صفحات العالم

… والآن، نقدم لكم عملية السلام السورية


جمال خاشقجي *

أهلاً وسهلاً بكم في «عملية» السلام السورية. لكي تفهموها جيداً، يجب أن تقرأوا تاريخ وتفاصيل عملية السلام البوسنية وهي معقدة واستغرقت نحو 5 أعوام، أو النسخة الكوسوفية المختصرة التي استمرت لعام ونصف عام فقط.

ولكن إياكم والمقارنة أو حتى الاطلاع على تفاصيل عملية السلام العربية الإسرائيلية، فهذه حالة استثنائية تماماً مثل الطرف الإسرائيلي فيها، وهو فوق المحاسبة والتدقيق ويتمتع بحماية أميركية تشمل الحماية من الفيتو وقبول كل أعذاره ومبرراته.

للأسف أن فنون التسويف وتمييع عملية السلام التي طورتها واستخدمتها إسرائيل متاحة للنظام السوري محاكاتها والاستفادة منها، بخاصة أنه يتحول كل يوم إلى «قوة احتلال» فاقداً موقعه السابق كنظام شرعي حاكم وإن كان قمعياً وطائفياً. بالطبع هناك فوارق تصب لمصلحة إسرائيل مثل أنها ديموقراطية على الأقل في إطار الشعب اليهودي وتستخدم الرصاص المطاطي في مواجهة المتظاهرين، وكل الأمرين يفتقدهما النظام السوري فليس هو بالديموقراطي مع قاعدته «العلوية» ولم يتورع عن استخدام الرصاص الحي من أول يوم للتظاهرات.

وليس في ذلك تبرير أو تقليل لجرائم إسرائيل وإنما مقاربة مستحقة بين نظامي احتلال.

لعملية السلام السورية مبادرة محددة، هي خطة المبعوث الأممي والعربي كوفي أنان، وما لم يحافظ الثوار السوريون على زخم قضيتهم داخلياً وخارجياً، فسوف يستبدل الإعلام أخبارهم بأخبار «عملية السلام». سنسمع تصريحات من نوع:

على النظام السوري أن يكون إيجابياً أكثر مع «عملية السلام».

«عملية السلام» تتعرض لصعوبات ولكنها لم تمت.

نريد من الروس دعم «عملية السلام».

كثير من الدول ستجد في «اهتمامها» بعملية السلام ما يعفيها من التزاماتها الأخلاقية حيال الوضع السوري المتردي، فليس ضرورياً أن نفتح ممرات آمنة مثلاً، طالما أننا سنتحدث في مؤتمر ما قادم عن ضرورة فتح ممرات آمنة.

بالرغم من أهمية «عملية السلام» يجب أن تنتبه المعارضة السورية ألا تكون بديلاً عن التدخل الذي يريدونه لإسقاط النظام، وألا يطمئنوا كثيراً حتى لتصريح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن ما من «عملية» إلا ولها سقف زمني، فلعمليات السلام «حياة» تتطور فيها وإليها، طالما أن هناك اعتمادات مالية وسكرتارية وسفراء متقاعدين يوكل إليهم إعداد شتى التقارير، لتقديمها في الاجتماع التالي لمجلس الأمن والذي تسبقه مشاورات مع الروس والصينيين، وهكذا دواليك.

ما سبق كان القراءة السلبية لـ «عملية السلام» والتي ينبغي الحذر ألا تقع فيها القضية السورية، ولكن هناك قراءة أخرى، واقعية، هي أن «العملية» ضرورية للديبلوماسية الدولية، إن الدينامكية التي يعبر بها «المجتمع الدولي» عن اهتمامه بقضية ما، كما أنها توفر التبرير الذي تهرب إليه القوى القادرة على التدخل لشرح أسباب عدم تدخلها حتى الآن.

وأخيراً تعطي مزيداً من الوقت، لعل جنرالاً ما وأكثر لم يعودوا يحتملون الوضع المتردي فينجحون بانقلاب أو تمرد يحسم الصراع ويكفي المعنيين شرور التدخل وكلفته.

وحتى ذلك الحين أمامنا «عملية السلام» وتحديداً خطة كوفي أنان التي يريد أصدقاء سورية الذين اجتمعوا بباريس الخميس الماضي تنفيذها بصرامة، فإلى أين تتجه الخطة؟

يمكن أن تتجه إلى سبيلين، الأول وهو ما تدعو إليه الخطة، وقف لإطلاق النار وحماية المتظاهرين، ثم جلوس الحكومة والمعارضة على طاولة المفاوضات.

السبيل الثاني هو تدخل عسكري مباشر تحت البند السابع لمجلس الأمن (وهو ما يمكن المراهنة عليه من واقع قراءة التاريخ لهذا النوع من الأنظمة من صربيا ميلوسوفيتش إلى ليبيا القذافي).

البداية لم تكن جيدة، إذ دعم الروس مرة أخرى النظام في تفريغ أهم مواد الخطة، وهو إرسال فريق للمراقبة من بعض محتواها وشروطها، فأصر النظام على ما يسميه «سيادة» الدولة في تحديد متى وأين وكيف يتنقل الفريق فوق الأراضي السورية، ما أدى إلى احتجاج ثم اعتذار الجنرال النروجي روبرت مود والمعروف بصلابته، عن قيادة فريق التفتيش وفق شروط النظام.

في باريس ونيويورك يحاول أصدقاء سورية إعادة بعض الشروط وإعطاء أسنان للفريق، وتمكينه من حرية التنقل براً وجواً داخل سورية.

إذا ما انتشر المراقبون، وأسسوا مراكز مراقبة دائمة لهم – وهما ما لم تفعله بعثة مراقبي الجامعة العربية في واحدة من أهم أخطائها وهي كثيرة – ستخرج كل تلك المناطق من سيطرة النظام، وهو ما يدعو إلى التشاؤم، إذ كيف سيقبل النظام بهكذا نهاية؟ ربما لم يملك اختياراً، ربما لديه حل بديل؟ هو أن يفقد كل سورية ويحافظ على بعضها، وتحديداً الساحل والجبل حيث تتركز الطائفة العلوية. لا بد أن النظام استعد ليوم كهذا وفي المنطقة من الأسلحة ما يمكنها من الدفاع عن «الدولة» الجديدة القديمة، ويستطيع أن يهدد جيرانه. صورة قاتمة ووصفة لتدخلات إقليمية تقلب كل التوقعات، مثل أن تتفق إيران وإسرائيل على حماية تلك الدولة!

حينها سيجلس بشار الأسد وأركان طائفته يتفاوض مع المجلس الوطني وهيئة التنسيق وغيرهما من المعارضات السورية، ممثلاً للطائفة وليس للنظام الذي تركه في دمشق.

الاحتمال الآخر أقل سوءاً، أن تفشل مهمة أنان، ويرسل المراقبون تقريرهم إلى نيويورك يؤكدون ما نعرفه ونراه جميعاً، أن النظام هو الذي يقصف شعبه، ويطلبون اتخاذ قرار أممي بحماية الشعب السوري.

على الأقل ورغم صعوبة ذلك التدخل فإنه سيستهدف النظام وحده ومكوناته، وسيحافظ على الدولة السورية ووحدتها.

* كاتب سعودي

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى