صفحات سورية

واشنطن تدعو إلى حل تفاوضي في سورية.. لماذا؟

 

الطاهر إبراهيم

لا بد من الإشارة إلى أن موقف واشنطن من الصراع في سورية قد تغير، بعد إعادة انتخاب باراك أوباما لولاية ثانية، عما كان عليه الحال في ولايته الأولى. وتحديدا منذ صيف عام 2012، عندما اتفقت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية ومدير الـ( CIA) ديفيد بيترايوس آنذاك، بدعم من وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا، على أن تقوم واشنطن بتعديل سياستها وترسل أسلحة يحتاجها مقاتلو المعارضة السورية الذين يقاتلون جيش بشار الأسد، حيث رفض أوباما ذلك. ترافق هذا الرفض مع تعيين جون كيري وزيرا للخارجية، الذي سمعنا منه تصريحات متناقضة، توحي بأنه لم يستوعب الملف السوري بعد، أو أن تصريحاته هي صدى لتغير مواقف أوباما من الملف.

أوباما وأعضاء إدارته أكدوا رفض تسليح الجيش الحر بأسلحة نوعية، بحجة أن هذا التسليح سوف يطيل عمر الصراع في سورية. وأن الحل الأسلم هو في إقناع بشار الأسد بالجلوس مع الائتلاف السوري إلى طاولة المفاوضات، للوصول إلى حل متفاوض عليه. وربما لمحت الإدارة الأمريكية من طرف خفي إلى أن هذه المفاوضات ستكون نتيجتها رحيل بشار الأسد، وهي نتيجة لم تلحظ في مقدمة الطرح الذي تروج له واشنطن، ما يعني أنه محاولة للضحك على ذقون الائتلاف الوطني. أما موقف الجيش الحر فقد رفض هذا الحل الأمريكي الملغوم جملة وتفصيلا.

فهناك إجماع في الموقف عند فصائل الجيش الحر برفض أي تفاوض مع بشار الأسد، بعد كل ما جرى ويجري في سورية من قتل وتدمير، لم يوفرا بشرا ولا حجراً، صغيرا ولا كبيراً، رجلا ولا امرأة. وأن العزاء لم يترك أسرة سورية ألا دخل بيتها. وبعض الأسر تم إغلاق خانتها نهائيا، حتى لم يبق منها من أقرباء الدرجة الأولى من يرث الشهداء. الأهم من ذلك فإن نظام بشار الأسد لم يترك أي مساحة، مهما كانت صغيرة، في قلوب معظم السوريين يمكن أن تقبل بأي تعايش مع هؤلاء القتلة، الذين استعانوا على ذبح السوريين بأناس أغراب عن سورية. ربما يكون تعايش بين الذئب والغنم هو أقرب للمعقول من العيش مع نظام بشار الأسد في أي صيغة كانت.

في هذه الأجواء التي ليس فيها منطقة رمادية، يتساءل السوريون عن سبب إصرار واشنطن على تعايش النقيضين في حكم سورية، وليست هناك أرضية لهذا التعايش؟ تختلف الرؤى حول أسباب موقف واشنطن هذا. فمع الإجماع على أن هذا الموقف هو حاجة إسرائيلية بالدرجة الأولى، حيث خبرت بشار الأسد وأباه من قبله. فقد حفظا أمن إسرائيل على مدى أربعة عقود فلم تطلق رصاصة واحدة عبر هضبة الجولان، كذلك فإن فصائل الجيش الحر مرفوض القبول بها أمريكيا.. لماذا؟

على أن هذين السببين ليسا هما كل شيء عند واشنطن، حتى لو أضفنا إليهما أن التخلص من نظام بشار الأسد سيؤدي حكما إلى التخلص من نفوذ إيران في محور بيروت دمشق بغداد طهران. فإن واشنطن ما تزال لا تطمئن لأي حاكم ‘سني’، حتى لو كان مستبدا، خصوصا في بلد مثل سورية. فهي جربت الاستعانة بطهران في احتلال أفغانستان واحتلال بغداد فما خيبتها طهران إذ فتحت أجواءها أمام طائرات التحالف. كذلك فعل حافظ الأسد عندما أرسل جيشه ليحارب العراق تحت راية واشنطن في حفر الباطن عام 1991. أما الدول العربية التي يحكمها حكام سنيون، فما وقفت مع واشنطن إلا دول الخليج في عام 1991 في حرب تحرير الكويت، التي هي إحدى دول الخليج.

نذكر هنا أن واشنطن لم تكن ضد تشكيل المجلس الوطني في بدء انطلاقته. ومع ضعف المجلس بتأثيره في الثورة السورية، فقد رحبت بقيام الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية كبديل من هذا المجلس عندما لم تجد تجاوبا مع خططها في احتواء الثورة. وقد بدأ البرود عند واشنطن تجاه هذا الائتلاف بعد شهر واحد عندما وضعت ‘جبهة النصرة’ على قائمة الإرهاب، فوقف معاذ الخطيب رئيس الائتلاف منددا بهذه الخطوة، وكذلك فعل جورج صبرة، وكذلك فعلت جميع فعاليات الثورة السورية بما فيها الجيش الحر، رافضا خطوة واشنطن في عزل جبهة النصرة.

يبقى أن نقول إن مواقف جميع أعضاء المعارضة السورية هو مع رفض الوصاية الأمريكية، بمن فيهم الأعضاء الليبراليين. فقد يختلف أعضاء المعارضة أيديولوجيا، ما بين إسلاميين وعلمانيين وقوميين، لكنهم يرفضون رفضا قاطعا الانصياع لأية وصاية خارجية.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى