صفحات الرأي

وجوه المرشحات للنيابة في الجزائر: النقاش المزوّر/ نهلة الشهال

 

 

طغى في الجزائر سجال على «فايسبوك» وسائر وسائل التواصل الاجتماعي، يتعلق بحجب مرشحات من النساء وجوههن على ملصقات الحملة الانتخابية التي انطلقت في 9 نيسان (أبريل) وتنتهي في 4 أيار (مايو)، حيث يصوت أكثر من 23 مليون ناخب على انتخاب 462 نائباً يفترض أن حوالى ثلثهم نساء.

ثم عاد فطغى نقاش متفرع عن هذا، تعلق بوجاهة قرار الهيئة المشرفة على الانتخابات دعوة الأحزاب الخمسة التي ارتكبت بعض لوائحها هذه الممارسة، إلى تصحيح الأمر وإظهار وجوه المرشحات خلال 48 ساعة، وإلا تعرضن لقرار بمنعهن من المشاركة.

وصارت هاتان المسألتان محور وجهات النظر في الجزائر، والغضب والغضب المقابل، كما صارتا ما أوصل أصداء الحملة الانتخابية إلى خارج البلاد. في السجال الأول، برر ناطقون باسم تلك الأحزاب الأمر بطرق مختلفة، ما بين قائل إن الملصقات المذكورة تعود إلى مناطق ريفية، وهي من مسؤولية اللجنة الحزبية المحلية وخطأها، إلى قائل بأن هذا الحجب يتوافق مع تعاليم الدين الحنيف، إلى رافع صوته استنكاراً للاستنكار بمزايدة «نسوية»: «مرشحاتنا سياسيات ولسن عارضات أزياء»، إلى قائلة إنها حجبت صورتها احتراماً لتقاليد منطقتها، وأخرى حتى لا تحرج عائلتها، وثالثة تَظهر في مناظرة تلفزيونية عبر الصوت فحسب… فإن كان يُظن أن «صوت المرأة عورة»، فها قد رُفع العوار عنه وحل رسمها محله!

وبالطبع، استُفزت نساء أخريات وجمعيات وطالبن بمعاقبة المرتكبين واعتبرن الفعل يمس كرامة كل النساء، وتساءلن كيف يمكن من ترفض إظهار وجهها أن تقابل ناخبيها وتتعرف إلى مطالبهم ومشكلاتهم، وتلعب دورها تحت قبة البرلمان، ثم ما هو مفهومها لدورها… وانطلق على «فايسبوك» نداء حَوّر الشعار الرسمي للانتخابات «سمّع صوتك» إلى «أظهر وجهك». وتلا ذلك سجال آخر محتدم يتعلق بمدى شرعية ودستورية قرار هيئة الإشراف على الانتخابات إلزام الأحزاب بإظهار وجوه مرشحاتهم، وآخر يلوم السلطات على غفلتها من الأصل، وثالثة تذكر بأن 70 في المئة من طلاب الجزائر من الإناث، وعاشرة تستحضر مناضلات حرب التحرير… وآخر يندب تراجع الأمة، وهكذا.

وللتذكير، فقد سبقت الجزائر إلى حجب صور النساء المرشحات بلدان عدة في المنطقة. في لبنان، وفي انتخابات «المخاتير» (وهم أول مستوى من تمثيل سلطة رسمية في الأحياء، ويهتمون ببعض الإجراءات، كالمصادقة على صحة ومطابقة الصور لأصحابها قبل توجه هؤلاء لمعاملات الحصول على وثائق رسمية، واستخراج وثائق إخراج القيد، وإعطاء إفادات السكن، وحتى إفادات فقر الحال…)، ظهرت ملصقات فردية عليها صورة رجل وأسفلها نص يقول: فلانة زوجة فلان مرشحة عن الحي الفلاني. وبدا الأمر طريفاً لولا أن تكراره بصيغ مختلفة في بلدان أخرى وعلى نطاق أوسع، عطل هذه الطرافة لمصلحة القلق.

فبعض الأحزاب السلفية في مصر وضع في الانتخابات الأخيرة رسماً لوردة مكان وجه مرشحاته، وتكررت الظاهرة في العراق في الانتخابات (من دون وردة!).

في الجزائر، كما في سائر تلك البلدان (عدا لبنان)، وضعت كوتا لنصيب النساء في كل انتخابات وفي المجالس التمثيلية. النسبة التي قررها قانون 2012 في الجزائر هي 30 في المئة من المرشحين في اللوائح، و30 في المئة من المجالس نفسها. وهكذا قفزت نسبة حضور النساء في «مجلس الشعب الجزائري» وقد كانت قبلاً 7.75 في المئة كحصيلة لانتخابات 2007. وأوصلت الكوتا 143 امرأة الى البرلمان في 2012 من أصل 474 نائباً، وتجاوز ذلك ما كانت عليه نسبة تمثيل النساء في البرلمان التونسي قبل 2014، وكذلك ما حصلت عليه النساء في انتخابات المغرب في 2016 حيث كان نصيبهن 21 في المئة من مجمل النواب.

وغاب في خضم ذلك (سواء كان «ذلك» تباهياً بالمنجَز باعتباره خطوة «على الطريق»، أو تذكيراً بالتقاليد والأعراف والمحافظة) كل ما له صلة ببرامج المرشحين والمرشحات، بل حتى بتفحص وعودهم. وغابت كذلك وظيفة فكرة الكوتا النسائية، وعادت إلى البروز مسألة أن ملء المقاعد بنسب مخصصة للنساء لا يعادل «تمكينهن»، وأنهن مجرد عدد باعتبار القانون «اللعين» ذاك.

ولعل واقعة أخرى جرت في الجزائر قبل عامين توضح الحال حين تضاف إلى هذه، ففي 2015 صاحب النقاش حول مشروع قانون تجريم العنف الأسري مواقف مشابهة، لها هي الأخرى مثيلاتها في بلدان أخرى من المنطقة. فقد قيل في مشروع القانون إنه مستوحى من أيديولوجيا وقيم غربية، وأنه سيؤدي إلى تفكيك الأسرة وتشريد الأولاد. بل تجرأ وقتها نائب في البرلمان على القول إنه بات من الأسلم أن يتخذ المرء عشيقة له وليس زوجة، حتى يتجنب الوقوع تحت طائلة القانون عند أول هفوة، وكأن القانون يحاسب على الهفوات والأخطاء البسيطة وليس على حالات موثقة قضائياً وطبياً من العنف الجسدي والنفسي، أو كأن الحل هو في بقاء النساء خاضعات لسوء المعاملة مداراة لنتائج احتجاجهن وسعيهن لحماية أنفسهن. وعلى رغم الاعتراضات، أقر القانون. وهي خطوة أولى يتطلب «تطبيقها» فعلياً شروطاً تبدأ بضبط عقلية القاضي (أو القاضية)، وتنتهي بوجود أماكن إيواء لائقة وإمكانات للإعالة، وتمر بمصير الأولاد في مجتمعات تطغى فيها أمراض ذكورية تمزج التفاخر بالعنف العاري وبالإخضاع… إلخ، مغلفة كلها بخطاب يعتد بالتقاليد الدينية وبالمحافَظة، في توليفة مدهشة. وهذا تماماً كما اصطدم قانون تحديد سن الزواج في المغرب ومنع زواج القاصرات باعتبارات شتى جعلت تطبيقه الفعلي الاستثناء وليس القاعدة. وتماما كأمثلة أخرى (وكلها تخص النساء!) كتزويج القاصرات من مغتصبيهن، ما يعفي المعتدي من المساءلة الجنائية، وهو تطبيق يستند إلى قوانين قائمة في أكثر البلدان العربية ومن بينها القانون التونسي (المتقدم على سواه!) الذي اعتد به قاض لتزويج فتاة في الـ13 من عمرها، بحجة أنها جاهزة للزواج «بدليل حملها» وإقامتها علاقة جنسية… برضاها، وهو بالتالي «ليس اغتصاباً»، وأنها (وهذا ربما كان المبرر الأوجه) «أمية وفقيرة وتربط عائلتها علاقة مصاهرة بالجاني». فلا عجب من سياسيات ونائبات لا يجدن تناقضاً بين صفاتهن تلك ومحو وجوههن. توليفة مدهشة حقاً!

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى