صفحات سوريةهوشنك أوسي

وأهلاً بكم في برنامج “البرنامج” نريد نسخة من باسم يوسف سوريّاً!

 

هوشنك أوسي()

كنوع من الاشادة والثناء على برنامج “البرنامج” الذي تعرضه قناة “سي بي سي” المصريّة الخاصّة، ليلة كل يوم جمعة، والتأييد والتضامن مع مقدّمه الاعلامي المصري، باسم يوسف، كتبت مقالا نشرته صحيفة “الحياة” يوم 05/01/2013، بعنوان: “باسم يوسف في شرك السخرية السياسيّة”، ذكرت فيه: “أدخلت تقنية يوسف في برنامج “البرنامج” كثيرين في رعب أن يصبحوا “فريسة” قنصه يوماً ما. ما وضعتهم أمام خيارات عدة: إمّا أن يتوقّفوا عن تنزيل ملفّات الفيديو الخاصّة بتصريحاتهم وخطاباتهم وبرنامجهم على شبكة الإنترنت، وإمّا أن يتنبهوا، أو يعتادوا على انتقادات يوسف. هذه السخرية الباذخة والقويّة التي جسّدها يوسف، تنطوي على حالة غضب ونقمة شديدة مما يجري في مصر من امتطاء للثورة وهدر قيمها، إضافة إلى الانقسامات العميقة، أفقياً وعموديّاً، في النسيج الاجتماعي المصري، والتي تزداد بتأثير الحكّام الجدد لمصر. ومما لا شك فيه أن الأسلوب الساخر الذي اعتمده باسم يوسف في برنامجه “البرنامج” جعل المشاهد في العالم العربي والمهجر، يترقّب “البرنامج” ترقُّبهُ لمشاهدة عمل مسرحي كوميدي مميّز وعميق وصارخ ومن العيار الثقيل، كل أسبوع. وبذلك يبدو أن يوسف اختار المواجهة، عبر نجاحه في رسم البسمة العريضة على وجوه الملايين في هذا الزمن المترع بالبؤس والضجر والرعب. فهل سيستمر في مواجهته، خصوصاً بعد قرار النائب العام في مصر طلعت عبدالله بفتح تحقيق قضائي معه بتهمة إهانة رئيس الجمهورية محمد مرسي؟”.

الحق ان هذه المواجهة، بدأت تأخذ منحاً أكثر حديًة، قد تودي بهذا “البرنامج” وصاحبه الى خبر كان، في ظلّ النسخة المصريّة لنظام “ولاية الفقيه” المتمثل في “حكم مرشد جماعة الاخوان المسلمين”. وذلك بعد اصدار النائب العام قراره بضبط واحضار يوسف للتحقيق معه في التهم المنسوبة اليه، ثم الافراج عنه بكفالة 15 الف جنيه! وفي حال لو تحقق هذا لحكام مصر الجدد، بإيقاف برنامج “البرنامج” ومعاقبة صاحبه بالسجن او الغرامة، فربما يكون هؤلاء الحكام قد ربحوا المعركة على الصعيد القانوني، (ذلك ان القانون صار خاتماً في اصبعهم، رغم نفي مؤسسة الرئاسة المصريّة تقديمها أي بلاغ ضدّ يوسف او ضدّ أي مواطن مصري، وإنها لن تتدخّل في التحقيق)، إلاّ أنهم فشلوا فشلاً ذريعاً، على الصعيد المعنوي، القيمي، الاخلاقي، بعد أن حقق يوسف وبرنامجه انتصاراً واسع النطاق، وكشف هشاشة وبؤس وعيوب ونفاق النظام الجديد في مصر وماكنته الإعلاميّة، ومدى الخزين الاستبدادي الكامن فيه، والذي لا يقل، بل ربما يزيد، عمّا كان موجوداً لدى نظام حسني مبارك!

ومما لا شكّ فيه ان برنامج “البرنامج” قد أضاف وأرسى تقاليد جديدة في الاعلام المصري، والذي يجب ان يكون له اصداؤه وتأثيره على الاعلام في بلدان عربيّة أخرى، بخاصّة، التي ركب الاسلاميون فيها ثورات شعوبها، وابتلعوا السلطة، بعد اسقاط الانظمة الاستبداديّة فيها.

من جهة أخرى، اثبت باسم يوسف، أنه باستطاعة برنامج تلفزيويني ناقد – ساخر، ان يتحدى نظاماً عقائديّاً شموليّاً، لا زال يعيش نشوة النصر، بعد انقضاضه على حكم استبدادي سابق في مصر، ومصادرته لثورة 25 يناير! كما كشف عن بؤس حال الحركة العلمانيّة والليبراليّة في مصر التي لم تستطع حماية الثورة، وفشلها في خلق حالة مواجهة شعبيّة ناقدة، وفي عمق العمق، لنظام “حكم لمرشد” في مصر! فما حققه باسم يوسف وبرنامجه “البرنامج” فشلت كل قوى المعارضة المصريّة، مجتمعة، في تحقيقه.

ومن هنا، يظهر مدى الرعب والخوف والقلق، الذي احدثه يوسف وبرنامجه في اوساط القوى الاسلاميّة، الاخوانيّة – السلفيّة، وكل امبراطوريتها الاعلاميّة، في مصر التي لم تستطع مجاراة يوسف، ومحاججته والتغلّب عليه، بأسلوبه الفنّي والنقدي الساخر ذاته!. والحقّ أنه ليس الشعب المصري وحده، وبل كل الشعوب العربيّة وغير العربيّة في المنطقة، كانت تتنظر على أحرّ من جمر، ليلة كل يوم جمعة، لمشاهدة باسم يوسف وهو يقول: “… وأهلا بكم في برنامج “البرنامج” …، بلهفة وتشوق لما سيقدّمه يوسف لمشاهديه ومتابعيه من جراعات نقديّة قويّة وعميقة ومحكمة لمجريات الحال المصرية، لا يجرؤ الانسان العادي على قولها، فضلاً عن عجزه عن ملاحقتها ورصدّها وتحليلها، من ثمّ انتقادها.

وبالتعريج على حال الثورة السوريّة، التي هي أيضاً، تسلّطت عليها القوى الاسلامية (اخوان – سلفيين – جهاديين – تكفيريين …) وبات استلامهم للحكم تحصيل حاصل، حتّى قبل اسقاط نظام الاسد، فنحن السوريون، ما احوجنا لنسخة سوريّة من باسم يوسف، ومن برنامجه “البرنامج” يستهدف هذه الهيمنة الاسلاموية الفاقعة على المعارضة والثورة السوريّة، وهذا الاستثمار البشع للثورة، قبل أن يقول السوريون: يا ليت الذي جرى ما كان! ولعلّ البيان الأخير لقيادة الجيش الحرّ الذي يتهم فيه جماعة الاخوان المسلمين بالسطو على الثورة واستثمارها، خير دليل على ما حذّر منه كاتب هذه الاسطر، في مقالات عدّة نشرتها صحيفتي “المستقبل” و”الحياة” من مخاطر أخونة للثورة السورية، وما الى ذلك.

ومن هنا، اذا كانت هنالك قنوات تلفزة سوريّة معارضة، علمانيّة التوجّه، ما عليها إلاّ الاسراع في انتاج برنامج يحاكي ويوافق “البرنامج” لباسم يوسف. أو تتيح هذه المحطة السوريّة، حيّزاً ليوسف ان يقدّم برنامجه على شاشة سورية معارضة، (في حال تمّ ايقاف برنامجه، وربما اغلاق محّطة سي بي سي ايضاً) ويكون نقده موجّه لكل تنويعات وتفريخات الاسلام السياسي المستشريّة في العالم العربي، وليس لتيّارات الاسلام السياسي المصريّة فقط.

يجب ان تلتفّ كل المعارضة المصريّة، وكل المثقفين والفنانين في العالم العربي والمنطقة، حول باسم يوسف، وان يشكّلوا رأي عام مصري وعربي وعالمي ضاغط على السلطات المصريّة للحؤول دون إيقاف برنامج “البرنامج” ومحاكمة صاحبه. واعتقد ان هذه الحادثة، من شأنها ان تضع كل الديمقراطيين والليبراليين، حتّى من التيّار الاسلامي نفسه، على المحكّ. فالقضيّة أكثر واكبر واعمق وأبعد… من برنامج تلفزيوني ساخر، ينتقد الرئيس المصري وتصرّفات ومماسات الاسلام السياسي الحاكم في مصر، بل انها طغيان ذهنيّة الهيمنة والاستبداد العقيدي، الذي بدأ بحظر فيلم “أبي فوق الشجرة”، بعد مرور اربعين عام على انتاجه، ليمرّ بتصفيّة كل صوت سياسي وثقافي وفنّي وإبداعي معارض، وكل قيمة ابداعيّة فنيّة في الادب والموسيقى والسينما المصريّة، وربما يصل الحال بهؤلاء الحكّام الجدد، لهدم آثار وأهرامات مصر، كما فعلت حركة طالبان بتماثيل بوذا في افغانستان. وهذا ما أشار اليه يوسف في إحدى حلقات برنامجه.

قصارى القول: اذا تحقق لحكّام مصر الجدد ما يسعون اليه بحقّ باسم يوسف، يكون الاخير، قد لحق بقائمة طويلة عريضة ممن طالتهم نيران التكفير.. كفرج فوده، نصر حامد ابو زيد، سيّد القمني، ايناس الدغيدي، إلهام شاهين… لذا، يجب تعميم ظاهرة باسم يوسف في البلدان العربيّة، لما في هذه الظاهرة من تأثير قوي لجهة احداث الخلخلة في الخوف من الوعي العقيدي الديني، وتحفيز الجانب النقدي الفكاهي الساخر، والعميق، لدى من يرفض واقع الحال، وليست لديه ادوات البحث والتحرّي عن مكامن الخلل والضعف والتناقض في سياسات وممارسات النظام الاستبدادي، أيّاً كان نوعه. من الضروري تعميم ظاهرة باسم يوسف، لئلا تعيش الشعوب مرّة اخرى، محنة اعلان ثورة جديدة على الانظمة الاسلامويّة الاستبداديّة الجديدة، وتدفع البلاد والعباد ضرائب وأكلاف اخرى، لاستعادة حريّاتهم المسلوبة! يجب تعميم هذه الظاهرة الفريدة، باعتبارها عين ولسان حال المجتمع، الذين يرصدان وينتقدان سلوك وذهنيّة الحاكم.

() كاتب كردي سوري

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى