صفحات سوريةعلي العبدالله

واشنطن تنتقم من “حلفائها”/ علي العبدالله

 

بين نص مشروع القرار الذي وزّع على أعضاء مجلس الأمن الـخمسة عشر وصدوره بصورته النهائية  يوم الجمعة 26/2/2016 تحت رقم 2268 فرق بسيط لكنه شديد الدلالة والخطورة معا، شديد الدلالة كون من طلب التعديل على نص المشروع هو الولايات المتحدة الأميركية، الدولة التي شاركت مع روسيا في صياغته، والخطورة كون هدف التعديل الذي تم معاقبة الهيئة العليا للمفاوضات والدول الداعمة لها(السعودية وتركيا وقطر).

قامت واشنطن بتعديل مشروع القرار قبل طرحه في جلسة مجلس الأمن بحذف عبارة “بما في ذلك من خلال الهيئة العليا للمفاوضات” الواردة في البند الرابع من نص المشروع الذي يقول:”تعترف بجهود الاتحاد الروسي والولايات المتحدة للتوصل إلى تفاهم بشأن شروط وقف الأعمال العدائية، وتعترف وترحب بأن قوات الحكومة السورية والجهات الداعمة لها، كما أبلغت الاتحاد الروسي، وجماعات المعارضة السورية المسلحة، كما أبلغت الاتحاد الروسي أو الولايات المتحدة، بما في ذلك من خلال الهيئة العليا للمفاوضات، قبلت والتزمت بالتقيد بشروط وقف الأعمال العدائية، وعلى هذا النحو الآن أطرافا فيها”، وحذف الإشارة إلى اجتماعات موسكو والقاهرة والرياض الواردة في البند السابع من مشروع القرار والذي يقول:” يؤكد من جديد دعمه لعملية سياسية بقيادة سورية وبتسهيل من الأمم المتحدة، ويطلب من الأمين العام، من خلال مساعيه الحميدة والجهود التي يبذلها المبعوث الخاص لسوريا، لاستئناف المفاوضات الرسمية بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة، تحت رعاية الأمم المتحدة، في أقرب وقت ممكن، ويحث ممثلي الحكومة السورية والمعارضة السورية على الدخول بحسن نية في هذه المفاوضات، وفي هذا السياق، يشير مرة أخرى إلى اجتماعات موسكو والقاهرة، ويلحظ على وجه الخصوص فائدة الاجتماع الذي عقد في الرياض، والذي ساهم في إعداد هذه المفاوضات”.

فماذا أرادت واشنطن بتعديلاتها على مشروع القرار؟.

لا يحتاج المتابع للصراع في سوريا وعليها إلى ذكاء حاد لإدراك دلالة التعديلات وخطورتها، فالتعديل الأول الذي تم على البند الرابع يلغي دور الهيئة العليا للمفاوضات في ترتيبات وقف الأعمال العدائية، ما يعني الفصل بين المستويين السياسي والعسكري، ومطالبة المستوى العسكري بالتواصل مع الولايات المتحدة وروسيا دون المرور بالمستوى السياسي، والفصل بين الميدان وطاولة المفاوضات، وهذه ضربة للمعارضة التي نجحت في مؤتمر الرياض بجسر الهوة بين المستويين السياسي والعسكري والاتفاق على الذهاب إلى جنيف بوفد موحد للعمل على تحقيق مطالب الثورة في الحرية والكرامة. فنجاح التعديل في شرخ العلاقة بين المستويين سيعيد المعارضة السورية إلى ما قبل مؤتمر الرياض الذي نجح في جمع المستويين على موقف سياسي واحد، ويكشف ظهر الهيئة ويضعف أوراق وفدها التفاوضية، ويفسح للنظام المجال بالتشكيك بتمثيلية الوفد وقدرته على تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه. وهذا التعديل، كما التعديل على البند السابع الذي أزال الإشارة إلى اجتماعات المعارضة، وخاصة اجتماع الرياض، الذي أثمر إيضاح مواقفها وأفرز أرضية سياسية مشتركة لتصوراتها للمخرج السياسي، ليس طعنة للمعارضة ومحاولة لإضعافها فقط بل وطعنة لحلفاء المعارضة، وخاصة السعودية التي رعت الاجتماع وساهمت في نجاحه، يشي بموقف مضمر ضدهم وضد مصالحهم في سوريا والإقليم، فرنسا وبريطانيا نالتا نصيبهما من العقوبة على خلفية ملاحظاتهما على التوافق الأميركي الروسي وتشكيكهما بنوايا روسيا بعدم مناقشة المشروع في غرفة الدول دائمة العضوية كما جرت العادة قبل توزيعه على الأعضاء العشرة غير الدائمين في المجلس.

تعكس التعديلات توجها أميركيا لمعاقبة الحلفاء الذين أظهروا تباينا ولو طفيفا وهامشيا مع رغبة الإدارة الأميركية، وتحفظا، مهما كان حجمه ومستواه، على اتفاقها مع روسيا، فالهيئة العليا للمفاوضات، ممثلة بمنسقها العام والناطقين باسمها، لم تتوان عن الاعتراض على الاتفاق، وضعت عليه سبعة عشر تحفظا، وعن نقد المواقف الأميركية التي عكست تخليا عن مواقف سابقة ووعود كثيرة، ناهيك عن تهديداتها بحجب الدعم عن المعارضة مالم تستجب لطلباتها، من جهة، وكشفت عن صلابة في الموقف والتمسك بأهداف طالبت بها ثورة الحرية والكرامة، ما يضعها على الضد من التصور الأميركي للحل، والذي توافقت مع الروس على تمريره، ولو على جثة الثورة السورية وتضحيات الشعب السوري ومعاناته مع القتل والنزوح والهجرة والدمار، من جهة ثانية. وانتقاما من الحلفاء، السعودية وتركيا وقطر، لأنهم مازالوا يقفون مع المعارضة السورية بمستوييها السياسي والعسكري ويؤازرون مطالبها في حل يلبي مطالب الثوار في التغيير، ويصرون ليس على إعلان تباينهم مع المواقف الأميركية وحسب بل ويتحركون ميدانيا( قصف تركي لمواقع قوات سوريا الديمقراطية، خاصة وحدات حماية الشعب، زيادة مستوى التنسيق بين تركيا والسعودية، مناورات جوية تركية سعودية فوق قونية، إرسال طائرات سعودية إلى قاعدة انجرليك كجزء من استعدادات لعملية برية في شمال سورية) وسياسيا لحشد مواقف دولية لعملية عسكرية برية في سوريا في إطار عملية التحالف لمحاربة الإرهاب على الضد من رغبتها، والاعلان عن الاستعداد للمساهمة في محاربة الإرهاب، ما زاد في إحراجها ان المساهمة في محاربة الارهاب مطلبها السابق، ودعوتها لقيادة العملية، وربط وقف موجة الهجرة إلى أوروبا بإقامة منطقة آمنة وحظر طيران كي يتاح للنازحين البقاء على الأرض السورية.

يستدعي الموقف من الهيئة العليا للمفاوضات وداعميها، العرب وغير العرب، الانتباه الى خطورة الموقف والعمل على احتواء العملية عبر تمتين عملها وتنسيقها خطواتها مع المستوى العسكري والتحرك محليا واقليميا ودوليا لكسب التأييد لمواقفها ومطالبها المشروعة في انتقال سياسي يحقق مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة في ظل نظام جديد يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز او اجحاف.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى