صفحات المستقبل

واحد واحد واحد


بتذكر لما كنت صغير…ستي عزمتنا على كبة مشوية… وستي مشهورة بالكبة على مستوى الحارة ..و العالم بتحلف بكبكتها و بحشوتها…كنت صغير ابو صف اول و متخرج من الحضانة و ما حدا قدي و شخصيتي عم تتكون….انفردت هالطاولة و عليها كوشة اكلات محيطة بالكبة المشوية يلي هي ملكة الغدا لانو ستي مساويتها…و ستي من هدول النسوان الشوام يلي انو كبيرة العيلة و متسلطة  و قوية و ممكن البعض يوصفها بأنها بنت حرام على قد ما كانت تحر بهل العالم و تعمل مشاكل و ما حدا بيسترجي يحكي..منشان ما تغضب عليه او عليها….و يروحو عجهنم..المهم..هالكبة على  حسب تعبير العيلة كانت شغلة عالبغلة…و كنت شوف خوالي و عيلهون عم ياكلو هالكبة و الدهن عم يشر و شكلهون متل يلي جاييتو اورغازم..عضيت اول عضة و التانية..دمعو عيوني و لعت نفسي و تشربكت امعائي مع البنكرياس و قضيت ليلتها عم استفرغ…كانت اول و اخر كبة مشوية  باكلها بحياتي….

بعد شي اسبوعين نعزمنا مرة تانية…كمان كبة مشوية بأشراف و تنفيذ ستي..فيعني العيلة رح تكون موجودة و الكل رح ياكل و يلقي خطابات المدح…و بلشت الوليمة و فجأة بيطلع ولد صغير و بيقول لامو هي عم تسكلبو كبة مشوية.. ما بدي هي ما بحبها..بدي بطاطا…الكل وقف اكل ….انو شو عم تحكي…شو ما بتحبها…لك هي كبة ام سمير…هي طيبة بس انت اجدب ما بتعرف طعمة تمك…..

بنفس الفترة..ستي التانية…يلي لسا اضرب من الاولانية و ادق رقبة…و فوق هيك بخيلة خير الله…ماكنت افهم ليش..بس انو هيك بخيلة..مرة عالعيد منشان توفر مصاري..راحت جابت قطعة قماش و خلت جارتها تخيط سبع بجامات و وزعتهون عيادي على هالكم صبي بالعيلة و انا من بيناتهون…البيجامة كانت زرقة غامقة و بتخري لدرجة انو فينا نعتبرها جريمة بحق الطفولة…وبأول يوم بالعيد و متل العادة بالعيلة بتجتمع عند كبيرة العيلة يلي ستي….انا فرحان انو بدي روح و العب مع ولاد عمي و هالحركات..من وصلتنا..اجو اهالينا عطونا البيجامات منشان نلبسهون لانو ستي بدنا تشوفنا فيهون…لبست بجامتي و قلتلها لماما انو بتخري (طبعا ما قلت بتخري بس بما معناه…انو لهلأ اذا بقول هيك كلمة قدامها باكل خناقة للسما) المهم….ماما قالتلي خلص لبسها و تشكر ستك و بعدين شلحها و بعمرك ما تلبسها..طبعا هون ما بعرف اذا كلام والدتي كان من باب انو عم تدعم نمو شخصيتي..و لا لانو فعلا البيجامة بتخري..ولا ببساطة قصة كنة و حماية…بس انو هيك قالتلي..رحت على الغرفة محل ما الكل مجتمعين و اصطفيت جنب ولاد عمومي اصحاب البيجامات الزرقاء و الكل صار يتغزل بهل البيجامات…و قصائد الشعر انهالت على ستي ابتهاجا و فرحا…سئلتنا ستي اذا كنا مبسوطين بالعيدية..ولاد عمومي ابتسمو و هزو راسهون ايجابيا…جوابي كان لاء..ما حبيت البيجاما..الكل بالاوضة سكت… انو شو عم تحكي..و بابا زورني و ماما عرفت انو رح يصيرلها مشكلة مع حماتها..شو هالكنة يلي ما بتعرف تربي…و انو شو يلي مو عاجبك فيها…هي حلوة بس انت اجدب ما بتعرف طعمة تمك…

سنين بعدها…و كل ما في كبة مشوية عالطاولة…قبل ما اي حدا ياكل..لازم يعطو محاضرة لهل الصبي يلي بأنو اجدب و ما بيعرف طعمة تمو كل ما رفض ياكل كبة…..و صار ياخد عيدية اقل من ولاد عمومو..بحجة انو ستو ماضل معها فراطة….سبحانو الله..كل صبحية عيد بتنقطع من الفراطة وقت بيكون دوري بالعيدية…

هلأ هالقصتين يلي مارح يغنو ثقافة اي حدا منكون او يزيدكون معرفة… هنن قصص صغيرة صارت معي و صار متلها مع كتير غيري…..كلياتنا..او معظمنا على الاقل خلال فترة حياتنا قلنا لاء لشغلة روتينية و بديهية بحياتنا..او كان عندو رأي صغير مختلف عن الرأي العام..الشغلة طبيعية جدا..انو نعارض الشغلات يلي ما بتناسبنا بحياتنا…كلنا عارضنا شي بحياتنا..اي شي او شغلة شو ماكنت صغيرة و تافهة بس قلنا لاء….و غالبا لما اظهرنا رفضنا..او معارضتنا الها.. تعرضنا للتوبيخ او اكلنا شي زورة على الاقل…المعارضة هو تصرف بشري..لانو سائبت انو حجم دماغنا اكبر من باقي المخلوقات فصار عنا مجال نفكر و نكون رأي…او على الاقل نحاول يكون عنا رأيي…بس عنا غير…سوريا غير..

مجتمعنا بيفرض علينا الاستبداد بغلاف تناغم مزيف …..بتبلش بالعيلة…و كلام الكبير صح مهما كان جحش…بتكمل بالمدرسة…كلام الانسة  ومدرب الفتوة صح مهما كانو جحاش……و الطالب يلي بيجادل مُسّلمة.. الله يعينو… اجدب و ما بيعرف طعمة تمو..انو ولد شو فهمك انت يا حمار..انا عم قول هيك و شوف انا شلون استاذ و معي شهادة اني بفهم و بالتالي اي شي بتقولو و بيعارض كلامي هو علاك و لو كان صح…..مو لشي بس لانك اجدب و ما بتعرف طعمة تمك….

منجي للدين… اساسا الدين اذا بيفكر الواحد يعارضو بأي شكل بيصير مرتد..حتى لو الدين نفسو بيسمحلو يعارض..اهل الدين و حماتو ما بيخلوك تعارض..فتنة..خيانة..زعزعة روح الوحدة الدينية…..انو جاهل الله يهديه..يلي هي النسخة الدينية من اجدب ما بيعرف طعمة تمو….

فهيك ربينا بمجتمع بيصادر الاراء يلي بتختلف عن الرأي الواحد..و الاختلاف ممنوع….و دائما في مصدر واحد للتشريع الاجتماعي و الراي المقبول…كلام الجد.. كلام القائد.. و كلام الرب.. و كلام الحزب.. كلام الشيخ.. كلام اي شخص عندو صفة رسمية او اجتماعية هو الصائب و رأي اي انسان تاني ما معو نفس الصفة هو خاطئ.. ليش؟ اكيد لانو اجدب و ما بيعرف طعمة تمو…..كلنا لازم نكون على نفس الرأي و ما نخالف و نمشي متل بعض و نسمع الكلمة و نكره يلي لازم نكرهون و نحب يلي لازم نحبهون..منعلف وقت بيقلولنا علفو..و منمعي لما بيقلولنا معّو..

لما الواحد بيعيش طول عمرو بهيك اجواء مصممة لتخفي رأيوالمختلف..طبيعي يكبر و يتولد عندو ردة فعل نفسية و سلبية ضد مفهوم الشي يلي بيعارض العرف و العادات و التقاليد و سياسة القطيع لانو صعب نتقبل فكرة الاختلاف….و لما منضيف فوقها مفهوم “الواحد”  يلي انزرع فينا…بيصير فينا انو منشوف كل يلي ما بياكلو كبة مشوية هنن جهة وحدة بيكرهو الكبة المشوية ..ما في فرق بين واحد و التاني…خلص كلو بيكره الكبة..كلهون مرتدين عن الكبة..و اذا كان بين الارهابيين يلي فجرو برج التجارة بنيويورك واحد ما بياكل الكبة…منصير لما منعرف انو جارنا ما بيحب الكبة..منحكي معو كأنو هو مرتبط بأرهابيين نيويورك..و لما منتخانق معو منشان شطف الدرج منقلو انتو الارهابيين هيك عقليتكون…بدكون حرية يا منايك!…

صعب علينا نشوف شي اكتر من “الواحد”…مو معقول يكون في اكتر..انو شو هي رأيين او تلاتة  او حتى اربعة لا سمح الله؟ هو رأي واحد..توجه واحد..يا هيك..يا هيك..يا بتحب الكبة و انت مننا…يا اما بتكره الكبة و انت عدونا..هلأ اي نعم انت متلك متلنا و احلامك و طموحاتك و اهدافك متل اهدافنا..بس انت بتكره الكبة..و في واحد اسرائيلي بيكره الكبة..معناها انت واحد اسرائيلي صهيوني ماسوني كرتوني متأمر…و “انتو جماعة المعارضة هيك”.  في واحد سوري..طول عمرو حرامي و ناهب البلد مع النظام..بين يوم و ليلة كره الكبة المشوية…و صارو جماعة الكبة المشوية بيعتبروه متلو متل اي مواطن درويش مابيحب الكبة…انو الاولاني كره الكبة لانو تخانق معها و كان بدو البيت بما حمل..فلما ما قدر..كرهها..بينما التاني بيكره الكبة لانو ريحتها طالعة صرلها عمر…زنخت البلد و عبتو زبالة و كولسترول و صار البلد مريض…فبيكرها لانها خربتلو حياتو و البلد…بس لانو مفهوم “الواحد” مسيطر علينا…صرنا منشوفهون واحد…خدام و لا غيرو…اي واحد بيقول لاء..هنن نفس الشي..لانو بعقلنا المأدلج و المريض..في حصرا لاء او نعم…ابيض و اسود…ثنائيي الابعاد و البعد التالت دحشو النظام بطيزنا على مر العقود منشان مانقدر نشوفو….و اذا شفنا عالم عم يقولو لاء.. فلازم يكونو نسخة عن بعض..متلنا تماما…قطيع واحد متناغم و عم يقودو راعي غنم و كلابو…

فالمشكلة انو لما انا بكون خاروف..مافيني استوعب انو باقي العالم مو خواريف..و لا سيما انو شكلهون متل شكلي..يعني المفروض من نفس الفصيلة….و بالتالي لازم يفكرو متلي..انو انا مافيني شوف او ستوعب غير شي واحد.. رئيس او راعي..فهنن اكيد مافيهون يشوفو غيرو ..و اذا عارضو هالواحد و شافو غيرو..معناها كل يلي غيرو لازم يكونو بس واحد…مو لانو هنن اصلا واحد…بس لانو انا خاروف و ما بقدر استوعب اكتر من واحد…

وواحد واحد واحد…و شكلو ما رح يجيب اخرتنا غير هالواحد و مفهوم “الواحد”…

و ربي يسر

http://hashashji.wordpress.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى