صفحات الناس

وئام وهاب.. لم يكن وَصلُك إلا حُلُما/ فادي الداهوك

 

منذ ثلاث سنوات، لا بد من ذِكر اسم رئيس حزب التوحيد العربي، وئام وهاب، عند أي حدث مهم يتصل بمحافظة السويداء السورية. الأمر ليس نابعاً من كون الرجل صاحب ثقل سياسي أو عسكري، أو حتى اجتماعي في المحافظة، إنما لكونه حاجة ماسّة للنظام، ولافتقار السويداء لوجه سياسي يمكن للنظام الاعتماد عليه. فوهاب كان رأس الحربة، أو رأس الفتنة، الذي بمقدوره التعبير عن الوجه المؤيد للنظام في السويداء بصورتها “الدرزية”، أفضل مما يفعل سياسي مغمور من السويداء بمستوى محافظ إدلب صفوان أبو سعدى، أو وزير شؤون الرئاسة منصور عزام، أو عضو القيادة القطرية لحزب البعث أركان الشوفي.

يقسّم النظام الوجه المؤيد له في السويداء إلى صور ثلاث. الأولى دينية، تتمثل في شخص شيخ العقل الأول، حكمت الهجري، الذي يكنّى في السويداء بـ”الرفيق البعثي”، لشدّة ما له من مواقف وأقوال مأثورة تناصر الأسد. والصورة الثانية، عسكرية، يختصرها النظام في العميد في الحرس الجمهوري، عصام زهر الدين، العميد الغنيّ عن التعريف، فهو “جزّار” باباعمرو في حمص، و”ذبّاح” دوما في الغوطة الشرقية، و”مخلّص” دير الزور في الشمال الشرقي. كل تلك الإنجازات يلصقها النظام بظهر العميد، والذي غالباً ما يكون في المطاعم أو الفنادق حين ترتكب مثل تلك “الإنجازات”. أما الصورة الثالثة فهي سياسية، تولاها وئام وهاب.

ميول وئام وهاب نحو الظفر بـ”مضافة”، أو سلطة في جبل العرب، ليست جديدة. بدأت من باب مضافة سلطان باشا الأطرش في منزله في بلدة القريّا، حين حاول دخولها العام 2010، ومنعه حينها حفيد الباشا، حسن الأطرش، بناءً على وصية نجل قائد الثورة السورية الكبرى، المرحوم منصور الأطرش، لكون وهاب شخصاً غير مرغوب به في منزل والده. فما كان من مرافقي وهاب، من عناصر المخابرات السورية الذين كانوا يتولون مرافقته أثناء زياراته للسويداء، إلا أن اعتدوا بالضرب على حسن الأطرش، ليحضر في ما بعد فرع الأمن السياسي ويعتقله.

تلك الحادثة شكّلت أولى مراحل التّسلط التي بات يمتلكها وهاب على الدروز في السويداء. ثم مع انطلاق الثورة السورية، ووصول الاحتجاجات إلى السويداء باكراً من خلال ما يُعرف بـ”اعتصام الشموع” الذي استمر 4 أيام أمام السراي الحكومي تضامناً مع درعا في آذار 2011، وأعقبه اعتصام نقابة المحامين.. لجأ النظام إلى وهاب، كواجهة سياسية للدروز في السويداء. ومنذ ذلك الوقت تعاظمت سلطة الرجل، فأصبح دائم الحضور في مناسبات النظام، إلى أن وصلت سطوته والامتيازات الأمنية المعطاة له لدرجة أن يفتتح مكتباً لحزبه في السويداء، وتلك مخالفة للدستور الذي يمنع في الفقرة الرابعة من المادة الثامنة منه، تشكيل أي حزب على أساس “ديني أو طائفي أو قبلي أو مناطقي”، فضلاً عن أن الحزب ليس سورياً بالأصل.

طموح وهاب بفتح مكتب لحزبه في السويداء أثار موجة واسعة من التنديد، كان أبرزها تلك التي صدرت عن مشيخة العقل، إذ تبلورت خطوة هامّة نحو لجم وهاب، ووضع حدّ له من خلال اجتماع للهيئة الروحية في آذار/مارس 2012، دعا إليه شيوخ العقل: أحمد الهجري، وحسين جربوع، وحمود الحناوي. وكان البند الأول المطروح على قائمة جدول أعمال الاجتماع هو منع وهاب من افتتاح مكتبه والاعتذار عن استقباله في المحافظة. لكن ذلك اليوم شهد وفاة الشيخ أحمد الهجري بحادث سيارة قبيل موعد الاجتماع، والشكوك ما زالت تدور، إلى اليوم، حول عملية اغتيال للشيخ، لأن الوفاة حصلت بعد دخوله إلى المستشفى مترجلاً من سيارة الإسعاف بشكل طبيعي.

بعد ذلك، ازدادت المواجهات بين أبناء السويداء وأنصار وهاب، الذين لا يشكلون أكثر مما تشكله نسبة المؤيدين له في بلدته، الجاهلية، أو في لبنان كله. فقامت “كتيبة سلطان الأطرش”، التي ترأسها قائدها الراحل، خلدون زين الدين، بنصب كمين لموكب وهاب الذي كان يقل ممثله في السويداء، تيسير حاطوم، وأطلقوا رصاصتين على قدمه تاركين معه رسالة لوهاب مفادها أن “الرصاصة الثالثة في رأس معلمك”.

ومؤخراً، مع دخول السويداء في مواجهات دامية مع بدو المنطقة بالتنسيق مع جبهة النصرة، عاد اسم وهاب مجدداً للظهور، من خلال نعيه لأحد قتلى اللجان الشعبية، معلناً أن القتيل أحد أعضاء حزبه. وهنا، يبدو أنه ارتكب إحدى الكبائر، لأن النظام في السويداء قوي كفاية وليس بحاجة إلى أي مساعدة. فجاء هذه المرة إيصاد الباب أمام وهاب من قبل النظام نفسه. وفي كلام وهاب ما يدلل على ذلك، من خلال قوله في البيان “هناك ممارسات من أحد الأجهزة الأمنية لم تعجبني، وكأن الوضع في سوريا هادئ وحركة حزب التوحيد تسبب الازعاج لهذا الشخص أو هذا الجهاز”.

هناك رأي يقول إن قرار وهاب إقفال مكاتبه في سوريا مردّه الى تسوية قريبة يجري العمل عليها في سوريا. وبما أن وهاب من المستحيل أن يكون جزءاً من أي تسوية، على اعتبار أنه ظاهرة افتراضية ولا يملك مكاتب في سوريا أصلاً، تلوح أسباب أخرى لذلك، أحدها أن النظام تنكّر لجهود حزب الله في القلمون، والقصير، وكذلك لجهود مدير عام الأمن العام اللبناني عبّاس ابراهيم، في قضية راهبات معلولا، من خلال تغييب دورهم وأسمائهم من الإعلام السوري، فهل سيعطي ذلك الشرف لوهاب؟!

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى