صفحات العالم

واقع الحال السوري


 حسن عبد الله عباس

قلت لكم انه من الصعب جداً أن تقنع من يحمل قناعات مسبقة. صاحب القناعات المعلبة والمسبقة عنده حكم جاهز على الأمور، فهو لا يتغير ويظل يحكم على الأمور من منظور هذه القناعات القبلية. فحينما قلت يوم السبت الماضي بأن الإيرانيين سيقفون وراء النظام «البعثي» السوري ولن يرضوا بانهياره وسقوطه، وبرأيي أظنهم سينجحون بذلك أمام الضغط الأميركي الذي بدأ ينحو صوب الدفع لإسقاط النظام واستبداله بآخر أقرب للغرب وألطف مما هو قائم، قولي هذا سحبه البعض وبفضل قناعاته المسبقة وفسره بأني مؤيد لما يجري في سورية!

لا لم أقله، بل على العكس تماماً فانني مقتنع بأن الشعوب العربية كلها في حاجة لحراك وانتفاضات حتى تستجيب الحكومات لمطالبها. فالحكومات العربية جثمت على صدور شعوبها أعوام طويلة وحكمتها بعقليات شمولية واستبدادية بما فيها النظام السوري. لكن أن نتمنى شيئا وأن نقرأ الواقع شيء آخر. فالواقع يقول أن حربا دولية جارية بين الإيرانيين والأميركيين في الإقليم السوري – اللبناني، والجميع يستعمل ما في يده من أوراق. وبظني أن الإيرانيين مازالوا قادرين على الالتفاف على المعسكر «الشيطاني» ولن يرضوا أن تنتهي الحرب معه بسلام وهدوء بسقوط أهم حلقة يملكونها وهي الورقة السورية. فمن جانب فإن المصالح المشتركة قوية بين سورية وإيران، ومن جانب ثان استطاعت إيران ان تتلاعب بالغرب لحد اليوم وتتجاوز جميع العراقيل التي وضعها المجتمع الدولي (سقوط سياسات الاحتواء، عجز الحصار الاقتصادي عن تحقيق أهدافه، تعثر جهود ايقاف المشروع النووي، انعدام جدوى التحذير من الخطر الإيراني وابعادها عن العرب خصوصاً مصر، سقوط العراق كأكبر دولة عدائية للقومية الفارسية لتصبح شيعية الحكم ومائلة جداً لإيران، فشل الثورة الناعمة الخضراء في الداخل الإيراني، وغيرها).

من هنا استنتج انه إن لم تكن محاولات الغرب لاسقاط «البعث» من الحكم في سورية بعيدة المنال، فإني أراها صعبة التحقق في المنظور القريب. فقولي هذا ليس حباً في الممارسات الدموية، ولا هي قناعة وأمنية أريد لها أن تتحقق، بل هي قراءة لواقع الحال الذي أجده أمامي. نعم قد أكون مخطئاً، ولكن عدم قدرة المجتمع الدولي إصدار بيان الإدانة، وتلكؤ الأميركيين في الإعلان بضرورة تنحي الأسد عن الحكم، وعدم تنازل الحليفين الروسي والصيني عن الأسد، ووجود المراوغ الإيراني في الميدان، وعدم انقلاب الجيش والاستمرار في دعمه للنظام، فهذه كلها عوامل تقنعنا بأن النظام السوري مازال هو الكسبان في ما يجري هناك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى