صفحات الناس

وجه الديكتاتورية الجميل

 

 

لا يتحدث الفيلم الوثائقي “أسماء الأسد.. وجه الديكتاتورية الجميل” عن دور زوجة الرئيس السوري بشار الأسد في صناعة بروباغندا النظام وتلميع صورته أمام المجتمع الدولي والدول الغربية فقط، بل يعطي لمحة موسعة حول طبيعة الحياة في سوريا منذ وفاة الرئيس السابق حافظ الأسد العام 2000 بعد ثلاثة عقود من حكم البلاد بدكتاتورية لا مثيل لها.

الفيلم الذي عرضت النسخة العربية منه قناة “دويتشه فيلله” الألمانية، مساء الأحد، هو فيلم ألماني قدمته “القناة الألمانية الأولى” في شهر نيسان/أبريل الماضي، تزامن مع عدة إطلالات إعلامية لأسماء الأسد، للمرة الأولى منذ بداية الحرب السورية، من بينها لقاءات صحافية مع وسائل إعلام روسية، قبل أن تقوم طوال الصيف بجولات مع زوجها في مناطق سورية، للترويج بأن الحرب في سوريا انتهت لصالح النظام.

ويعتمد الفيلم على ثلاثة نقاط متداخلة، بداية بالحديث عن الصورة التي ترسمها عائلة الأسد لنفسها أمام الغرب، وتحديداً أسماء بوصفها العنصر اللطيف الأكثر جاذبية في النظام السوري لعدسات الإعلام وعيون القادة الأوروبيين، بموازاة شهادات من سوريين معارضين حول طبيعة الحياة الحقيقية في ظل نظام الأسد والتي تعاكس تلك الدعاية، منهم المحامي المعروف بالدفاع عن حقوق الإنسان أنور البني وابنة المعارض المعروف رياض سيف، جمانة، وانتهاء بتقديم شهادات متداخلة لمسؤوليين أوروبيين التقوا ببشار وأسماء عدة مرات، من بينهم فرانك هيسكة، سفير الاتحاد الأوروبي لدى سوريا بين العامين 2002 و2007.

وتصف الصحافية الألمانية كريتسين هلبرغ التي كانت مراسلة في سوريا بين العامين 2001 و2008، نظام الأسد بأنه شبكة من المافيا التي حكمت البلاد، وبناء على ذلك يعرض الفيلم طوال 45 دقيقة تاريخ تطور النظام السوري تحت حكم بشار الأسد منذ الأمل الذي أعطاه في خطابه الأول أمام الشعب السوري والعالم، والذي تحدث فيه عن الديموقراطية والحرية والإصلاح، وصولاً إلى خطابه الأول بعد الثورة السورية، والذي تحدث فيها عن نفس المفاهيم، مبرزة بأن الفارق بين الخطابين يعود إلى اكتشاف حقيقة الدكتاتور الذي يمثله الأسد في خطابه الثاني حيث يردد الكلمات التي يريد المجتمع الدولي سماعها فقط من دون أي نية لتنفيذها، مقابل الأمل بإمكانية حدوث تغيير حقيقي في سوريا بعد وفاة حافظ الأسد.

في السياق، يظهر الفيلم كيف لعبت أسماء دوراً في بناء صورة النظام عبر الاستفادة من شخصيتها القريبة من الغربية بسبب دراستها وحياتها لسنوات طويلة في بريطانيا حيث كانت تعرف باسم “إيما”، وكيف كانت تطمح للدراسة في “هارفارد” قبل أن تتخلى عن كل شيء “لأنها وجدت الحب”، وهو ما تقوله بنفسها في لقاءات مع وسائل إعلام غربية يستعيدها الفيلم ليظهر كيف كانت أسماء قادرة على الحديث بلغة ومصطلحات غربية للتأثير وخلق انطباع بأن سوريا تسير نحو الديموقراطية بقيادة زوجها، وتبرز هنا تصريحات المسؤوليين الأوروبيين الذين تحدثوا عن جمال وأناقة وشياكة أسماء كسيدة أولى عصرية، وكيف وقعوا في الوهم الذي كانت تمثله وصدقوها إلى حد تشبيههم لها بالأميرة ديانا!

اللافت هنا أن النظام السوري كان يدرك علاقته الشائكة مع الغرب، ففي الواقع كان بشار الأسد قلقاً من الإطاحة به بعد العام 2003 مثلما تمت الإطاحة بالدكتاتور العراقي صدام حسين، ولهذا كان حريصاً على تقديم نفسه بصورة الخيار الوحيد للغرب للتعاون معه في سوريا في وجه الإرهاب، ولهذا عمل منذ سنواته الأولى على اعتقال السياسيين والمفكرين الليبراليين مقابل رعاية إرهابيي العراق الذين شكلوا جماعات مثل “القاعدة” و”داعش” هناك، وبالتالي كانت سياسته بعد الثورة السورية ضده استكمالاً لسياسة قديمة انتهجها وليست ابتكاراً جديداً.

ويشكف الفيلم دور مستشار العلاقات العامة البريطاني الشهير السير تيموثي بيل، الذي صمم إحدى الحملات الانتخابية الناجحة لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، حيث التقت به الأسد وسألته كيف يمكن لها أن تصبح سيدة أولى ناجحة مثل لورا بوش، ليتجه بيل لاحقاً إلى دمشق ويصمم مكتب أسماء ودورها الذي لعبته بمهارة، واصفة إياها بأنها كانت حينها زبونة جيدة وتدفع بانتظام وتعمل بشكل لطيف من أجل الخير، قبل أن ينكشف زيف ذلك أمامه لاحقاً، لافتاً إلى أنه كان دائماً يشعر بأنه مراقب خلال لقاءاته مع أسماء في قصورها في العاصمة دمشق، لأن النظام كان حريصاً على ألا تخرج أسماء عن النص المكتوب لها وألا تلعب دوراً مختلفاً عما يجب عليها القيام به.

إلى ذلك يقول الفيلم أن الغرب وأوروبا يتحملون قسماً كبيراً من المسؤولية في صناعة ذلك الوهم الدعائي الأسدي وتصديقه، ليس فقط من ناحية التعليم الذي تلقته أسماء في أوروبا، بل من ناحية التقارب السياسي الاقتصادي الذي قام به القادة الأوروبيون تجاه سوريا بوصفها شريكاً مثالياً ضد الإرهاب، من دون الضغط بشأن الحريات المدنية والسياسية وإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام، حيث كان السياسييون الأوروبيون الذين يزورون العاصمة دمشق يسمعون بالانتهاكات ولا يرونها فعلاً لأنهم اختاروا ذلك فقط.

وساهمت أسماء في ترويج ذلك الوهم أمام الرأي العام الغربي وأمام السياسيين بما في ذلك لقاؤها مع الملكة البريطانية ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير العام 2002، وروجت لنفسها على أنها الصورة المعاصرة لسوريا التي يبنيها زوجها، مع إطلاقها مشاريع تنموية ولقاءات لزوجات الرؤساء في البلاد المجاورة وهو أمر غير مألوف في الشرق الأوسط، فضلاً عن إشعالها شمعة من أجل ضحايا أكبر هجوم إرهابي إسلامي في تاريخ أوروبا الذي ضرب محطة القطار المركزية في العاصمة الإسبانية مدريد العام 2004.

ويلفت الفيلم إلى أن أول دور واضح لأسماء الأسد كلاعب مهم في سياسة سوريا الخارجية، كان نجاحها في فك العزلة عن زوجها بشار خلال جنازة بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني العام 2005، عندما رفض زعماء العالم الحديث معه وحتى الوقوف معه بسبب اتهام الأسد حينها باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، لتتدخل أسماء بـ “سحرها” و”جمالها” و”أناقتها” للحديث مع ملكة إسبانية ومع شيري بلير، زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى