أكرم البنيصفحات مميزة

وحدة المعارضة السورية.. غاية لا تدرك!


أكرم البني

على الرغم من أن التنوع الحزبي والاختلاف السياسي ظاهرة طبيعية في أي مجتمع، خاصة إن كان تعدديا كالمجتمع السوري، فإنه ما من معارضة عرفت هذا الإلحاح على وحدتها التنظيمية والسياسية كما المعارضة السورية، ودون أي اعتبار للتعقيدات الكبيرة التي تقف عائقا أمام تحول كتل وأطراف مختلفة من حيث المنبت والبنية وشروط التكوين إلى مزيج متجانس. وما يكرس هذه الاختلافات ويعمقها حزمة أمراض يعاني منها العمل المعارض، بفعل استمرار الشروط الأمنية القاسية، وحضور جهاز قمعي يتدخل في مختلف تفاصيل الحياة، ويتصرف من دون رادع قانوني أو أخلاقي لسحق مناهضيه، مما يجعل وحدة المعارضة السورية في هيئة تنظيمية واحدة غاية لا تدرك!

ثمة عاملان خلقا هذا المناخ الضاغط على المعارضة السورية وجراها نحو أسبقية هدف الوحدة التنظيمية. أولهما، المطالبات العربية والغربية المتعددة الصور والأشكال بأن تتجاوز المعارضة انقساماتها وتظهر بحلة جديدة و«جميلة» أمام العالم المتكاسل والمتردد كي تشجعه على حسم أموره وتقديم الدعم اللازم للثورة السورية، والأنكى أن تزداد حرارة هذه المطالبات مع كل اجتماع يعقده مجلس الأمن للوقوف أمام مسؤولياته تجاه التطور المأساوي للوضع السوري، وأيضا قبل أي اجتماع تعقده مجموعة أصدقاء سوريا المعنية باتخاذ قرارات أكثر عزما وحسما، وبالتالي ليس صعبا كشف زيف هذا العامل وكيف يوظف للتهرب من المسؤولية وإخفاء الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تلكؤ الغرب والمجتمع الدولي وتقاعسهما عن التدخل الفاعل في سوريا أسوة بما حصل في ثورات أخرى، وهي أسباب لا علاقة لها بأحوال المعارضة ومواقفها، بل تحددها خصوصية الحالة السورية وتعقيداتها، وهي تبدأ بحسابات التكلفة وجدول الربح والخسارة من نتائج التدخل في بلد يرتبط مصيره بأهم الملفات الشائكة في المنطقة، وتاليا بحسابات الموقف الروسي ومطامحه، ثم بردود فعل القوى الداعمة للنظام، كإيران وحلفائها في العراق ولبنان، وأيضا بحقيقة الموقف الإسرائيلي وتأثيره الكبير على مراكز صنع القرار في أوروبا وأميركا!

واستدراكا، علينا الاعتراف بأن ثمة شروطا موضوعية لا تزال تتحكم في التعاطي الدولي مع الثورة السورية، وهي بالضرورة تتحكم في عمل المعارضة وترسم حدود دورها ومسؤوليتها، ومثل هذه الشروط المرتبطة بلعبة الأمم ولغة المصالح لا يمكن القفز فوقها مهما تكن الرغبات أو الحماسة أو الجاهزية الذاتية للمعارضة، والقصد أن المعارضة السورية لا يمكنها أن تخرج «الزير من البير» كما يقول المثل الدارج في طلب دعم أممي للثورة السورية، حتى لو نجحت في أن تصنع من نفسها كتلة موحدة ومتراصة وواضحة المواقف والرؤى، بل على العكس لا يمكن أن يتغير شيء إلا في حال تغيرت المصالح والأهداف، ولنا في مثالي ليبيا واليمن خير دليل، حيث لم تكن هناك معارضة موحدة ومتراصة الصفوف وأحيانا لم تكن على مستوى الكفاءة السياسية والإعلامية التي أظهرتها المعارضة السورية، مع أن هناك نقطة إضافية تحسب لها هي شدة الضغط الأخلاقي والإنساني الذي تولده معاناة السوريين وعظمة ما يقدمونه من أثمان وضحايا، والذي لم تضاهه ثورات أخرى.

ثاني العوامل، هو موقف بعض المعارضين وممثلي الأقليات السورية الذين يضعون وحدة المعارضة في رأس سلم الأولويات، وهؤلاء، على الرغم من وضوح الوجه الوطني العريض للثورة، لا يزالون يخشون وصول تيار إسلامي متشدد إلى السلطة، مثلما يخشون حصول فوضى جراء التغيير ويتحسبون من انهيار الدولة وتفكك المجتمع، مما يجعلهم يرفعون السقف ويطالبون إلى جانب الضمانات السياسية بضمانة تنظيمية توفرها معارضة موحدة وقوية قادرة على الإمساك بزمام الأمور عند اللزوم.

هو أمر خاطئ وضع كل البيض في سلة وحدة المعارضة السورية التي قد لا تقدم ولا تؤخر، وربما ينفرط عقدها عند أول امتحان، بينما الصحيح هو تشجيع التنافس بين قواها على اختلاف منابتها الاجتماعية ومشاربها الآيديولوجية لطمأنة الشارع، سياسيا وأخلاقيا، وكي يثبت كل طرف أنه يستحق ثقة الناس به، وأنه صادق في احترام التنوع والاحتكام للحوار، فالطريق الأجدى ربما للتعويض عن وحدة المعارضة والخروج من الآثار السلبية لحالة التشتت لا تصنعه المؤتمرات، التي بدا أنها تزيد الانقسام انقساما، بل إنه يأتي بأن يقوم كل طرف بعمله لتمثيل قيم الثورة وأهدافها في سياق الشروط الخاصة التي تحكم نشاطاته، وبعبارة أخرى، يفترض عدم إضاعة الوقت في المناشدات والدعوات من أجل وحدة المعارضة على حساب مهمة حيوية وقابلة للتحقيق وهي العمل من قبل كل حزب أو ائتلاف للنهوض بالدور المنوط به، وبالتنسيق والتكامل مع الأدوار الأخرى، ربطا بطرح رؤية مشتركة أمام الرأي العام تظهر صحة تنوع العمل المعارض وبديهية انقساماته وتباين أدواره وأنه قادر على تكوين قنوات للتنسيق والتكامل بما يرسخ الثورة ويمكنها في الأرض!

تستحق التضحيات الغالية التي يقدمها الشعب السوري من أجل حريته وكرامته معارضة سياسية من طراز مختلف، لكن ليست موحدة بالضرورة، تجنح بصورة رئيسية للتفاعل مع الناس ونيل ثقتهم عبر دعم ثورتهم بكل الإمكانيات المتاحة وتقديم صورة صحية عن نفسها تكشف بداية مسؤوليتها السياسية بتبني مطالب الشعب، واستعدادها للتضحية في سبيل ذلك. وتكشف تاليا عن وجه أخلاقي، يضرب المثل في الالتزام بقيم الحرية واحترام التعددية وحق الاختلاف، ويترفع عن المهاترات وعن أسلوب الشتائم والإدانات وعن الأساليب الخاطئة والتآمرية في إدارة الخلافات. معارضة لا تكتفي بالصرخات الصادقة التي تطلقها في كل واد طلبا لحماية المدنيين، وبمحاولاتها الحثيثة لتشديد عزل النظام وتوظيف المبادرات المتعددة لتخفيف معاناة السوريين وآلامهم، بل أن تجالد لإظهار نفسها بصفتها بديلا يحترم الآخر والتعددية، وأمينا على ثقافة الديمقراطية وقواعدها، بما يولد الاطمئنان المطلوب حول مستقبل البلاد، مرة لإزاحة ذريعة بعض المتخوفين في مراكز صنع القرار العربي أو الدولي، ومرة لجذب الفئات المترددة من المجتمع السوري التي لا تزال سلبية ومحجمة عن الانخراط في الثورة!

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى