صفحات مميزةميشيل كيلو

وجهة نظر “ميشيل كيلو” في ثلاثة مقالات

 

ائتلاف في خدمة الشعب!/ ميشيل كيلو

يقف «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» أمام لحظة مفصلية تتصل به كأداة مفترضة للعمل الوطني، وبدوره في المجال العام، وقدرته على التحول من عبء على الثورة، كما هو حاله اليوم، إلى رافعة لها، كما يجب عليه أن يكون، ومن يطرف يهمش ويخرج نفسه من معادلات الصراع إلى شريك لا يستطيع أحد تجاهله كبديل للنظام الاسدي .

يحتاج الائتلاف إلى اصلاح عميق وجذري، يبدل بنيته واولوياته، وآليات اشتغاله، والنهج المعتمد في إدارته، والنتائج التي ترتب على عمله، ولا بد ان تكون لصالح ثورة شعب من اجل الحرية، تواجه مصاعب متزايدة تهدد استمرارها وبقاءه، إذا لم يقوم مسارها عبر جهد يومي مكثف، توجهه خطط سياسية وعسكرية تنهض بها جميع قوى المقاومة المجتمعية الحية، التي يمكن حشدها وتعبئتها داخل سوريا وخارجها.

وتنبع خطورة ما نواجهه من تخلق حقل بنيوي دولي تم بناؤه خلال سنوات الثورة، تلاشت فيه اكثر فاكثر مكانة الثورة السورية ومؤسساتها، وتقلصت بصورة متعاظمة قدرة الائتلاف على ان يكون فاعلا ومؤثرا في أطراف هذا الحقل والمسيطرين عليه، وخاصة منهم اميركا، الدولة العظمى التي تنتهج سياسة جوهرها تأسيس مثل هذا الحقل في مواقع الازمات التي تديرها، والسيطرة عليه وتحديد اهدافه وهوية وادوار ومصالح المنخرطين فيه، وقدرتهم على العمل المستقل في إطاره، والتي تحصر اهتمامها في تعيين آليات إدخالهم إليه، وفترة بقائهم فيه، وطبيعة المهام التي عليهم انجازها داخلة خدمة لمصالحها، فإن انتهى دورهم اخرجتهم منه صفر اليدين. ومن يراقب مجريات السياسات التي انتهجتها واشنطن حيال الثورة في بلادنا، سيجد أنها اتبعت هذه الوصفة في التعامل معها، وان سياساتها تركزت على تكييفنا بالوعود مع استراتيجية إطالة الصراع وافراغ الثورة من مضمونها كثورة من اجل الحرية، وتحويلنا إلى اداة تصفي بواسطتها حساباتها مع إيران وروسيا، وسيلمس لمس اليد كيف تنتقل في ايامنا إلى طور جديد من ادارة ازمتنا حددت دورنا فيه بمحاربة الإرهاب، وإلا فإخراجنا من الصراع وطي صفحة الائتلاف، بعد تحويله إلى جهة بين جهات كثيرة تدعي تمثيل السوريين، واخراجه من القضية السورية وإنهاء دوره فيها، واصطناع بدائل له.

أمام هذا الخطر الماثل، لا خيار لنا غير أحد بديلين: الانصياع للحلول التي يتفق عليها الكبار، لإنقاذ ما يمكن انقاذه وقبول ما يقدمونه لنا مهما كان قليلا ومتعارضا مع مطالب شعبنا، أو اعادة تنظيم أنفسنا والحضور بقوة في ساحة الصراع كطرف مستقل يستطيع انتهاج سياسة تلزم الآخرين باحترام مصالحه وتلبية مطالبه، والا فتعطيل ما لا يتفق وسياساته من مواقفهم ومصالحهم، عبر تدابير وخطوات تحد اكثر فأكثر من قدرتهم على بلوغ مآربهم وتحقيق اهدافهم، تجبرهن على الاعتراف بنا كشريك لا يمكن تجاوزه وايجاد اي حل يتعارض مع اهدافه.

هذا النص بما يقدمه من تصورات حول هذه الإشكالية الشديدة التعقيد، هو محاولة لقراءة واقعنا الراهن، الذي اخذت طرق اشتغالنا فيه يسهم اسهاما خطيرا في تهميشنا وانهاكنا واخراجنا من معادلات الصراع في وطننا، وجهد هدفه اقتراح بدائل اما ان نبلغ اهدافنا بواسطتها، او ان نمنع غيرنا من بلوغ اهدافه، إذا كانت لا تتفق مع مقاصدنا.

مقترحات لإصلاح الائتلاف

1 ـ مأسسة قيادة الائتلاف بإعادة هيكلتها، ليقود اعضاء الهيئة الرئاسية مكاتب متخصصة متكاملة المهام، لديها موازنات ويشتغل فيها موظفون متفرغون، على ان يكون كل مكتب وموظفوه مسؤولين امام هيئة الرئاسة، التي تعمل كفريق واحد، وهيئة الائتلاف العامة: مرجعية الجميع وصاحبة القرار الفصل في كل الامور، لذلك يزودها رئيس الائتلاف بتقارير نصف شهرية حول ما يستجد من أحداث ومعلومات، وما تنوى هيئة الرئاسة فعله وتخطط له من مشاريع وتدابير وزيارات، وتواجهه الثورة من مشكلات وتنجزه من نجاحات، وتقيمه من علاقات. ومأسسة قواعده من خلال تجديد ربعها كل سنة، بالانتخاب الحر والسري والمباشر والعام، بحيث يمضي عضو الائتلاف اربعة اعوام فيه، شأنه في ذلك شأن اي عضو برلمان منتخب. إلى هذا، ومن أجل تعميم منافع مبدأ المشاركة، ستشكل الرئاسة «هيئة استشارية وطنية» تضم مسؤولين سابقين وحاليين في المجلس الوطني والائتلاف، إلى جانب اهل خبرة وتاريخ من اختصاصات وادوار متنوعة، يختارهم من خارجه. لا تكتمل مأسسة الائتلاف ويستكمل عمل هيئاته دون مدونة تنظيمية / سياسية ميثاقية تشجع تشكيل محورين أو تيارين داخله: حاكم ومعارض، يمارسان فيه حياة برلمانية منتظمة تضع حدا لانقساماته الى شلل وكتل صغيرة تشل حركته، وتجعل منه مكان عمل وطنياً لا دور فيه لصراعات تعطيلية، يكون ولاء محوريه للشعب والثورة وليس لأطراف خارجية، وتتعين مواقفهما ومصالحهما بدلالة مبادئه الميثاقية التوافقية وما ينبثق عنها من سياسات ومصالح مشتركة يتم تطويرها بالتشاور والحوار في الهيئتين الرئاسية والاستشارية، وعلى الصعيد الوطني العام وصعيد هيئته العامة، فتتقلص بذلك قدرة تكتلاتها على رؤية الائتلاف وعلاقاته الداخلية والخارجية في ضوء مصالحها الضيقة، التي تأخذ بالضرورة شكلا انقساميا تترجمه صراعات تستنزف الائتلاف وقدرته على الحركة ومواجهة مهامه، وتمنع الائتلافيين من اخذ مواقفهم في حاضنة ما يجمعهم من مشتركات، معطلة، وتجعلهم عاجزين عن إصلاح احواله وتطوير وظائفه وانجاز العمل الوطني الذي عليهم القيام به، والخروج من دائرة خلافات تحكم قبضتها عليهم، وتحول بينهم وبين امتلاك دعم شعبي وصدقية سياسية، وتقف وراء تدهور مكانتهم وفاعليتهم، الذي حولت الائتلاف الى عبء ثقيل ولا نفع فيه للشعب والثورة. الى ما تقدم، ستؤسس الرئاسة هيئات وطنية تعني بشؤون المهجرين والمشردين، واخرى تهتم بحقوق الانسان وتعمل لوقف انتهاكها ومحاسبة مرتكبيها، وثالثة تتابع ثروات السوريين المسروقة وتعمل لاستعادتها الى صاحبها الاصلي: الشعب السوري، ورابعة تشرف على اعمال تجارية وتنموية متشعبة تتكفل بتمويل الائتلاف وتأمين مبالغ تعزز استقلاليته وتخفف ضغوط الخارج عليه. هذه المؤسسات ستدار جميعها تحت اشراف اعضاء الائتلاف، الذين سيعملون فيها بدوام كامل وسيقيمون حيث توجد، على ان يحضروا إلى مقر الائتلاف في الموعد الشهري لاجتماع الهيئة العامة، الذي سينتظم انعقاده الدوري مهما كانت الظروف والعقبات، خارج فنادق النجوم.

2 ـ التوصل إلى ميثاق وطني بموافقة جميع القوى التي اسهمت في إطلاق ودعم ثورة الحرية وتمسكت بطابعها الديمقراطي، سياسية كانت ام مدنية ام عسكرية، وبلورة تصور جامع بجهودها المشتركة حول الحل السياسي وسبل تحقيقه، لسد ثغرات كثيرة تقوض علاقات المكونات الوطنية المناضلة ببعضها، وتمكن النظام وبعض الخارج من استغلال انعدام التواصل بينها لإضعافها وفك علاقاتها مع المقاومة. بعد قرابة اربعة اعوام من الثورة، من العار ان لا يكون هناك أي حوار بين اطرافها في الداخل والخارج، وان يقتصر التخاطب بينها على الاتهامات والشتائم.

3 ـ سيوسع الائتلاف صفوفه كي تضم منتسبين يمثلون عددياً ونوعياً مختلف مكونات الجماعة الوطنية السورية، وخاصة من استبعد عن مؤسسات العمل الوطني بذريعة انتمائه للنظام او تأييده له، وانه لا جدوى من التواصل معه او من محاولة اقناعه بالعمل في اطار الثورة ولصالح التغيير. لقد بلغت إبادة الشعب السوري طورا متقدما، وتمت بأيدي السوريين انفسهم غالبا، فليس من المعقول أو المقبول أن تستمر المذبحة التي يتبين كل يوم ان احدا لا يفيد منها غير قبضة من المجرمين والقتلة الممسكين بالسلطة من اسرة الاسد وبطانتها، وتيار متشدد متطرف يشك في كونه من صنائعهم. لن تتغير فقط العلاقة مع هؤلاء الذين استبعدوا عن الثورة او ابعدوا انفسهم عنها، بل سيتغير كذلك خطاب الائتلاف والجيش الحر، وستتغير طرق تعاملهما مع أخوة لنا يعني كسبهم التعجيل في انتصار الثورة، وانقاذ شعبنا من هلاك محتم وحرب بلا نهاية. سنخاطب هؤلاء، فإن رفضوا لن نخسر شيئا، وسيخسرون هم كل شيء، وان توافقوا معنا اغلقنا باب التلاعب الدولي والسلطوي بنا، وحلنا دون تقديم حجج يتذرع بها المجرمون لإطالة الحرب ضد شعبنا.

4 ـ يعني قيام جيش وطني حر تأسيس جيش مهني يضم تشكيلات محترفة ينضوي في صفوفها المقاتلون والمقاومون، ومن يقبلون الخضوع لإمرة قياداتها والعمل تحت اشرافها او بالتنسيق معها. ويعني كذلك ان صفوفه ستبقى مفتوحة امام الراغبين من جيش النظام في الانضمام اليه والاندماج في تشكيلاته. مثل هذا الجيش، يجب أن يكون قادرا على تجنيد معظم مقاتليه من الشبان، وان تكون له قيادات مرجعيتها ليست مدنية أو ثورية، بل رئاسة الاركان، وان تتتبع وحداته وتشكيلاته لوزارة الدفاع، وتقاد من رئاسة اركان تتكون من رئيس وقادة الادارات المختلفة، وقادة الجبهات الذين سيكونون نوابا محليين او شخصيين لرئيس الاركان. لن يكون هناك بعد قيام الجيش اعطيات لهذا او ذاك، او مخصصات كيفية تتلاعب بها الاهواء ومجريات المعارك المزعومة او الصحيحة، بل سيكون هناك موازنة لوزارة الدفاع، التي ستعطي الجبهات مخصصات طويلة الامد، وفق قواعد عسكرية يمليها دورها في القتال وما تواجهه من تحديات، ومالية تنظمها قواعد محاسبية دقيقة. ستشتري الجبهات بقسم من موازناتها السنوية ما يلزم لإدامة معاركها وتقديم الرواتب والخدمات لمقاتليها، بما في ذلك تعويضات ورواتب تقاعدية للشهداء والجرحى، وستمتلك مؤسسات خدمية تمتلكها عادة الجيوش المهنية من مشاف ومستوصفات ومؤسسات استهلاكية واستراحات… الخ. لا داعي للقول أن الموازنة العامة ستخضع لرقابة مالية مستقلة، وستصرف طبقا لأصول محاسبية حصينة ضد الفساد والهدر والاعتباطية. اما استراتيجية الجيش القتالية، فلن تقوم بعد الآن على حرب المدن بل على حرب الحركة وقطع طرق الامداد والمواصلات، وسيكون هدفها اتخاذ كل ما هو ضروري من تدابير واستعدادات لمنع إنزال الهزيمة بالمقاومة في مرحلة اولى، وتنمية قدرات الجيش وعديده في الوقت نفسه لقلب نهائي في موازين القوى ضد النظام، وبدء حملات عسكرية كبرى تغطي معظم اراضي بلادنا في وقت واحد في مرحلة تالية، يتم خلالها تفكيك جيش النظام والتعاون مع وحداته التي ستقلع عن مقاتلة الجيش الحر وتبدي استعدادها للانضمام اليه.

5 ـ سيقوم إعلام الائتلاف بحملات منظمة لكسب الرأي العام العالمي، بجهود مكاتبه في الداخل وبلدان اللجوء ولوبيات اجنبية متخصصة تعمل في الخارج، وسيستخدم انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الفاضحة للمواثيق والعهود الدولية من اجل تعرية النظام والدفاع عن ديمقراطية الثورة وحق الشعب في تقرير مصيره. وسيستعين الاعلام بالدوائر والجهات المعنية بهذه الحقوق ليعد محاكمة شعبية دولية تشارك فيها شخصيات رمزية دينية ودنيوية معروفة ومحترمة عالميا، تمهيدا لتقديم بشار الاسد إلى محكمة مجرمي الحرب في لاهاي. وسيشن الائتلاف في الوقت نفسه حملة منظمة ولا هوادة فيها لتوعية الشعب بسياساته وبرهانات الثورة الأصلية، وبمخاطر النزعات التكفيرية والمتطرفة على وحدة شعبنا ودولتنا واستقلال وسيادة وطننا.

6 ـ سيقيم الائتلاف علاقات برلمانية منظمة وقانونية مع الحكومة المؤقتة، وسيشرف على اعمالها في المجالين الخارجي والداخلي، وسيتعامل معها بوصفها جهازا وطنيا من الضروري ان يكون حسن الادارة والاداء، ومرجعية تنفيذية موثوقة للسوريات والسوريين، مكلفة برعايتهم وحل مشكلاتهم وتزويدهم بما يحتاجون اليه من عون وتعليم وعلاج وسكن، دون ان يصرفها اهتمامها بالشؤون اليومية عن اعادة بناء الوطن واعداده لاستقبال السوريين في ديارهم، واخراجهم من بؤس حالهم الراهنة في المهاجر.

7 ـ سيولي الائتلاف اهتماما خاصا ومركزا لتنظيمات المجتمع المدني المختلفة داخل وخارج الوطن، وسيتعامل معها كطرف اصيل في الثورة من الضروري ان يكون ممثلا بعدالة في مؤسساته السياسية والعسكرية والاعلامية والثقافية والاغاثية، لا سيما وان هذه التنظيمات ستقوم بمهمة على قدر استثنائي من الاهمية، هي تطوير وتنفيد انشطة سياسية ومجتمعية واعلامية وثقافية واغاثية مبدعة في اماكن وجود السوريين، من شأنها تعزيز لحمة مجتمعهم، ومساعدة المهجرين والمشردين واسر الشهداء والجرحى والمعتقلين على تجاوز مصاعبهم، والعناية باسرهم واطفالهم. لن يفعل الائتلاف شيئا دون التعاون مع ممثلي المجتمع المدني واخذ مشورتهم، والافادة من خبراتهم وقدراتهم.

8 ـ لن ينجح الائتلاف في انجاز هذا البرنامج من دون اصلاح يبدل دوره وبنيته واداءه، ويقربه من الصورة التي كانت عليها منظمة التحرير الفلسطينية، سواء من حيث وحدتها وديناميتها، ام تشعب انشطتها، ام امساكها بقضيتها وتمسكها باستقلالية قرارها، ام مشاركة مكوناتها الجماعية في خياراتها، ام فاعليتها الاقتصادية والمالية، أم قدرتها على تعبئة شعبها المبعثر والمشتت وتحملها المسؤولية عنه في جميع مناحي حياته، أم تمسكها بحقوقها دون تنازل عن اي منها، أم مرونتها في استعمال اوراقها وجرأتها على الدخول في علاقات مع خصومها لتطويعهم ووضعهم في خدمة قضيتها، واخيرا الانسجام بين تنوع مكوناتها وبين التزامها بتوافق وطني دائم، جعل معارضتها الداخلية مصدر إثراء لخطها العام الذي اقرته مجالسها الوطنية، واداة ضغط على خصومها مكنتها من صياغة خط وحد اطيافها المختلفة في الدفاع عن مصالحها واهدافها العليا، رغم خلافاتها الايديولوجية، لتي بقيت خاصة بكل منها .

9 ـ في السياسة العامة، سيكون هناك تحول في سياسة الائتلاف نحو علاقات متوازنة وقائمة على ثوابت الثورة ومطالب الشعب مع اطراف المعضلة السورية، وتحالف مع الدول العربية والاجنبية، التي تعطي الاولوية لذهاب الاسد على الحرب ضد الارهاب، وهي فرنسا وتركيا والمملكة العربية السعودية وبلدان الخليج، مما يحتم اقامة اوثق العلاقات معها، والافادة منها للضغط على اميركا : الدولة التي ادارت ازمتنا طيلة فترة ما بعد الثورة، واستخدمتنا لتصفية حساباتها مع روسيا وايران، وانتهجت سياسات غير عادلة او مترددة تجاهنا، إما بسبب سوء تقدير، او ضعف وعزوف عن الانخراط في حرب، او خوف من روسيا وايران او… أو… الخ، ولو كانت صادقة في دعمها لنا لدعمت توجهنا التحالفي الجديد، ولسعدت باستعدادنا لتخفيف اعبائها ولخوض معركة يمكن ان تفيد منها، وإلا فإننا لن نخسر حليفا وداعما لأن اميركا ليست حليفنا، وإن كان من الانتحار تحويلها إلى خصم، لأننا سنفقد عندئذ كل شيء وسنهزم شر هزيمة، وسنضع انفسنا خارج الخطوط الحمراء التي حددتها للصراع، ويحتمل كثيرا أن تكون هزيمتنا واحدا من ممنوعاتها.

10 ـ هل سنكون قادرين على انجاز هذه المهمة ؟ جوابي نعم، ان كنا حقا من طينة الثوار، واخلصنا العمل، وعرفنا كيف نجعل من انفسنا بديلا للنظام مقنعاً عالميا، واخرجنا الائتلاف من دائرة تسيطر عليها خلافاتنا وانقساماتنا الى رحاب القضية الوطنية، التي يتوقف استمراره على نجاحه في ان يكون اداة وحاضنة لها، واقعية الحسابات قاطعة الإرادة، مصممة على نيل الحرية لشعب سوريا الواحد.

المستقبل

 

 

مقترح حل في سورية/ ميشيل كيلو

أستعرض في ما يلي نقاطاً محددة تتعلق بتصور حول حل للصراع في سورية، بدءاً بوثيقة جنيف:

تنص وثيقة جنيف الصادرة عن الخمس الكبار في مجلس الأمن، في نهاية شهر يونيو/حزيران من عام 2012، كما يقول قرار مجلس الأمن رقم 2118، بحل سياسي للمعضلة السورية، يبدأ بتشكيل “هيئة حاكمة انتقالية كاملة الصلاحيات”، تقوم بمهمتين: إزاحة بشار الأسد عبر ممارسة صلاحياته خلال مرحلة انتقال، تتخذ خلالها جميع الترتيبات والخطوات الضرورية لإقامة بديل ديمقراطي، مع ما تتطلبه من تدابير دستورية وسياسية وتنظيمية، وأسس يتم التوافق عليها في إطار وطني جامع، هدفه تصفية الاستبداد، وإرساء نظام ديمقراطي بأسلوب تدرجي، ولا عودة عنه.

بما أن “الهيئة” ستقوم برضا الطرفين المتصارعين في سورية، أي بموافقة مسبقة من الموالاة والمعارضة، وستضم ممثلين عن النظام يقبلون الانتقال الديمقراطي، فإن الحل المقترح في وثيقة جنيف يقرر إعفاء الأسد من مهامه رئيساً، ودمج أطراف من النظام في المرحلة الانتقالية، تضمن مشاركتهم إنجازها، ودورهم السياسي بعد سقوط النظام والبدء ببناء النظام البديل. بذلك، في ظل ضمانات دولية، تكفل دوراً أكيداً ومحدداً لمن يشاركون من أهل النظام الحالي في الانتقال الديمقراطي.

يستهدف هذا الحل كعب آخيل النظام، بفكه عن رئاسته: المركز الذي ينتجه، وعلينا تركيز جميع جهودنا عليه، لجعل تطبيقه ممكناً بتقديم ضمانات تشجع انفصال أتباعه الحاليين عنه، وتصون أمنهم وسلامة الجماعة الوطنية العلوية، وتكفل دورها في حاضر البلاد ومستقبلها، ولجعلها أحد حوامل نظامها القادم، ومكوناً من مكوناتها الديمقراطية والوطنية. لفصل هؤلاء عن الأسد، وبالتالي، تفكيك النظام وتغييره وبلوغ حل سياسي، من الضروري:

“يفصل جنيف بين بشار الأسد الذي يجب أن يتنحى ويسقط، وبين النظام الذي يجب أن يتغير برضا الطرف المعارض”

– ضمان ممتلكات أهل النظام وقادته، ودورهم في البديل الديمقراطي، وإقناعهم بأن ما يدافعون عنه اليوم من مواقع وممتلكات ليس مهدداً، بل سيكون مصوناً ومكفولاً بمشاركتهم في الحل، وما سيقدم لهم من ضمانات وطنية وعربية ودولية، وأن استمرارهم في الدفاع عن الأسد يعني، بعد تقديم الضمانات لهم، إرسالهم إلى محاكم دولية، يمثلون أمامها كمجرمي حرب، وإضاعة كل شيء: من السلطة التي منحتهم، بطرق غير شرعية، ممتلكات ليست لهم، إلى ما استولوا عليه بطرق غير قانونية من أراض ودور وأموال وممتلكات ومزارع وأسهم ومصانع. في المقابل، وفي حال قبولهم التخلي عن اأاسد والمشاركة في الحل، ستبقى مراكزهم في أجهزة الدولة طوال مرحلةٍ، يحددها توافق وطني وضمانات عربية ودولية، على أن لا يحول ذلك دون البدء بتمثيل تدريجي للسوريين داخلها، وفق معيار الخبرة والكفاءة، مع إعادة النظر في بنيتها ووظائفها، التي ستمارسها في ضوء معايير محض مهنية، تستند إلى الخبرة والكفاءة. أخيراً، بما أن سورية الديمقراطية ستكون دولة حريات، وستسمح لمواطنيها بتشكيل أحزاب وهيئات سياسية تمثلهم، فإنه سيكون من حق أتباع النظام الحالي تشكيل أحزاب وهيئات تمثلهم، أسوة بباقي المواطنين.

– إقامة نظام لامركزي موسع في مختلف مناطق بلادنا، ومنح المناطق التي أتى منها العدد الأكبر من أهل النظام صلاحيات إدارية ولامركزية واسعة، مع بقاء احتمال الفيدرالية مطروحاً، شريطة موافقة الشعب السوري عليها في استفتاء حر مراقب دولياً.

الوضع السوري العام

– يشهد الوضع السوري تحوّلات مهمة تتلخص في ما يلي: كان حلفاء النظام ومحازبوه يشعرون بأن “داعش” تمثل تهديداً جسدياً لهم، وأن انتصارهم على الجيش الحر لا ينهي الصراع في سورية لصالحهم، وإنما يعني، بالأحرى، التخلص من خطر صغير، يمثله الجيش الحر، والوقوع في خطر الإبادة على يد “داعش” وأخواتها. أما اليوم، وبعد بدء الحرب على الإرهاب، فقد تغيرت المعادلة: أولاً، لأن خطر “داعش” بديلاً للنظام تراجع نسبياً. ثانياً: لأن الحرب ضد الإرهاب تفتح أمام النظام أبواباً مغلقة، تسمح بمشاركته في الحرب: بصورة مباشرة أو غير مباشرة، صريحة أو مضمرة، كلية أو جزئية. وهناك علامات على أن حاجة التحالف العربي/ الدولي إلى النظام قد تتزايد بسبب حاجته إلى قوات برية. ثالثاً: لأن الحرب تبدو مرتبطة بإعادة نظر جدية في أوضاع الجيش الحر، يحتمل كثيراً أن تخرجه من سياقة الحالي، وتضعه تحت تصرف أميركي، يعيد تنظيمه وتسليحه، وينتقي من ينتمون إليه، في خطوة غير مسبوقة في العلاقات الدولية، تعني، في حال تطبيقها، بدلالة المصالحة المحتملة بين واشنطن وطهران، زيادة وزن النظام في المسألة السورية، إن نجح في دحر الجيش الحر بواسطة هجماته الحالية، وفي تبييض صفحته عند الأميركان وحلفائهم، كما هو محتمل في ظل تطورات تبعث على القلق، تتجلى في انتقالات سياسية وعسكرية من “الائتلاف” ومؤسساته إلى بدائل إثنية ومناطقية، يحتم بروزها المزيد من تدهور أوضاعه، داخلياً وخارجياً.

بما أن سورية الديمقراطية ستكون دولة حريات، وستسمح لمواطنيها بتشكيل أحزاب وهيئات تمثلهم، فإنه سيكون من حق أتباع النظام الحالي تشكيل أحزابهم أيضاً”

– بتراجع خطر “داعش” الذي كاد يخلق بيئة تقنع أهل النظام بالانفكاك عن الأسد، والتوجه نحو حل مع المعارضين، وفق وثيقة جنيف واحد، يتعزز وضع الأسد السياسي والشخصي، ويصير من الأصعب إقناع حاشيته، وأنصاره، بالابتعاد عنه، أو التضحية به من أجل الحل السياسي، إلا إذا نجح الجيش الحر في تسديد ضربات موجعة إليهم، تقنعهم بأنهم لا محالة مهزومون، إذا لم ينفكوا عن بشار. ثمة، إذن، حاجة إلى إنزال هزائم متلاحقة بجيش السلطة وشبيحتها، لإحداث الانفكاك المطلوب، وهذا مستحيل من دون ترتيب وضع المعارضة وإخراجها من الصراعات الدولية والإقليمية، وإمدادها بوسائل تكبح تلاعب الخارج بها، وتأثيره على قضيتنا.

أربع محاور

للوصول إلى هدفنا، علينا العمل على محاور أربعة:

– محور داخلي يحدد صورة النظام البديل الذي تريده معظم المعارضة، ولا يكفي أن نقول إنه سيكون ديمقراطياً ومدنياً، ولا بد من تحديد نمط دولته، الذي سيقوم بتوافق جميع المكونات الوطنية السورية، الطائفية والإثنية واللغوية والدينية. ثمة حاجة إلى تصور واضح وملزم حول شكل سورية القادمة، وهل هو اللامركزية الموسعة، أو الفيدرالية أو المركزية أو … إلخ، علماً أن حكمها سيكون برلمانياً وتداولياً، يساوي قانونياً بين المواطنات والمواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والقومية والدينية. لا يجوز، بعد اليوم، إرجاء مسألة تحديد نمط الدولة الديمقراطية، أو اعتبارها محدداً قليل الأهمية للبديل الديمقراطي، وسيكون من الخطأ تركه من دون توافق وطني عام، وإلا خسرنا جهات حاسمة الدور في الصراع ضد النظام، وظلت أمورنا غائمة وملتبسة وعرضة لتلاعب الأسد وغيره، ولشكوك أطراف من السلطة في حقيقة ما ينتظرها، بعد زوال حكمه، كانت قد والته طمعاً في حمايته، لكنه سفك دماءها، وتعيّش على انقيادها الأعمى له، وعلى حمايتها هي له.

لا بد من أن يعرف العلويون والكرد ما سيكون عليه مصيرهم في سورية الحرة، وما سينظم وجودهم الوطني من ترتيبات قانونية وحقوق دستورية. ولا بد من إسهامهم في بلورة هذه النواظم وإقرارها، في حاضنة وطنية جامعة، سيعيد النظام الديمقراطي إحياءها على أرضية الحرية. يتطلب هذا توجهاً مغايراً لما تم اعتماده إلى اليوم حيال العلويين والكرد، يشركهم في تحديد صورة وطنهم المستقبلية ومكانهم فيها، ويؤكد موقعهم من شعبهم ودورهم في تقرير مصيره، ونصيبهم من المسؤولية عن أمنهم وسلامتهم، ووحدته.

– مد اليد إلى أهل النظام، كخصوم اليوم وشركاء غداً، والتركيز على دورهم في مصالحة وطنية شاملة، هم طرف رئيسي في التحضير لها وتنفيذها، تصون حياة أي ضابط ينشق عن الجيش الرسمي، وتعترف بحقه الكامل في الانتماء إلى المعارضة ومؤسساتها، والعمل لإسقاط الأسد، وإقامة نظام ديمقراطي، يديره في المناطق العلوية من يمنحهم مواطناتها ومواطنوها ثقتهم عبر انتخابات حرة. لا يجوز، من الآن فصاعداً، اعتبار جميع أهل النظام قتلة وأعداء مصيرهم الموت، ولا بد من مواقف تميز بينهم وتشجعهم على مغادرة الأسد، تفتح أمامهم باب الوطن، وتمكّنهم من أن يختاروا شكل التحاقهم به. هذا التوجه قد ينتهي إلى كارثة وطنية، إن كان تكتيكياً أو احتيالياً، وسيعطي ثماراً يانعة، إن كان صادقاً ووطنياً ومفتوحاً على خيارات صحيحة، تراعي ظروف هؤلاء، ومخاوفهم التي تجعلها تنظيمات الأصولية وسياساتها مشروعة ومقبولة. هل هناك ما يمنع أن يمد ضباط الجيش الحر ومقاتلوه أيديهم إلى ضباط جيش النظام ومقاتليه في أماكن انتشارهم، وأن يطالبوهم بالتوقف عن إطلاق النار، وبعقد اتفاقات سلمية محلية، تمنعهم من قتل شعبٍ، هو أولاً وأخيراً شعبهم؟ ولم لا يقاتلون معاً المتطرفين والتكفيريين، وقطّاع الطرق والشبيحة والقتلة المأجورين وأمراء الحرب، بعد انفكاكهم عن رأس النظام؟

– فتح باب الحوار مع جميع قوى الداخل والخارج، للتفاهم على محددات للعمل الوطني والإسلامي، السياسي والمقاوم، لا خلاف عليها، وإقامة جبهة واسعة، تنشط بالتنسيق والتعاون بين الأطراف الأقرب فالأبعد، تشجع العاملين في الساحتين، السياسية والعسكرية، على تبني خياراتها ومواقفها والاقتراب منها، وإجراء فرز يطاول التنظيمات وطبيعتها، ويوحد الديمقراطية منها وحاملها المجتمعي، وينعش آمالها في وطن حر وعادل ومستقل. هذه المحددات هي حاضنة يضع الجميع تفاصيلهم العملية والنظرية في ضوئها، ويرون أنفسهم وغيرهم بدلالتها، ويلتزمون بها نواظم عمل وطني يعني خروجهم عليها تخريبه.

– تشكيل قيادة سياسية/ عسكرية موحدة، تكونها التنظيمات المدنية والديمقراطية التي برزت خلال الأعوام الأربعة الماضية، توحد صفوف الساسة والمقاومين، وتتفاعل معهم بعقل متفهم ومفتوح، وترسم سياسات تغطي جميع جوانب الواقع، تتضمن خيارات صريحة، لا لف فيها ولا دوران، ولا تجاهل لأية مشكلة، ولا تجميل لقبيح القول والفعل، بل مسؤولية وتواضع في التعامل مع الآخرين وقضاياهم، ورغبة أصيلة في مواجهة مشكلاتهم، وحلها لصالحهم.

لا يعقل أن تنجز هذه المهام جميعها و”الائتلاف” منقسم على نفسه، تابع لدول تقرر سياساته ومواقفه، تتحكم بقراره عبر المال السياسي والإفساد. ولا بد من تحول في الساحة الوطنية، يحقق هدفين رئيسيين: أولهما: توحيد القوى العسكرية والميدانية بجميع فئاتها وأصنافها، عدا تلك التي ترفض هدفي الثورة: الحرية والدولة الديمقراطية، على أن تنتخب أو تختار أو تسمي قيادة موحدة، تتولى إدارة الصراع ضد النظام وأعداء الثورة، تكون طرف القيادة السياسية /العسكرية الموحدة الثاني. وثانيهما: إنهاء انقسامات الائتلاف، وتوافق المعارضة السياسية على حل سياسي، تنجزه إبان مؤتمر وطني، ينظمه الائتلاف بالتعاون معها، يعيد هيكلة التمثيل الوطني داخله، ليشمل القوى المناضلة من أجل الحرية والدولة الديمقراطي، ومن ينفكون عن النظام، ويبدون استعدادهم للمشاركة في الهيئة الحاكمة الانتقالية ومرحلة الانتقال من بديله الديمقراطي.

بهذين الإنجازين، سيخرج الائتلاف من وضع يفرض عليه حسابات ضيقة وانقسامات متفاقمة، ويدخل إلى رحاب عمل وطني، تغرب عنه، وصار نقطة ضعفه الرئيسة. لتحقيق هذين الهدفين، ثمة حاجة إلى استراتيجية منطلقها ومآلها الداخل، يلعب الخارج دوراً مساعداً فيها، بدل أن يكون هو اللاعب الرئيس، والداخل مجرد كومبارس، لا حول له ولا طول، مثلما هي حاله الآن. لا أعني بالخارج البلدان العربية، فهي ليست خارجاً كالدول الأجنبية، بل تعتبر داخلاً بمعنى الكلمة القومي والوطني، فلا بد أن يشمل التحول علاقاتنا معها ومكانتها ودورها من ثورتنا، كي يكون نجاحنا مصلحة عليا لها، ويتم بضمانتها وعونها، وبفصل تأثيرها ونفوذها ودورها قدر الإمكان عن دور تلك الدول الأجنبية التي تدير أزمتنا. يتطلب هذا قيادة تعرف ما تريد، تحظى بثقة الشعب والثوار ويصعب اختراقها، لها من التصميم والقدرة على اتخاذ القرار ما يفرض أجنداتها على الآخرين، وخصوصاً منهم من يصفون حساباتهم بعضهم ضد بعض بدمائنا.

– هذا على المستويين الداخلي والعربي، وهما مترابطان. أما على مستوى الشرعية الدولية، فهناك ضمانات، عليها تقديمها على شكل قوات حفظ سلام متعددة الجنسية، يمكن أن يشارك فيها بصورة رمزية روس وإيرانيون، لطمأنة من يريد الاطمئنان، على أن تنتشر لحماية مواطنينا من أي عنف، وتشجيع أهل النظام على التخلي عن الأسد، ومنحهم فرصة الإفادة من حماية قوى دولية، تضاف إلى قواهم الخاصة، التي ستزود ببعض ما يصل إلى المعارضة من سلاح وعتاد، لأن من المصلحة الوطنية والعامة تقويتها، والحفاظ عليها جزءاً تكوينياً من جيش جديد، يؤسسه النظام الديمقراطي لحماية المواطنين وممتلكاتهم، من دون تمييز أو استثناء، داخل مناطقهم وخارجها.

– أخيراً: سيكون هناك ضمانات ذات صدقية ضد قيام نظام مذهبي أو متطرف في سورية، ترتبط بتخلى أهل النظام عن الأسد، وإسهامهم في انتقال ديمقراطي، هو خيار دولي شبه إجباري، بعد أن أثبتت تجربة أميركا في العراق أن أي نظام سيكون عاجزاً عن كبح الإرهاب ومواجهته، أو الحد من تطوره وانتشاره، إذا لم يكن ديمقراطياً. بتعزيز فرص البديل الديمقراطي بفضل تحولات المعارضة، وبجعله خياراً وطنياً يرتضيه جميع السوريين: معارضين وموالين، ستتوفر فرصة تاريخية لإفشال أي خيار مذهبي، وسنقوي موقفنا تجاه الدول، كبيرة كانت أم صغيرة، ونطرح جداول أعمالنا عليها.

– بعد هذه التطورات والتحولات، سيكون هناك عمل لصدور إعلان دولي من الأمم المتحدة، توافق عليه بلدان التحالف العربي/ الدولي المحارب للإرهاب، يؤيد ما نقدمه من ضمانات، ونقوم به من خطوات نحو الحل التي تقترحه هذه الورقة، تعبر عن تصميم المجتمع الدولي على تنحي الأسد، وحماية السوريين بجميع فئاتهم، والالتزام بتحقيق منظومة متكاملة من التدابير تنطلق من وثيقة جنيف واحد، بما تنص عليه من تنحي الأسد ومشاركة أهل النظام في “الهيئة الحاكمة الانتقالية” والانتقال الديمقراطي، فإن أصر هؤلاء على رفض الإعلان الدولي، تحملوا المسؤولية عن ما سيحل بهم مما يريد محبو وطنهم تجنيبهم إياه من مآس، تقول الوقائع إنهم لن يقووا على التعايش معها فترة طويلة

العربي الجديد

 

 

 

مواقف مطلوبة/ ميشيل كيلو

ثمة، اليوم، حاجة قوية لدى الحركة الوطنية السورية إلى ثلاثة مواقف متكاملة، هي:

موقف موحّد داخل الائتلاف، يتجاوز خلافاته وتكتلاته وصراعاته العبثية التي لم تخدم أحداً، حتى الآن، غير النظام والفوضى، وأحدثت بلبلة صارت جوهر السياسات المعتمدة في العلاقات بين مكوّنات المعارضة والمقاومة، وداخل كل طرف منهما. لبلوغ هذا الموقف، من الضروري إخراج الائتلاف من النمط التنظيمي الذي أعطي له منذ تأسيسه، ونمط الممارسات والسياسات الجزئية والمحتجزة الذي ترتب عليه، وبلورة صيغ مختلفة، تضبط عمله ضمن استراتيجية عمل وطني، تغطي مختلف الفاعلين في الساحة السورية، معارضة ونظاماً.

موقف عربي لا تمليه استراتيجية أميركا الشرق أوسطية، بتصفية حساباتها مع إيران وروسيا، وطرقها في إدارة أزمة سورية، وما رسمته لها من خطوط حمراء. إذا لم يبتعد الموقف العربي عامة، والخليجي خاصة، عن سياسات واشنطن، فإنه سيبقى موقفاً ضعيفاً تجاه سورية، وسيتذبذب بين الرغبة في المساعدة والعجز عن تخطي احتجازات أميركا التي تفرض قيوداً متنوعة عليه. يصارع الخليج إيران في سورية بالواسطة، فهل يمكن أن يكسب معركته ضدها عبر سياسات تقيّد دعم حلفائه السوريين، علماً أن سياسات إيرانية تدعم نظام الأسد من دون حدود، وتخوض صراعاً مباشراً ضد الشعب السوري، بواسطة مرتزقتها وأموالها وقدراتها التقنية والسلاحية وقيادتها السياسية، وحضورها الكثيف في جميع مرافق نظام الأسد ومؤسساته؟ وهل يمكن لسياسة لا تستطيع اتخاذ قراراتٍ تعبّر عن مصالحها وأمنها، إنزال الهزيمة بسياسة حربية معلنة على رؤوس الأشهاد، تعتمدها إيران ضد الجهة التي تقاتل النظام السوري، وضد دول الخليج، تحرّض، بطابعها المعلن، أعداء هذه الدول الداخليين والخارجيين، وتشجعهم على تحدي استقرارها؟ هناك اليوم ما يجب أن يدفع الخليج إلى إجراء انفكاك جزئي عن السياسات والخطوط الحمراء الأميركية، منها أولوية مصالح البيت الأبيض مع إيران على أية مصالح خليجية، وأولوية المصالحة معها على علاقاته التاريخية مع العرب، ومنها الابتعاد النسبي لدول عربية وإقليمية مهمة عن أميركا، كتركيا ومصر، وأولوية الحرب الأميركية ضد الإرهاب على الحل السياسي في سورية، وانعكاسات هذا الخيار الجديد والخطير على الأرض، وما أحدثه من اقتراب عملي بين النظام وأميركا، وفتحه بالحرب على الإرهاب من أبواب على علاقات جديدة بين البلدين، بينها عودة قنصل أميركي خلال فترة قريبة إلى دمشق، وما رشح عن تعاون استخباري بين الجانبين، إلى جانب إهمال الجيش الحر وتجاهل دوره الناجح في مقاتلة “داعش”، والانخراط، في المقابل، في التغني ببطولات القوى الكردية المسلحة، وأدوارها في هذه الحرب.

قيام تنسيق وتعاون بين الدول التي تربط دورها في الحرب ضد الإرهاب بالحل في سورية، كفرنسا والمملكة العربية السعودية وتركيا وقطر والأردن ومصر، وتأسيس تحالف في ما بينها ومع الائتلاف والجيش الحر، للحد من انفراد واشنطن بسورية والمنطقة، وتوضيح موقفها من الحل السياسي الذي تكاد تتركه لأعداء الثورة في إيران وروسيا، ويبدو مشروع دي ميستورا حول تجميد القتال في حلب، وكأنه مستوحى منها، أو غير بعيد عنها.

تتحدى قضيتنا، اليوم، قدرتنا على التفعيل الناجح والمؤثر للنقطتين الثانية والثالثة، من خلال توحيد أنفسنا، وجعل الآخرين يرون فينا شريكاً لهم وبديلاً للنظام، وإلا فجهة يستحيل تحقيق أي شيء يجافي مصلحتها وإرادتها. بغير ذلك، سنكون كمَن يضيع وقته في نفخ قربة مليئة بالثقوب، وسنخرج، ونحن مقطوعو الأنفاس، من معادلات الحرب والسلم!

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى