صفحات سورية

واشنطن وموسكو وجهان لموقف واحد من الثورة السورية

 

الطاهر إبراهيم

عندما كان نظام بشار أسد يقمع التظاهرات بشدة، فيسقط قتلى وجرحى دون أن يردعه رادع، ظن الناس أن النظام أخذ ضوءا أخضر من مجلس الأمن، رغم أن الدول الغربية كانت تطرح قرارات في مجلس الأمن تطالب بوضع ما يحصل في سورية تحت البند السابع، فتضطر بكين وموسكو أن ترفعا ‘الفيتو’ ثلاث مرات لإجهاض تلك القرارات. رغم أن الرئيس ‘باراك أوباما’ ووزيرة خارجيته ‘كلينتون’ لم يتوقفا عن التنديد بمسلك بشار أسد ومطالبته بالرحيل.

مع تقدم وحدات الجيش السوري الحر للدفاع عن المتظاهرين، وازدياد عدد القتلى من المدنيين، خصوصا في أحياء مدينة حمص، ازدادت مطالبة السوريين لمجلس الأمن بفرض ملاذات آمنة على غرار ما فرض في كوسوفو، لكن الصين وروسيا أصرتا على رفض ذلك. بعض خبراء السياسة العريقين أشاروا بإصبع الاتهام إلى واشنطن وأنها لو أرادت لنزلت موسكو عند رأيها. لكن بقي أكثر السوريين يأملون أن تكون واشنطن صادقة فيما تقول، وتنجح بإقناع موسكو بأن تتخلى عن بشار أسد، فتوافق على قرار بحق نظامه تحت البند السابع.

الاختبار الثاني الذي فشلت فيه واشنطن هو رفض تسليح الجيش الحر بصواريخ تخفف القصف الجوي أو توقفه. بل حضت حلفاءها على الامتناع، بحجة الخوف من وقوع هذه الأسلحة بأيدي الإرهابيين أو المتطرفين الإسلاميين. هذه الحجة لم تطرحها واشنطن أثناء تحرير ليبيا، وهي تعرف أن في المعارضين الليبيين من كان في أفغانستان، وليس بين السوريين من كان هناك.

قال المعارضون السوريون لعل وعسى عندما دعمت واشنطن تشكيل المجلس الوطني السوري المعارض الذي أعلن عنه أوائل شهر أوكتوبر عام 2011، وحشدت له ما سمي بدول أصدقاء سورية في عدة مؤتمرات، كان أولها في تونس في 24 فبراير 2012. اعترف مؤتمر تونس بالمجلس الوطني كممثل شرعي للشعب السوري، لكن كان ذلك إلى حين.

كان التغير الثالث الذي أثار تساؤلات يوم أعطت واشنطن ضوءاً أخضر لإنشاء جسم معارض سوري آخر غير المجلس الوطني. أعلنت ذلك ‘هيلاري كلنتون’ من زغرب في كرواتيا، فأعلن في الدوحة عن تشكيل الائتلاف الوطني للمعارضة السورية في 10 نوفمبر 2012. ولم يعرف أحد لماذا هذا التشكيل الجديد؟ لكن ذلك لم يطل حيث أعلن الرئيس ‘باراك أوباما’ وضع ‘جبهة النصرة’ أكبر الجبهات المقاتلة في الجيش الحر وأكثرها تنظيما على قائمة الإرهاب.

على ما يظهر كان المطلوب من التشكيل الجديد أن يعلن عن موافقته على موقف ‘أوباما’، لكن ذلك لم يحصل، بل تم العكس. فقد توالى التنديد بخطوة أوباما بإعلانه عن وضع جبهة النصرة على قائمة الإرهاب، من رئيس الائتلاف ونائبه ومن العميد ‘سليم ادريس’ رئيس أركان الجيش الحر ومن قادة الوحدات العسكرية المقاتلة، إذ اعتبر الجميع أن جبهة النصرة فصيل سوري وطني مقاتل وحر. على إثر هذا التنديد تغير سلوك واشنطن مع جميع مؤسسات المعارضة.

فقد أوقف المانحون تمويل الائتلاف الوطني، الذي أعلن أن كل ما وصله هو 400 ألف دولار. المجلس العسكري المكون من الوحدات المقاتلة في سورية الذي أعلن عن تشكيله بنفس الوقت، هو الآخر تم إهماله. وكان أعلن فيه عن تشكيل مجالس عسكرية في سورية بدعم من ضباط مخابرات أمريكية وأوروبية وعربية، وتم اختيار العميد سليم إدريس رئيسا لأركانه.

على مستوى التسريبات السياسية نقل خبر عن اتفاق بين واشنطن وموسكو على تفعيل ما جاء في اتفاق جنيف بتشكيل حكومة مؤلفة من رموز النظام مع معارضين آخرين مع تجاهل مصير بشار أسد. ما يعني أن الخلاف المعلن بين واشنطن وموسكو لم يكن إلا ذرا للرماد في العيون. ‘فرانسوا أولاند’ رئيس فرنسا هو الآخر أكد على عدم تسليح الجيش الحر – وكان من قبل يدعم تسليحه- حتى لا يزيد الأمر اشتعالا، (من يوقف روسيا عن توريد السلاح للنظام؟).

لكن ما سبب رفض ‘أوباما’ تسليح الجيش الحر؟ في 9 فبراير الجاري أعلن البيت الأبيض أن (الرئيس الأمريكي ‘باراك أوباما’رفض العام الماضي تسليح المعارضة السورية بهدف حماية المدنيين الإسرائيليين وحماية امن الولايات المتحدة). هذا يخالف ماذهبت إليه ‘هيلاري كلينتون’ الصيف الماضي حين اقترحت تسليح مقاتلي المعارضة السورية، ودعمها في ذلك وزير الدفاع ‘ليون بانيتا’. وهي الفكرة التي أيدها مدير الاستخبارات المركزية الامريكية ‘سي اي ايه’ ‘ديفيد بترايوس’، لكن البيت الأبيض رفضها، في حينها. وأثار الاعتراف غضب أعضاء الكونغرس الذين يؤيدون دعم المقاتلين المعارضين السوريين. ما يعني أن القضية عند أوباما هي أصوات اليهود في الانتخابات الرئاسية في الصيف الماضي، ولم يكن وضع جبهة النصرة على قائمة الإرهاب إلا إرضاء للكونغرس الأمريكي الغاضب.

لكن، لماذا بقي الرفض الأمريكي لتسليح المعارضة السورية، وقد انقضت الانتخابات الرئاسية بعجرها وبجرها؟ ولماذا هذا الموقف الجديد المستغرب من الرئيس الفرنسي ‘فرانسوا أولاند’ الذي كان أكبر داعم للمعارضة السورية ضد نظام بشار أسد؟.

من إعلان البيت الأبيض أعلاه يتضح السبب ‘الإسرائيلي’ الحاكم في سياسة واشنطن. فليس ثَمةّ أي مصلحة لإسرائيل في رحيل نظام بشار أسد، فعلى مدى 40 عاما تمتعت الحدود الاسرائيلية السورية بالامن، وهو نفس السبب في تغيير موقف فرنسا، وعلى السوريين أن يضعوا ذلك في حسبانهم.

‘ كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى