صفحات مميزة

وجهاً لوجه مع المأساة في سورية


يتحوّل الصراع في سوريا إلى وحشيّ بشكل متزايد، حسب وصف شهود عيان لمشاهد مروّعة من حالات الاغتصاب والمجازر. ويشعر الطرفان بأن نهاية اللعبة قد اقتربت، ولكن دون أن يعلم أحد كيف ستُلعب تلك النهاية. تبدأ المعارضة بمناقشة الوضع في سوريا المستقبل، مع عدم ارتياح البعض للقوّة المتعاظمة للجيش السوري الحرّ.

ظلّت مروحيّة حربية تحلّق فوق رؤوسنا لدقائق عديدة، مثل حشرة غاضبة في حرّ الظّهيرة. ويبدو الطيّار وكأنه يبحث عن شيء ما هنا بين الحقول والمباني. نستطيع من خلف صفّ الأشجار رؤية المروحية بوضوح، على بعد بضعة مئات من الأمتار، تهبط فجأة، وتطلق أربع قذائف، وتعود لتحلق مجدداً ثمّ تميل قليلاً لتسمح للمدفع الرشّاش بصبّ النار على سنابل القمح العالية، قبل أن تبتعد مختفية خلف الضباب الأبيض في الأفق.

ارتفعت سحب الدخان إلى السماء… أحد الحقول يحترق. وخرج أحد عشر مقاتلاً من الجيش السوري الحر مصابين بالدوار، من منزلٍ إلى الشارع المجاور لمبنى يخرج من ثلاث نوافذ متلاصقة فيه دخانٌ كثيف. أصابت القذيفة الرابعة جداراً حجرياً محيطاً بالمنزل لكنها لم تصب المنزل نفسه، ولا المركبة المركونة بشكل مرئيّ بوضوح إلى جانبه. ووجّه قائد المجموعة تعليماته بألّا تظهر تلك المركبة بهذا الشكل في المرّات القادمة، إذ “انّها الوحيدة التي نملكها”. حيث استخدم هؤلاء المقاتلون من الجيش السوري الحرّ العربة نفسها لستّة أشهر.

“لا بدّ أن الطيّار قد رآه” قال شال، قائد المجموعة، وهو مصمّم ديكورات داخلية بالممارسة، وتابع: “وإلّا لماذا يستهدف المكان هنا؟ ولكن لماذا يستهدف جانبه فقط أيضاً؟”

وفي وقت لاحق من المساء، شكرَ أحد أفراد المجموعة “العناية الإلهية” التي أنقذتهم، ولكن أغلب الظنّ أن للطيّار الحربي أسبابه بعدم قتل أولئك الرجال، وفي الوقت نفسه إرسال رسالة واضحة بمعنى: “أعرفُ أنكم هنا”. في النهاية، لا يمكن لأحد القطع بما دار في خلد ذاك الطيّار في العاشر من حزيران (يونيو)، حين حلّق فوق قرية (هربل)، الواقعة قرب مدينة حلب في شمال سورية. لكنّ ما يعلمه رجال تلك المجموعة أنّه لو اختلف قرار الطيّار في تلك اللحظة، لكانوا أمواتاً. أخيراً يقود الرجال عربتهم مترنّحة من جانب إلى آخر.

كابوس التمزيق

هي لحظة غريبة من كابوس التمزيق الذي تعيشه سورية حالياً. خمسة عشر شهراً من الثورة ضدّ الديكتاتورية في البلاد… ثورة استحالت حرباً في النهاية، ولا يمكن وصف الحالة هنا بعبارة واحدة.

من جهة، هناك مأساة على شكل ميليشيات تابعة للنظام، ترتكب جرائمها في القرى، محاطةً بجنود تابعين للحكومة وقوى “أمن” تصدر الأوامر. ونشرت الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية تقارير تصوّر تعذيباً، وإعدامات ميدانية واستخداماً للأطفال كدروع بشرية.

وقامت شبيغل بمقابلة عدد من الأطباء والممرضات كلّ على حدة، في مشفيين عسكريين، أشاروا إلى حوادث قتلٍ لمرضى مصابين. وتحدّثوا عن جثث لضحايا تعذيب موجودة في برّادات، بآذان وأنوف مقطوعة.

في شمال البلاد، تمّ قصف قرىً بشكل عشوائي بأنواع مختلفة من أسلحة مدرسة المدفعيّة في حلب، منذ بداية شهر حزيران (يونيو)، وتمّت مهاجمتها بالمروحيات والطائرات المقاتلة كذلك. وقُتل 24 مدنياً في الأيام القليلة حول العاشر من حزيران وحدها، بالإضافة إلى العديد من الجنود والمقاتلين من كلا الطرفين في المعركة.

ولكن من جهة أخرى، هنالك طيّار يضرب بعيداً عن الهدف. وهنالك جنود فارّون لا يحاول أحدٌ إيقافهم. وتُبرم صفقات وتحذيرات سريّة خلف الكواليس في تلك المعارك. إذ يدعم أصحاب الأعمال في حلب كلّاً من النظام والمعارضة، ويقوم عناصر الجيش الحر باختطاف ضبّاطٍ وأفراد من عائلات “فرق التعذيب” لمبادلتهم بمعتقلين. ويبدو أن تكتيكات الرعب التي يمارسها النظام باتت تقوّض من سطوة قبضته.

التطلّع إلى مرحلة ما بعد الأسد

الكلّ هنا متأكد بأن الأمور تتجه إلى نهاية، ولكن لا أحد يعلم كيف ستتم. هنا، في السهول المحيطة بـ”مارَع”، في القرى وحقول القمح بين مدينة حلب والحدود التركيّة، امتنعت الحكومة السورية عن التواجد منذ شهور خلت.

وبين حين وآخر، تبعث الحكومة برسائل متقطعة، كما حدث في أواخر أيّار (مايو)، تفيد المقيمين بإمكانية البناء دون رخص وجعل ذلك قانونياً بأثر رجعي في المستقبل. ولكن، عدا ذلك، لا تبعث إلا بالقنابل.

وبعد أن اختبرت شبيغل أحداث جهة من السهل وكيف يتم قصف مدينة عزاز عشوائياً بالمروحيات، وإرهاب أهالي نصف المدينة عن طريق القنّاصة المتمركزين في مآذن المسجد المركزي للمدينة، يعيش من جهة أخرى، سكّان شماليّ وغربيّ السهل بمنأى عن نيران أسلحة النظام، على بعد كيلومترات قليلة من عزاز، في قرية تدعى “دابق”، يجتمع ممثلو تسع مدن ليناقشوا، ولأول مرة في حياتهم، ما ستؤول إليه سورية في المستقبل.

يجتمع اثنان وثلاثون رجلاً في مكتبٍ مهجور، كان يتبع يوماً لحزب البعث الذي مازال يحكم البلاد إسميّاً. منهم عدّة مدرّسين، ومهندس، وعاملا بناء، ومصوّر فوتوغرافيّ، وضابط شرطة سابق، وجنديان فارّان، ورجل غير موظّف، وبضعة تلاميذ. والسؤال المطروح للنقاش هو “ماذا نريد؟”، بطرقٍ مختلفة: أدولة إسلامية؟ أم جمهورية؟ أم ربّما لا حكومة على الإطلاق؟ بكل الأحوال، كما أشار أحدهم: “في الوقت الراهن، المسألة أسهل الآن دون حكم دكتاتوريّ، منها حين وُجد ذلك الحكم”.

لم يرَ هؤلاء الرجال الكثير من العالم الخارجي بأنفسهم، لكنّ قصص الرّعب كانت مألوفة بالنسبة لهم، تلك التي يرويها اللاجئون العراقيون الذين هربوا من الحرب الأهلية في بلادهم. وكذلك الذين أقاموا كعمّال في لبنان، ووصفوا كيف تعترض معسكرات الطوائف المختلفة هناك طريق بعضها البعض. ويتّفق جميع الحاضرين على حاجة بلادهم إلى دستور مدنيّ لا يفرّق بين الطوائف والأديان والإثنيّات المختلفة، ولا ينظر إلى أحدٍ، مهما كان انتماؤه الديني، إلّا كمواطنٍ سوري. كما يتفقون على اختيار المرشّحين لعضوية مجلس الشعب حسب  الكفاءة، لا حسب الخلفيّات الدينية، وعلى ألّا يبقى رئيس للبلاد لأكثر من ثماني سنوات في الحكم.

ويقول الضابط السابق في الشرطة: “على أصحاب المناصب الكشف عن ظروفهم الماديّة باستمرار، علينا التأكّد من الحفاظ على نزاهتهم”.

“لقد غرقت أياديهم في الدماء”

لكن الصفحة الجديدة الورديّة تتوقّف فجأة حين يسأل أحدهم عمّا إذا كان على عائلة إحدى المدرّسات العلويات التي غادرت منذ أشهر، أن تعود.

“طبعاً!” يصرّ البعض. “هي لم تأتِ بسوء لأحد!”. لكن وجوه البعض الآخر تتجهّم. يقولون: “لقد غرقت أياديهم في الدماء، لا نقصد المدرّسة بالذات، بل آخرين منهم”.

لم يستطع الرجال حسم الأمر حول ذاك السؤال، ولا حول سؤال آخر كان محطّ جدل واسع لأشهُر في البلاد كلّها، من درعا في الجنوب، إلى هذه المنطقة في الشمال. اذ قال أحدهم: “نشعر بامتنان كبير للجيش الحر ولدوره في حمايتنا، لكننا لا نريد أن يتولّى السلطة”، ولدى سماع ذلك شعر أحد أعضاء الجيش السوري الحر، جندي مصاب موجود في الغرفة، بالإهانة.

يشرح ياسر الحجّي، منسّق تجربة تلك الأمسية، في طريق العودة إلى “مارع” أن هناك شعوراً بعدم الارتياح من تنامي سلطة المقاتلين. “نحن بحاجة لهم دون شك، لكننا نخشاهم في الوقت نفسه”. ثم يفسّر أهميّة وجود الجيش الحرّ حيث يشرح كيف كان عناصر جهاز “أمن الدولة” يظهرون في أي وقت شاؤوا حتى آخر شهر آب (أغسطس) من العام الماضي، يعتقلون من شاؤوا. أما الآن – يتابع – فحتى الجيش لم يعد يأت إلى مارع وآخر مرّة ظهر فيها كان في العاشر من نيسان (أبريل)، حين أحرقت قوات النظام البيوت ودمّرت مقهى الحجّي بالرشّاشات، قبل أن يعودوا  بعد نصف يوم، محمّلين دبّاباتهم بالسجّادات، والفرش والثلّاجات، تاركين عبارات مكتوبة على الجدران مثل: “أنتم لا تحتاجون للحريّة، بل تحتاجون فقط أن تُعاد مضاجعة أمّهاتكم!” موقّعةً باسم “قوّات الجيش السوري”.

معنى “حرّ”:

كانت تلك بعض الكلمات الأخيرة، ربّما، لحكومة بدأت تفقد السيطرة شيئاً فشيئاً لصالح القائد شال، مصمم الديكور، وقادة آخرين من الجيش السوري الحر.

“لجنة الخدمات الاجتماعية” التي تتحكّم بسعر المازوت, وقسم الإطفاء, والبلديّة, كل تلك باتت جزءاً من الجيش الجديد, الحر الذي يتساءل الحجي عنه بسخرية: “ولكن ماذا يُفترض بتلك الكلمة أن تعني “حر” هل تعني أنهم أحرار في فعل ما بدا لهم؟”

ومفهوم “حر” ذاك، مفهوم ملتبس، قد لا نجد أدهى من حالة السجن المرتجل التابع للجيش الحر، وهو مبنى إداري سابق، كمثال عن ذلك، إذ يُحتجز فيه أشخاص يفترض أنّهم قاموا بجرائم التعذيب والاغتصاب والقتل، ويتمّ اعتقالهم بناءً على وجهة نظرٍ ما، بعد أن يتعرّف شهود عليهم.

المسؤول هنا هو رقيب سابق منشق عن جيش النظام, ضخم الجثة، لقبه “جامبو”. بعد محادثات مطوّلة, سُمِح لنا بلقاء سجينين، كان أحدهما جاسوساً لميليشيات الشبيحة الشهيرة، وهو طالب في كليّة الفلسفة، كان يبلغ مخابرات النظام عن تحرّكات زملائه من الطلّاب. أما الآخر, فهو جندي متّهم باغتصاب سجينات، وضرب سجناء بالهرواة.

“هل تعلم ماذا فعلوا بي؟”

في وقت سابق، شرح لنا جامبو أنّهم يسعون لإقامة نظام عدلي هنا، ولكن يختم قائلاً:

“في النهاية نحن أمام خيارين, إما أن نقتلهم أو أن نطلق سراحهم”.

“حوالي مئة سجين تم الإفراج عنهم خلال سبعة أشهر”.

– “وقتلتم منهم؟” ، سألناه.

– “القليل فقط” .

– “حوالي؟”

– “قليلاً جداّ”

– “هل تضربون السجناء؟”

– “لا…  ليس أكثر من فلقة” .

– “ماذا عن الصعق بالكهرباء؟” سأل أحد السوريين الذي انضم إلينا بعفويّة.

– أجاب جامبو غاضبا: “لا! نحن لانفعل أشياء كهذه, ولا نتّبع أساليب التعذيب, نحن لسنا مثلهم!” .

– سألناه: “إذا ماهي الفلقة إن لم تكن تعذيبا؟” .

يصمت لبرهة, ثم يستجمع نفسه ويجيب:

“هل لديك أدنى علم عمّا فعلوا بي؟ كان أكثر من مجرّد فلقة.” .

كان جامبو معتقلا لدى فرع المخابرات الجوية لشهور، تعرّض للضرب والصعق بالكهرباء, إلى درجة جعلته يفقد السيطرة على جسده ويتبّوّل لا إرادياً، كما أخبرنا. يَدين بحرّيته إلى عميد من الطائفة العلوية, كان معتقلا لدى الجيش الحر, وأُطلِق سراحه بعد أن تمّت مبادلته به.

أُمرْتُ أن أغتصِب:

دخل شاب هزيل إلى الغرفة، لايتجاوز عمره الحادية والعشرين، من الحسكة، المدينة الواقعة في الشمال الشرقي من سورية. أخبرنا عن اسمه، وقال أنه كان حاضرا عند اقتحام الجيش النظامي لجسر الشغور وإدلب، في الصيف الماضي. أخبرنا أنه كان شاهدا على ماحصل هناك, وبدأ يروي قصّته.

من المستحيل بالنسبة لصحفي أن يحدّد بشكل قاطع إذا كان الرجل يقول الحقيقة أم يقدّم اعترافاً فقط  لينجو بجلده من العقاب. ومع ذلك, فالمعلومات التي أقرّ بها, توحي بصدق ما قال. ومن خلال الأسئلة, أثبت بأنّ التفاصيل التكتيكيّة للهجمات أمر مألوف لديه، واستطاع وصف معمل السكّر في إدلب من الداخل بالتفصيل، ذاك الذي استخدمه جيش النظام كمركز للتعذيب. في السنة الماضية، دخل المئات من الأشخاص ذلك المبنى أحياء, واختفوا بعد ذلك.

فيما كان الرجل يدلي باعترافاته لم يقاطعه أحد، تكلّم لساعات تطرّق خلالها لذكر أدق التفاصيل، وفي النهاية، تطابقت شهادته مع اعترافات شهود آخرين. قال: “اختارني العميد من الأمن العسكري مع أربعة عشر آخرين لتنفيذ العملية كمكافأة كما ادّعى، لكنّه كان أمراً في الحقيقة.”

  “وما كانت تلك العملية؟”

” كانت أمراً باغتصاب نساء قاموا بإحضارهنّ”.

في المرة الأولى تم اختيار ثلاث منهّن. بعد تخديرهن، قام عناصر المخابرات أولاً بتعريتهن واغتصابهن، بعد ذلك جاء دورنا لاغتصابهنّ على دفعتين، في الوقت الذي  كان عناصر المخابرات يشاهدوننا فيه، مهددين بإطلاق النار علينا إذا لم ننفذ الأوامر بالاعتداء عليهن.

كيف أمكنك فعل الاغتصاب في ظروف كتلك؟

–        كانت المرة الأولى صعبة, إلا أنّها أصبحت أسهل فيما بعد. كانت النساء في مقتبل العمر وتم اختيارهنّ بعناية وحرصوا على عدم اعتقالهن مع أقربائهن، أو من يمكن أن يسأل عنهن، أو يتعرّف عليهن”.

– “ماذا بعد؟”

– “تم أخذهنّ بعيداً”.

– “إلى أين؟”

– “بعيداً” ..

“ضربناهم حتى النهاية” أخبرَنا أنه شارك في تنفيذ أوامر بالاغتصاب إحدى عشرة مرة، في البداية كانوا يختارون النساء من السجينات، ثمّ أصبحوا يجيئون ببعض الموقوفات على نقاط التفتيش.

 – وماذا عن الرجال؟

–  في إحدى المرّات جاؤوا بعشرين منهم، وألقوا بهم جميعا في غرفة. في الوقت الذي  كنّا فيه مائة وخمسين، مع هراوات .

أوعز لنا العميد بأن نبقي المطلوبين منهم على قيد الحياة أما الباقي ممّن ليست لهم أسماء، فكان علينا أن نضربهم حتى الموت”.

–        وبعد؟

–        نعم …

– ” ماذا حدث بعد ذلك؟”

– ” ضربناهم حتى النهاية… حتى فارقوا الحياة”.

قال حارسوه: ستتشكل محكمة، وستقوم بإصدار الحكم على الرجل.  ثم رددوا الحكم الشرعي: “القاتل يُقتَل”.

 لكن مسألة القتل بالنسبة لهم ليست بتلك البساطة، فلو كانت كذلك فعلاً، لأطلقوا النار على هذا الرجل منذ مدة طويلة.

أشلاء على الطريق

“علينا ألّا نستسهل القتْل” ، يقول ياسر، ثم يشرح لماذا ظلت قرية مجاورة تتساهل مع عائلة تضمّ ثلاثة أفراد جنّدو أنفسهم كمرتزقة للشبّيحة.. “ببساطة، كنّا نأمل أن يتوقّفوا عن ذلك”.

ولكن تبيّن أن ذاكَ كان خطأ مأساوياً. فذاتَ خميس، خطط الأخوة الثلاثة لركوب باص صغير إلى حلب، حيث يشاركون في قمع المظاهرات التي ظلّت تتكرّر سلميّاً في المدينة. وليس ذلك إلّا مثالاً واحداً عن جنون تلك الحرب، أن يعمد ثلاثة من المرتزقة إلى السفر مدججين بسلاحهم، عبر أراضٍ تابعة للمعارضة، واستخدام باص بغرض توفير المال فقط.

على الطريق طلب منهم أحد حواجز الجيش السوري الحرّ أن يرى هويّتهم. ونشب خلاف، دفع اثنين من الشبيحة لاستلال سلاحهما، لكن أفراد الجيش السوري الحرّ كانوا أسرع، وقتلوهما.

وحاول الثالث رميَ قنبلة يدوية في الباص، الذي كان نصف ممتلئ بالركّاب، لكن رجلاً واقفاً بجانبه حاول منعه، لكن المرتزق حشر القنبلة في فتحة قميص الرجل وسحب المسمار وقفز جانباً في آخر لحظة، حين مزّق الانفجار جسد الرجل، الذي لا علاقة له بشيء، إلى أشلاء، تطلّب دفن ما تبقّى منها، وما لم يمكن حملُه مقداراً كبيراً من الرمل.

وبعد أن غفل أولئك اللذين جمعوا الأشلاء عن بعض تلك الأشلاء، قام رجل آخر بجمع بقاياها المتناثرة على تقاطع الطريق في علبة للمناديل الورقيّة: نثرات عظام، أحشاء، قطعة صغيرة من الدماغ مسحها بتأنّ من على الاسفلت باستخدام منديل ورقي. ووعد شخص آخر بالمجيء بالعلبة مليئةً إلى المقبرة. وحين همّوا بالمغادرة كان رجل مسنّ قد ساعد بصمت في جمع الأشلاء وكان يقف حاملاً قطعة من جمجمة، ولا يعلم ماذا يفعل.

كان الجميع في عجلة من أمرهم، فأسرعوا مبتعدين حيث كانت أصوات نيران الأسلحة تُسمع مجدداً في مكان ما في المحيط، وتُركَ الرجلُ المسنّ وسطَ التقاطع، محدّقاً بصمت في الآخرين المبتعدين، وقطعة من جمجمة في يده المرفوعة، بما يشبه التحية.

ترجمه عن الإنجليزية: مروان زكريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى