سيطرة الجماعات المسلحة التي تقاتل الحكومة.

وأصابت بعض الهجمات الكيماوية مناطق سكنية بعيدة عن خطوط المواجهة من دون أي هدف عسكري واضح، ويبدو أنها قتلت وجرحت مدنيين فقط، ما يشير إلى أن قوات الحكومة السورية وجهت بعض الهجمات على الأقل ضد السكان المدنيين.

ونفت الحكومة السورية مراراً استخدام الأسلحة الكيماوية، بما في ذلك في خان شيخون في 4 أبريل/نيسان. وبينما شنت روسيا هجمات جوية في المناطق التي وقعت فيها هجمات كيماوية، لا توجد لدى “هيومن رايتس ووتش” أية معلومات تشير إلى أن السلطات الروسية استخدمت أسلحة كيماوية. ومع ذلك، تواصل القوات الروسية تقديم الدعم العسكري النشط للقوات السورية على الرغم من الأدلة الكثيرة على أنها تستخدم الأسلحة الكيماوية وتستهدف المدنيين.

وتحظر “اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية”، التي دخلت حيز النفاذ عام 1997، تطوير الأسلحة الكيماوية وإنتاجها وتخزينها واستخدامها، وتفرض تدميرها. ينطبق الحظر أيضا على المواد الكيماوية السامة ذات الاستخدامات المدنية، مثل الكلور، عندما تستخدم كأسلحة. أصبحت سوريا طرفاً في الاتفاقية في أكتوبر/تشرين الأول 2013.

الجرائم ضد الإنسانية هي أعمال إجرامية محددة ترتكب على نطاق واسع أو منهجي كجزء من “هجوم على السكان المدنيين”، أي أن هناك درجة من التخطيط أو السياسة لارتكاب الجريمة. تشمل هذه الأفعال القتل و”الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة كبيرة أو إصابة خطيرة بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية”. حظر الجرائم ضد الإنسانية هو من القواعد الأكثر أهمية في القانون الجنائي الدولي ويمكن أن يشكل الأساس والمسؤولية الجنائية الفردية في المحاكم الدولية، وكذلك في بعض المحاكم المحلية الأجنبية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية.

تدعو “هيومن رايتس ووتش” مجلس الأمن الدولي فورا إلى اتخاذ قرار يدعو جميع أطراف النزاع السوري إلى التعاون الكامل مع محققي “منظمة حظر الأسلحة الكيماوية” وتيسير وصولهم دون عوائق إلى مواقع الهجمات الكيماوية، كما ينص قرارا مجلس الأمن 2118 و2235. تماشيا مع تعهدات مجلس الأمن بفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حال استمرار استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، تدعو “هيومن رايتس ووتش” مجلس الأمن إلى اعتماد عقوبات ضد المسؤولين عن الهجمات الكيماوية، بحسب النتائج التي أكدتها تحقيقات الأمم المتحدة. كما تحث “هيومن رايتس ووتش” الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على دعم آلية المساءلة في سوريا التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2016، بما يشمل التمويل.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى