صفحات الثقافةعماد الدين موسى

وداعاً عام 2016 :أكثر من شمعة وسط الظلمة/ عماد الدين موسى

 

 

 

عام عربي يوشك على الانتهاء طبعته الحروب التي تشنها الطغم والقوى المتحالفة معها على شعوبها في أكثر من بلد عربي، ويكاد يفتت فيه ما كان قائماً من بشر وحجر ويصبح في مهب الريح. لا تظهر نهاية العام بارقة أمل كبيرة على انتهاء الحروب والجرائم التي ترتكب بحق شرائح كبيرة من المواطنين العرب وجدوا أنفسهم في مرمى المدافع والبنادق وتحت سماء تهطل منها البراميل المتفجرة مثلما يمكن للمطر المحتجب أن يهطل.. ولكن مع كل هذه الأوضاع العربية التي لا تبشر بخير على الصعيد السياسي، كان هناك ما يبشر بخير على الصعيد الثقافي والفني. رغم كل شيء ظلت هناك مطابع تدور، وصحف تصدر، ومهرجانات تقام، وشعراء لم يخذلوا القصيدة، وباحثون يواصلون رصد وتحليل الظواهر، وفنانون يعكفون على ألوانهم وألحانهم. عن هذا الجانب المشرق من العالم العربي، الجانب الذي يقاتل الظلمة بشمعة، والوحشة بأغنية وقصيدة، ويحلم بعالم عربي يطلع من بين الركام وحقول الألغام السياسة والطائفية، نفرد هذه الحلقات الثلاث لأهم الأحداث والإصدارات من وجهة نظر المثقفين الذين سألناهم رأيهم:

عيسى مخلوف: سوسيولوجيا عامة

ليس ثمة حدث واحد وكتاب واحد، لكن ضمن الحيّز المُعطى في وداع عام واستقبال عام جديد، سأكتفي بالحدث الأخير الذي طالعني، وبالكتاب الأخير الذي قرأته. ولقد جاء كلّ ما تابعته في الشأن الثقافي، طوال العام الآفل، على خلفية الحروب المشتعلة وعلى وَقع آلة القتل التي لا تهدأ.

استوقفني الحدث الذي جرى، منذ فترة قصيرة، في الجامعة الأميركية في بيروت، بدعوة من “جمعيّة القلم/ لبنان”، وشارك فيه عدد من الكتّاب اللبنانيين والأجانب الذين تناولوا موضوعات عدّة، منها التطرّف القومي والديني وانعكاسه على الحياة اليومية والكتابة والثقافة. هذه اللقاءات التي تتداخل فيها الأصوات ووجهات النظر لا تزال تؤكّد على أهمّية الحوار في قلب هذه الصحراء التي تزداد اتساعاً. أما الكتاب الذي قرأته باهتمام كبير فعنوانه “سوسيولوجيا عامّة” (دار “سوي” الفرنسية)، وهو الجزء الثاني من المحاضرات التي كان عالم الاجتماع الفرنسي الراحل بيار بورديو قد ألقاها في “الكوليج دو فرانس” في باريس، بين الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين. كنتُ يومها طالباً في جامعة السوربون، وفي الوقت نفسه، كنتُ أتابع تلك المحاضرات بكثير من الاهتمام لأنها فتحت عينيّ على العالم بصورة جديدة وغير مألوفة. في قراءتي لها مؤخّراً، أحسستُ بالانطباع الأول الذي أدهشني والذي ولّدته في نفسي حين استمعتُ إليها للمرّة الأولى، بل وسمعتُ في الكلمات التي كنتُ أقرأها نبرة صوت بورديو، وكأنها لا تزال تتردّد حتى الآن. بالإضافة إلى ذلك، أخذني الحنين إلى مرحلة كانت فيها العاصمة الفرنسية تتلألأ بأسماء كثيرة تركت أثراً عميقاً في ثقافة القرن العشرين. أسماء حقيقية تُعَدّ بالعشرات، وتتوزّع في مجالات الفكر والفلسفة والعلوم الإنسانية ككلّ، قبل أن ينحسر تدريس هذه العلوم في الجامعات، وقبل أن يهيمن على الساحة الفكريّة بعض الفلاسفة الجدد، من أمثال برنار هنري ليفي، ألان فنكلكروت وأندريه غلوكسمان الذين ساهمت في إطلاق شهرتهم السياسة والتلفزيون وصعود الثقافة الرائجة والمبتذَلة.

*كاتب لبناني يقيم في باريس

شريف الشافعي: الأدب الأكثر مبيعاً

يأتي فوز الأميركي بوب ديلان بجائزة نوبل للآداب، 2016، ليكون أحد أبرز أحداث العام، فمن جهة عاد فن الشعر ليتوج بنوبل بعد خمس سنوات من فوز السويدي توماس ترانسترومر في 2011، ومن جهة ثانية، فإن فوز ديلان، المغني والموسيقي وكاتب الأغنيات، يعكس كسر لجنة نوبل للقوالب المتبعة في منح الجائزة في فرع الآداب.

ما يشهده العالم من ترويج للأدب الأكثر مبيعًا، والأغزر انتشارًا، لم يعد قاصرًا على السرد الروائي والقصصي والتشويقي والبوليسي، بل امتد إلى حيز الشعر أيضًا، الذي قد يجري ترويجه وتسويقه ليس فقط من خلال الكتب المطبوعة، لكن من خلال وسائط متعددة، منها أسطوانات القصائد والأغنيات الملحنة.

لقد أقرت لجنة نوبل بإجماع الآراء وبتوافق نادر، وهذا مؤشر لا ينبغي أخذه على محمل الهزل، بأن أنماطًا من الشعر استطاعت أن تخلع ربطة العنق، وتخاطب العاديين بما يستسيغونه، وعبر تعابير شعرية جديدة أيضًا، وفق اللجنة.

فوز ديلان إزاحة كاملة لتصورات البعض عن الشعر النخبوي، ودرس من دروس إمكانية انفتاح الأغنية والقصيدة على الأسطورة، والتاريخ، والتناص، بدون أن تفقد بساطتها، ومستوى تلقيها الأولي لدى الجمهور العادي، وهذا ما يجعل الحدث استثنائيًّا على نحو بعيد.

*شاعر وصحافي مصري

دنى غالي: المرأة والسياسة

ربما جائزة القصة القصيرة الحدث الثقافي الأهم، ليس لأن نتائجها أُعلِنَت مؤخرا فيسهل تذكرها، ولكن ما من شك فمن شأن هذه الجائزة أن تدعم هذا النوع من الكتابة وتضيء المشهد الذي تهيمن عليه الكتابة الروائية حاليا.

2016 لم يكن عام قراءة بالنسبة لي لأني أنجزت خلاله أكثر من كتاب وبصدد إنجاز ترجمة رواية جديدة، ولكن آخر كتابين قرأتهما كان أولهما للكاتبة الدنماركية كيرستن توروب، “ذكريات عن الحب”، وهي رواية صدرت أخيرا باللغة الدنماركية وقد سبق لي أن ترجمت لها روايتين من قبل إلى العربية؛ أسلوب الكاتبة كلاسيكي وسلس، ولكنه في هذه الرواية تميز بقدرة فريدة وبأسلوب جميل هادئ في ربط الحاضر بالماضي بتناولها للأحداث عبر عملية نسج متقنة إلى أبعد حد.

الكتاب الأخير الذي قرأته كان للكاتب العراقي سلام عبود وهو رواية كتبتُ بشأنها مراجعة نُشِرت قبل أسابيع؛ “امرأة وخمس نساء”! لم أحلّ لغز العنوان بعد، ولكن الرواية متميزة بتعدد أصواتها، في سرد موضوعها الرئيسي الذي تدور أحداثه حول وفي اليمن، أحداث خاصة وعامة تُروى على لسان نساء يمنيات مثقفات من عدن فَهِمْنَ الثورة كلٌ على طريقتها، وما حاول الكاتب إبرازه هو سوء الفهم الذي وقعن به لذواتهن والآخر. إجمالاً لعبت الأيديولوجيات دوراً في زرع تناقض نراه واضحا في مآل تلك الثورة وفشل تجربة اليسار العربي عموما. رواية عميقة وممتعة أيضا، تكشف عن مدى قرب المرأة ودورها الفاعل في السياسة.

*كاتبة عراقية تقيم في الدنمارك

أحمد الواصل: عام مضطرب وانتقالي

أتحدث على مستوى السعودية، فالحدث الأول إقامة مؤتمر الأدباء السعوديين الخامس (27-30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، بعنوانه الرئيس “الأدب السعودي ومؤسساته: مراجعات واستشراف ما بين (1400 – 1437هـ / 1980 – 2016م )”، وقد شاركت فيه بورقة “سرديات مؤجلة: ترسيم الهوية والوطن والتاريخ”، عن صناعة الرواية والمرجعية المعرفية لها.

وأما الحدث الثاني، فصدور الطبعة العربية من كتاب طال انتظاره “نجد قبل الوهابية”، لأستاذ التاريخ عويضة الجهني، أطروحة أكاديمية صدرت باللغة الإنكليزية 2000، حيث تتاح للقراء العرب الآن. وضعت الدراسة في ستة فصول، الأول الخلفية الجغرافية والبيئية، والثاني الخلفية التاريخية، والثالث بدو نجد في القرن التاسع الهجري – الخامس عشر الميلادي، والرابع سكان نجد في القرن التاسع الهجري – الخامس عشر الميلادي، والخامس نمو التعليم الديني، والسادس الظروف السياسية والاجتماعية والدينية، وألحق به ملحق الجداول والآخر الخرائط.

انطلقت الدراسة من ثلاث ظواهر رصدها من خلال تلك المصادر، الأولى هجرة جماعات بدوية إلى نجد من غرب وجنوب غرب الجزيرة العربية، والثانية نمو السكان في نجد بالهجرات العكسية بين نجد وشرق الجزيرة العربية وجنوب العراق، والثالثة نمو التعليم الديني خلال القرن العاشر – الثاني عشر الهجري (الموافق السادس عشر – الثامن عشر الميلادي).

وفي الآخر، فإن الكواكب لم تنه صراعها الدائر في مداراتها وزواياه، إذ تطغى نحوسها على فؤولها، وما لنا سوى صلاة صبر طويلة..

* كاتب وباحث سعودي

معن البياري: سير وفكر ورحيل

لم تيسر المشاغل الخاصة الوقت الكافي لي لأقرأ كثيراً مما رغبت بقراءته في العام 2016، مما صدر في أثنائه، أو في سنواتٍ سبقته، غير أنه في وسعي أن أتحدّث، هنا، عن كتبٍ، أظنها كانت الأبرز مما قرأت، وسعدت بمطالعتها وأفدت كثيرا منها.

أتحدث، أولا، عن كتاب الدكتور عزمي بشارة “ثورة مصر”، وهو جزءان، “من جمهورية يوليو إلى ثورة يناير” و”من الثورة إلى الانقلاب”، وقد صدر في 2016 عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وهو كتاب مرجعي وشديد الأهمية في علم الاجتماع السياسي. ويقع قارئ صفحات جزئيه (720 و672) على إحاطةٍ تحليليةٍ موثقةٍ وافيةٍ على تشابك السياسي والاجتماعي والثقافي العام في مسار الحراك الشعبي المصري العام في نحو ستة عقود، والعوامل الفاعلة في محطاتٍ مهمة وانعطافية في مصر. ويعد هذا الكتاب الأول في موضوعه ومشاغله من حيث تعيين هذه العوامل والمؤثرات، وخصوصا بشأن ثورة يناير 2011 ثم الانقلاب الذي أطاحها. ومن أسفٍ أننا لم نقرأ مطالعاتٍ جادة وجدية، تناقش أفكار الكتاب ومنهجيته وأطروحاته، وذلك بسبب الكسل العام في الصحافة العربية، غير أن هذا الأمر لا يعني شيئاً أمام القيمة الخاصة لهذا الكتاب الذي أزعم أنه من أهم إصدارات 2016 الفكرية والسياسية التحليلية، وربما من أهم الوقائع الثقافية العربية في هذا العام.

ولأني مصابٌ بشغف خاص بقراءة كتب السير والتجارب الذاتية، وخصوصاً لسياسيين ومثقفين، فقد سارعت إلى قراءة كتاب الدكتور وليد سيف (الشاهد والمشهود.. سيرة ومراجعات فكرية)، وقد صدر 2016 في 510 صفحة عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع في عمّان. وأظنه كتاباً جديداً في مساره من بين كتب السير الذاتية العربية، من حيث اشتماله على أفكار ورؤى واجتهادات في الفكر والسياسة والأدب والثقافة، فضلا عن لغته العالية، كما أن له أهميته للمشتغلين في صناعة الدراما، وفي تدريس الأدب واللغة في الجامعات العربية، وللدكتور وليد سيف تجربة مميزة في الشأنين.

ومن قرءاتي في العام الذي يوشك على الرحيل، في السيرة أيضا، كتاب “من زوايا الذاكرة .. محطات رحلة في قطار العروبة”، وكان قد صدر في 2014، عن الدار العربية للعلوم ناشرون، وأخذتني إلى قراءته وفاة كاتبه الدكتور كلوفيس مقصود في العام 2016. كتاب شائق ومفيد في الإطلال على التجربة الدبلوماسية والفكرية والسياسية والشخصية للكاتب الراحل.

وتيسر لي أن أقتني عددا ليس قليلاً من الروايات التي صدرت أخيرا، في العام الذي نودعه، معظمها لأصدقاء، غير أن الوقت لم يتوفر لقراءتها جميعا، وفي وسعي أن أشير إلى إعجابي برواية حزامة حبايب “مخمل”، وقد صدرت في 2016 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، من حيث إتقانها التعبير عن أنوثةٍ منتهكة بالمتاعب والقهر والاضطهاد الاجتماعي القاسي، هي رواية حاذقة في هذا الخصوص، وأظنها تستحق موقعا لافتاً في رواية موضوعة المرأة العربية.

وفي أجواء المحنة التي شهدتها مدينة حلب في 2016، قرأت الكتاب المهم (مآسي حلب .. الثورة المغدورة ورسائل المحاصرين)، من إعداد صبري درويش ومحمد أبي سمرا، وهو يضيء على هذه الحاضرة السورية العتيدة، في راهنها في أتون الثورة السورية، وعشية هذه الثورة، وقد صدر الكتاب في 2016 عن منشورات المتوسط (إيطاليا)، ويضم تحقيقاتٍ صحفية ومساهمات بحثية واستقصائية، أنجزها كتاب عارفون، بينهم أجانب، تطل على جوانب معيشية واجتماعية واقتصادية وعمرانية للمدينة، وكذا لحضور شبابها وناسها ونخبها في الثورة.

ومن قراءاتي في 2016، كان كتاب الروائي التركي، أورهان باموق، “اسطنبول .. الذكريات والمدينة” في ترجمه عبد القادر عبداللي، وقد صدر في العام 2015 عن دار الشروق (المصرية). وهو كتاب في السيرة والقص والسرد معاً، بديع في حكاياته، وفي تجواله في ذاكرة طفل وفتى وشاب، هو الكاتب العالمي المعروف، في مدينة مدهشة هي اسطنبول.

*كاتب وصحافي من الأردن

عبد الهادي سعدون: آثار ميزوبوتاميا

بحكم تواجدي في إسبانيا فإن قراءاتي ومتابعتي تتم باللغتين؛ العربية والإسبانيّة.

أبرز حدث ثقافي عربي والأبشع ثقافياً كذلك ولا بد من التركيز عليه حتى لا ينسى؛ هو الوجع المهلك لرؤية تحطيم آثار ميزوبوتاميا في العراق وسورية على يد التعصب الداعشي، والكل منا في موقع المتفرج، وكأن الجميع بانتظار هذه الفرصة القاتلة!

أما أهم حدث في إسبانيا هو الذكرى الـ400 لوفاة رائد الرواية والأدب العالمي قاطبة ثربانتس، صاحب رواية الدون كيخوت، وما رافقه من أحداث وإصدارات ومهرجانات وملتقيات ثقافية على مدار العام. وأيضاً صدور طبعة جديدة كاملة بالإسبانية للتحفة العربية الأولى (ألف ليلة وليلة) بترجمة تعد الأهم والأفضل من بين كل ترجماتها السابقة للغة الإسبانية بترجمة للمستعرب سلبادور بينيا.

العديد من قراءاتي هي إعادة قراءة إلا القليل منها. عليه أغلب نتاجات عام 2016 هي نتاج أعوام سابقة أو قرون سابقة. من بين الجديد هو اكتشافي لواحد من بين أهم روائيي القرن العشرين وصاحب نوبل إسحاق باشفيس سنغر، الذي بدأت قراءة أعماله الروائية العديدة هذا العام وحسب. وقراءات عديدة عن الطبخ والأدب والفنون، خاصة كتاب (مطبخ زرياب) لفاروق مردم بك، وهو كتاب قيم ومهم جداً في حقله. قراءات عن الحكايات والشعر الشعبي الإسباني في عدة مجلدات، كذلك كتب مختلفة عن تاريخ الآداب السرية للمسلمين الموريسكيين في إسبانيا.

* كاتب ومترجم عراقي يقيم في إسباني

حسين حبش: أعمال رياض الصالح الحسين الكاملة

أعتقد أن أبرز الأحداث الثقافية لعام 2016 هو فوز المغني بوب ديلان بجائزة نوبل للآداب الذي شكل فوزه مفاجأة كبيرة للبعض، بينما توقع آخرون ذلك. طبعا منهم من استنكر ذلك أشد الاستنكار، ومنهم من وجده قراراً صائباً.

وكذلك من الأحداث البارزة بالنسبة لي شخصياً هو صدور الأعمال الشعرية الكاملة لرياض الصالح الحسين عن منشورات المتوسط في إيطاليا.

ومن الأحداث المؤلمة لعام 2016، هو رحيل المخرج الإيراني الفذ عباس كيارستمي عن عالمنا، وكما هو معلوم، كان من كبار صانعي الأفلام في العالم. وكذلك رحيل صاحب رواية اسم الوردة الإيطالي أمبرتو إيكو. ورحيل الشاعر التونسي محمد الصغير أولاد أحمد. وكذلك رحيل المفكر السوري جورج طرابيشي. ورحيل المعمارية العراقية الفذة زها حديد. طبعاً رحل آخرون كثر لا يتسع المجال هنا لذكرهم جميعاً… ها أنك ترى أن أغلب أحداث السنة حزينة ومؤلمة!

أما أهم كتاب أو كتب قرأتها! في الحقيقة هناك كتب كثيرة قرأتها، لكن هناك كتبٌ شبه ثابتة في حياتي، لا أستغني عنها، وأعود إليها بين الحين والآخر، منها:

القاموس الكردي، وهو الكتاب الذي لا يمكنني الاستغناء عنه أبداً، لأنه يشكل بالنسبة لي مصدراً غنياً وهاماً لحفظ المزيد من الكلمات والغوص في معناها، والتي تساعدني، في ما بعد، في الكتابة بالكردية.

مجمل أعمال كافكا، وهي تساعدني على تحمل قسوة المنفى وبرودته، وتخفف عني عبء اللوعة والاشتياق، ولا أدري لماذا تفعل بي ذلك!

هكذا تكلم زرادشت لنيتشه، وهو مصدر إلهام لا ينضب للمخيلة، وتعلم درس الفلسفة شعرياً.

أعمال فرناندو بيسوا، وهي التي تقودك إلى الشعر الحقيقي حيثما كنت وأينما اتجهت. وفي كل قراءة لها تتغير نظرتي للحياة وللكتابة على حد سواء.

أعمال نيكانور بارا، هذا الشاعر هو معلم الجميع، يعلمك شعره أن تكون مضاداً دائماً، وعلى النقيض من كل شيء إلا من الشعر الحقيقي.

أعمال تشارلز بوكوفسكي الشعرية والروائية على حد سواء، تلك الأعمال التي لا تدعك ولو للحظة واحدة أن تكون بليداً في الجنون والحب والجنس والطيش والسكر والهذيان…

ـ أعمال ريلكه، تلك الأعمال التي لا تتعب من قراءتها مهما كانت الظروف والأحوال، وذلك لفرادتها وعمقها وشعريتها التي لا تنضب.

*شاعر كردي سوري يقيم في ألمانيا

عبد اللطيف الوراري: جائزة الأركانة للشعر

ودّعنا مع السنة كثيرًا من الناس ممن أثروا في مجريات العصر وبصموا تحولاته الفكرية والأدبية بمعنى من المعاني، مثل السوري جورج طرابيشي، والإيطالي أمبرتو إيكو، والفرنسيين إيف بونفوا وميشال بوتور، والمصري فاروق شوشة، والتونسي أولاد أحمد، والمغربي الطيب الصديقي وغيرهم.

وظهر إلى السطح مبدعون جدد برعوا في الشعر والسرد، أذكر منهم مغربيّاً: ليلى السليماني صاحبة الغونكور الفرنسية، وطارق بكاري الذي لفت الناس بروايته (نوميديا).

وكانت السنة سنة جوائز الرواية، وقد أثير حولها اللغط في المغرب والمشرق؛ مثلما أثير حول جائزة نوبل التي منحت للأميركي بوب ديلان، إذ لم يسبق أن حصل عليها مُغنّي روك قبل هذا الوقت، وقد فُسّر ذلك بأنه تغيير في معايير الجائزة الأدبية. فيما ذهبت جائزة الأركانة العالمية للشعر إلى محمد بنطلحة أحد أهمّ أصوات جيل السبعينيات في الشعر المغربي، وأكثرهم تأثيراً في من جاء بعده.

لكن أحزن حدث هو غرق الروائي المغربي عزيز بنحدوش صاحب رواية “جزيرة الذكور”، التي خلقت جدلاً واسعاً قبل أشهر وحوكم بسببها.

قرأت أو أعدت قراءة كتب كثيرة في الشعر والفلسفة والسيرة الذاتية، ومن جملتها كتاب “الذات عينها كآخر” للفيلسوف الفرنسي بول ريكور، الذي وجدت فيه فهماً جديداً للذات وهويتها وعلاقتها بالذاكرة أو بالزمن، أو بالسرد والوجود؛ فكان محور كل كتابه هو التمييز بين هوية ذاتية تتغير وتبقى في الوقت عينه محافظة على ذاتها رغم مرور الزمان بطريقة الوفاء للوعد المقطوع، وبين هوية ثابتة لا تتغير.

قرأت هذا الكتاب ضمن انشغالي بالسيرة الذاتية وعلاقاتها المتوترة بأنا الشاعر في خطابها بين ما هو مرجعي واستعادي، أو ما هو تخييلي يعاد ابتكاره باستمرار.

*شاعر وناقد مغربي

عبير خليفة: معارض الكتب

من ناحية شخصية أفضّل معارض الكتب على الأمسيات الشعريّة لأنّها جامعة وتُتيح لي فرصة التعرف على دور النشر ولقاء كتّابي المفضلين من دول عربيّة مختلفة وإنشاء صداقات جديدة، كما يمكن إيجاد كتب لا تتوافر عادةً في المكتبات، كتب قديمة تُعرض في بازارات وبأسعار رخيصة. معارض الكتب تجمع الوسط الثقافي في مكانٍ واحد بحسناته وسيئاته، إنّها أشبه باحتفاليّة جديّة بعض الشيء لأنّها ترصد نشاط النّشر والترجمة، مستوى الإقبال على القراءة ونوعيّة الكتب الجاذبة أكثر من غيرها. نلحظ مثلاً اهتمام دور النشر المتخصّصة بالإصدارات الدينيّة بالقارئ مقارنةً بالدور الأخرى، من ناحية العروضات، الطباعة الأنيقة وسعر الكتب الأقرب للرّمزيّ وهي من الأكثر نشاطاً في المعارض. كذلك التركيز على الرواية والشعر مقابل قلّة نشر كتب متخصّصة بالعلوم كالسياسة والاجتماع والنقد.

من بين ما قرأت هذا العام “المقاومة بالحيلة” لجيمس سكوت، وهو كتاب اجتماعي سياسي، يحكي عن الخداع كوسيلة مواجهة غير معلنة بين الضعيف (الفلاحين و…) والسلطة وكيف يختلف الخطاب العلنيّ والسّري، وكيف عليه أنْ يكون خطاب كلّ منهما لدرء الصّراع المباشر. الجميل في هذا الكتاب أنه يُضيء على الكلمة كأساس أوّل لأيّ صراع ولأيّ فكر، مدى أثرها إنْ كُتِمَتْ أو قيلتْ في العلن، كما يأخذ الكتاب أمثلة من التاريخ والأدب ويُسقط عليها نظريّته.

*كاتبة لبنانية

سامي داوود: التراث الحي

أحببت كتاب “الدين في الديمقراطية” لمارسيل غوشيه، لدقته في طرح ما يصطلح على تسميته بالخروج من الدين وتمييزه عن العلمانية وعن الدّنيوَة كمستويات ثلاث يختلف فيها دور الدين في تنظيم العلاقات. أعتقد بأن هذا الكتاب والذي يتبناه كموقف فكري الراحل جورج طرابيشي “هرطقات 2” يشكل إضافة ضرورية لتمتين الأسس النظرية المؤثرة في معظم القراءات التي جاءت بعد ماكس فيبر الذي وضع أسس نزع السحر عن العالم عبر علمنة مؤسساته. إلى جانب كتاب “الحرية” لآيزايا برلين الذي أبّدَعَ في تحويل سؤال الحرية إلى سؤال شمولي يتضمن جميع الأسئلة الممكنة، منيرا بذلك إدراكنا لمفاهيمنا حول الفعل الحر والإرادة. وتحليله لولادة الفردانية عبر أبيقور وأثر العوامل الجيوسياسية التي زامنت قدوم أبيقور وزينون والشك الذي أحدثاه في قيم المجتمع الأثني المصاب برهاب الأجانب. تنفذ قراءته إلى طبيعة القيم المعاصرة للمجتمعات المختلطة والمهاجرة. ونباهة آيزايا في تحليل فكرة رباطة الجأش الأبيقورية لجعل العيش دون لفت الأنظار ممكنا في عالم لا يمكننا فيه أن نوقف الشر ولا أن نحده بالمعرفة.

استمتعت بالمشاركة في مؤتمر التراث الحي والنزاعات الذي انعقد في الجامعة الأميركية بالسليمانية (كردستان العراق)، وكذلك تمكّنّا في المؤسسة التي أعمل فيها من إنجاز مؤتمر العلمانية والدين وبعدها بشهرين مهرجان كلاويز الذي يعد تظاهرة تثاقفية سنوية بين الكرد والعرب والفرس.

*كاتب وباحث كردي سوري

صالح لبريني: الثقافة الجماهيرية وأدب الهامش

أعتقد أن ما ميز سنة 2016 على المستوى الثقافي، هو فوز المغني الأميركي بوب ديلان بجائزة نوبل للآداب، وهو حدث بدون شك شكل مفاجأة إن لم نقل صدمة داخل الأوساط الثقافية، لأنه خلخل الكثير من المسلمات واليقينيات حول هذه الجائزة، من هنا، بدأت تتناسل الأسئلة حول المعايير التي باتت تؤطر الجوائز بصفة عامة، في السياق نفسه أيضا، بدأ التفكير في الثقافة الجماهيرية، أو أدب الهامش الذي ظل مغيبا لقرون، في نظري، هذا الحدث الأبرز في السنة التي سنودعها.

على مستوى العالم العربي، نشهد اليوم تحولا في المركزيات الثقافية، وظهرت قطبيات جديدة للثقافة العربية، بحكم عوامل عديدة، والظاهر على المستوى الأجناسي، هيمنة الرواية على المشهد برمته، فالجوائز التي يتم تخصيصها لهذا الجنس، جعلت بوصلة الثقافة تتغير وتتحول في اتجاه واحد، وهناك – على ما يبدو – تكريس للسرد على المستوى العربي، غير أن ثمة ارتجالية في تدبير ما هو ثقافي، والسنوات تكرر نفسها، بمعنى أن لا وجود لاستراتيجية واضحة للدخول الثقافي أسوة بالغرب، لذلك الثقافة العربية ما زالت في حاجة ماسة لمزيد من الخلخلة والعمل المؤسساتي والتنسيق على مستوى الاتحادات حتى نتمكن من بلورة مشروع ثقافي مائز وفارق.

على العموم، وكما أشرت في البداية، فإن فوز بوب ديلان بجائزة نوبل هو الحدث الأبرز في العالم، فضلا عن تألق الإبداع المغربي كتابة ونقدا في المحافل العربية والدولية.

*شاعر وناقد مغربي

محمد عيد إبراهيم: حصاد الهشيم

ربما تطغى أخبار العام السياسية (القبيحة) بل (الدموية) على كلّ ما عداها من أخبار، ولذلك مهما قلنا أن ثمة مؤتمراً ثقافيّاً عقد أو صدر كتاب رائع لمبدع قدير (سواء كان مصرياً أم عربياً) فهو حصاد الهشيم، كما كان يقول عمنا الساخر (عبد القادر المازنيّ)، لكن هناك عموماً ثلاث ظواهر أدبية: الأولى ظهور عدد مهول من كتّاب (قصيدة النثر)، فيهم طبعاً المجيد (وهم الأقلية المضطهدة) وفيهم الهاوي المتجرئ من دون معرفة أو دربة (وهم الأكثرية الغالبة)، ولا نتمنى أن تسود مثل هذه الكتابات، فهي تدل على تفشّي الرديء وغلبة الغثّ على السمين.

الثانية، كثرة المؤتمرات واللقاءات التي لا تدل إلا على عجيج وطحين بلا جدوى تقريباً، وهي ترسّخ وجود مليشيات يدعم بعضها بعضاً وتؤكّد أن القيمة لم تعد ذات قيمة، بل المهم هو العلاقات الشخصية لمزيد من الكلام حول النصوص وأصحاب النصوص، التي غالباً ما تكون متوسطة للغاية أو حتى هشة للغاية.

الثالثة، هي الانتقاص من قدر الحرية لدى كثير من الأدباء، حتى إن بعضهم سُجن على كلمة في كتاب: أحمد ناجي على رواية في مصر، وأشرف فياض على ديوان في السعودية.

على المستوى الشخصيّ، في سبيل استكمال مشروعي الجمالي، أصدرت: (إني أنا الشمس) و(ليلي عُريي) للفيلسوف الفرنسيّ (جورج باتاي)، رواية أراغون الطليعية (متاع إيرين)، و(التكعيبي) مختارات للشاعر الفرنسيّ ريفيردي، علاوة على ديواني الجديد (مجنون الصنم).

*شاعر ومترجم مصري

باسم المرعبي: رسالة الشاعر إلى العالم

كيفما كانت الأهمية تُقاس، أقول إن نشر غادة السمان لرسائل أُنسي الحاج العاطفية المكتوبة لها سنة 1963، هو الحدث الأهم أدبياً ـ ثقافياً. والأهمية هنا مزدوجة كونها رسائل حب، وكونها تمثّل قيمة أدبية ـ شعرية، لا تنفصل عن مجمل نتاج الشاعر، وهي تضيء دواخله المتمردة، حتى في فهمه للحب والعلاقة بالمرأة. أفهم رسائل أنسي هذه كرؤية وبيان شخصي موجّه ضدّ مجتمعه وعصره، كما عاشهما، فهو لم يتوانَ عن القول إن عصره هو عاره. والحب لديه أداة مجابهة. يقول، إنني أُحب لأنني عاجز عن العكس. بهذا المعنى تخرج الرسائل عن المعنى المباشر لها، لتكون رسالة الشاعر إلى العالم، عبر حبيبة، حتى وإن “تحلّت” بالصدود، لكأنها مكتوبة إلى المرأة بمطلقها.

أما عن الكتاب الأهم، فما أكثر الكتب المهمة! ما ينقصنا فقط هو الوقت. سُئل أُمبرتو إيكو، إن كان قد قرأ كلّ ما تحتويه مكتبته، وهي مكتبة ضخمة، فقال، التي لم أقرأها لمستها! لكن بما أنكم تريدون تسمية كتاب محدّد وتعليل ذلك، أقول: إنّ “سيرة حياة غابرييل غارسيا ماركيز” لجيرالد مارتن، بترجمة محمد درويش، كتاب استثنائي. وهو يتضمّن المفاتيح السرية لولوج عالم ماركيز، إضافة إلى حفوله بإضاءات نقدية وتحليلية بارعة، وملاحقته دقائق حياة الكاتب، حتى قارب عدد صفحاته الـ 800. ولندرة العمل وأهميته قال ماركيز نفسه عنه، يجب أن يكون لكل كاتب محترم كاتب سيرة إنكليزي.

*شاعر عراقي يقيم في السويد

علياء الداية: عصر الحداثة السائلة

كما في الأعوام السابقة، حفل عامنا الحالي 2016 بالعديد من الأحداث الثقافية، فمن ترشيحات جائزة “بوكر” العربية وترقب الروايات الفائزة بها، وجائزة نوبل في الآداب التي تستقطب الاهتمام العربي كما العالمي، ومعارض الكتب التي تتوالى في العواصم العربية، وتشغل المثقفين بالتساؤل عن أحدث المؤلفات والترجمات وتوقيع الكتب والندوات، وهي مناسبات موسمية، إلى أحداث ثقافية تختلف من قارئ لآخر ولكنها تضع بصمتها المميزة لتكون علامة فارقة في عام حصولها. من هذه الأحداث كان صدور الأعمال الكاملة للشاعر وديع سعادة، عن دار أبابيل، في مطلع العام، بالنسخة الإلكترونية التي توافرت بين أيدي القراء. أما على صعيد الترجمات، فكانت روايتا “حرية بلا حدود” لـ”فيكتور ريميزوف”، و”قرطاجنة” لـ”لينا إلتانغ” اللتان صدرتا عن الدار العربية للعلوم ناشرون، بترجمة الدكتور فؤاد المرعي، وهو الذي قدّم حتى الآن منجزاً مهماً بعشرات الأعمال المترجمة عن اللغة الروسية.

وأعتبر كتاب “الأخلاق في عصر الحداثة السائلة” لمؤلفه زيغمونت باومان، وترجمة سعد البازعي وبثينة الإبراهيم، الصادر حديثاً عن مشروع كلمة، من أهم الكتب التي قرأتها خلال العام. فهو ينطلق من محورين الأول هو الحداثة السائلة التي يعني بها مرحلة ما بعد الحداثة حيث تكاد الحدود بين الأشياء تصبح سائلة، يصعب الإحاطة بها واحتجازها، والمحور الثاني هو مفهوم الأخلاق الذي يشتبك في أيامنا الحديثة والمعاصرة مع إشكالية قضية المجتمعات الاستهلاكية. إن تأثير الكتاب وفائدته تتجاوزان علم الاجتماع إلى شرائح معرفية واسعة جداً، وقضايا الهوية والتعليم والحرية واللاجئين والجماليات الفنية، ليجد مكانة وترحيباً لدى مثقفين كثر ومتخصصين أدبياً وفنياً ونقدياً واقتصادياً وفلسفياً.

*ناقدة وأكاديمية سورية

كامل فرحان صالح: مفهوم الثقافة

هناك عشرات الأحداث الثقافية في دلالاتها العميقة التي شاركت فيها أو تابعتها وبالتالي أرى أن أي حدث ثقافي في هذا الوقت تحديداً هو رسالة ضد الموت والقتل والإرهاب وسفك الدماء البريئة بحسبان أن مفهوم الثقافة في دلالاته العتيقة هو مؤشر حضاري بامتياز.

أما أهم كتاب قرأته فهذا سؤال صعب عليّ إذ بحكم عملي الجامعي الأكاديمي أقرأ كثيرا ولعلني هذه السنة قرأت وتصفحت ما يزيد على 100 كتاب معظمها نقدية وإبداعية، ومن هنا أرى أن أهمية كل كتاب تنبع في الغالب من حاجتك إليه، فما أراه مهماً قد لا يعني لك شيئاً والعكس صحيح، ولكن تبقى هناك بعض النصوص أو الجمل الإبداعية التي تحفر في نفسك وتجد عند نقلها للآخر إعجاباً مشتركاً وهذه أعتقد تبقى نادرة وقليلة.

*كاتب لبناني

أميرة المضحي: القوة الناعمة في مواجهة الشر

مر عام 2016 والذي تفاءلت بأرقامه، على سبيل الوهم، فالدمار والحروب والبشاعة ما زالت تتوالى، لكني أصبحت أكثر إيماناً بجدوى مواجهتها بالفن والموسيقى والكتب والشعر والحب والأغاني. أهم حدثين ثقافيين برأيي هما إطلاق جائزة الملتقى الثقافي للقصة القصيرة من الكويت، وافتتاح أوبرا دبي في رهان على القوة الناعمة في مواجهة الشر. لكني في هذا العام قررت الاحتفاء بمباهجي الصغيرة، بإصدار روايتي الرابعة “يأتي في الربيع”، بقراءاتي وإن لم تفِ بشغفي نحو القراءة، بحضوري حفلة موسيقية لفنانة تحارب برؤيتها الفنية من أجل موسيقى تشبهنا، لا تشبه تجار الفن.

قرأت عدداً من الكتب والتي أعتبرها مهمة من وجهة نظري، وأذكر منها “الهويات القاتلة” لأمين معلوف الذي ترافق مع فوزه بجائزة الشيخ زايد. الكتاب يبحث في ضياعنا وهوياتنا واختياراتنا، ربما محاولة من الكاتب في الترويج لثانوية الهوية، وهو الذي ظهر مؤخراً على شاشة تلفزيون إسرائيلي ليتحدث عن كتابه الجديد. قرأت “غبار المدن بؤس التاريخ” لأدونيس والذي يشي عنوانه بمتنه، فهو حديث عن ميراث المرارة الذي ورثناه وسنورّثه للأجيال القادمة، وعن ضرورة تبني الحداثة الفعلية والعلمنة من أجل نبذ الكراهية والطائفية التي تحيط بنا، ووجوب القطيعة مع الماضي الذي دمّرنا، والتشديد على أهمية الإنسان في كل ما يحدث. قرأت أيضاً “سيكولوجية الجماهير” لغوستاف لوبون في محاولة لفهم المشهد منذ أن تصدرت الجماهير والشعبوية المشهد الكوني في دلالة خطيرة على فشل النخبة في قيادة المجتمعات.

في الرواية قرأت “يا مريم” لسنان أنطون التي تصور لحظة انتظار الهرب إلى بلاد المنافي، ومعاناة العراقيين قبلها. قرأت “1984” لجورج أورويل، والتي ما زالت بتصويرها للرقيب الذي يسكننا ويحاصرنا وكأنها كتبت العام الفائت. قرأت رواية “قطط إنستغرام” لباسمة العنزي والتي تسلط الضوء على أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في الكشف عن مواطن الفساد التي تنخر مجتمعاتنا، والتي تتقن مسايرته وتجميله وزخرفته. كما قرأت رواية “حبي الأول” لسحر خليفة، والتي تحكي فيها قصة حب ووجع فلسطيني متلازم، لشعب وقضية نسيها الجميع بعد أن تاجروا بها وخسروا.

كما أعدتُ قراءة كتابين هما “خارج المكان” لإدوارد سعيد، و”رأس اللغة جسم الصحراء” لأدونيس لسبب لا أعرفه، ولكنهما مهمان بالنسبة لي. وأنهي هذا العام وأنا أقرأ كتاب سليمان الفرزلي “حروب الناصرية والبعث” في محاولة لفهم ما جرى ويجري.

*روائية سعودية

محمد الربيعو: مشروع جديد للترجمة

ربما أهم حدث ثقافي بالنسبة لي يتعلق بإشراف السوسيولوجي التونسي الطاهر لبيب على مشروع جديد للترجمة في البحرين، وذلك لما قدمه الطاهر لبيب من إسهامات غنية في حقل الترجمة أثناء تسلمه مشروع المنظمة العربية للترجمة.

أما بالنسبة لأهم الكتب التي قرأتها يمكن أن أشير هنا إلى دراسة الأنثروبولوجي الأميركي سكوت أتران “الحديث إلى العدو: الدين والأخوة وصناعة الإرهابيين وتفكيكهم” الصادر عن جداول للنشر والتوزيع، والذي قدم من خلاله تفسيراً أنثروبولوجياً جديداً لكيفية تجنيد الشباب داخل الحركات الجهادية اليوم. إذ يرى أتران أن شبكة التجنيد الأساسية لا تتم عبر شبكات الإنترنت (وهي السردية التي سادت في حقل الدراسات الجهادية) وإنما عبر شبكات الصداقة والقرابة. فمثلاً نجد في موضوع الصداقات، أنه منذ أحداث الحادي عشر من أيلول بدأنا نشهد موجة جديدة من الجهاديين الذين يكونون عادة في مجموعات صغيرة من الأصدقاء تعهد إليهم بالمهام العملية. وفي أغلب الأوقات ينتمي هؤلاء إلى المنطقة السكنية نفسها ويختلط بعضهم ببعض في الأنشطة الرياضية (كرة القدم) أو خلال فترة التخييم أو عند القيام برحلات طويلة معاً سيراً على الأقدام. كما أن معظم هؤلاء الشباب لم تصبح ميولهم إرهابية عند ارتيادهم المساجد، فهم قلما اجتمعوا وخططوا داخلها، كما في حالة أفراد خلية هامبورغ (الحادي عشر من سبتمبر/أيلول) ومفجري القطارات في مدريد، الذين قاموا بالتخطيط لعملياتهم في بيوتهم الصغيرة.

*كاتب سوري يقيم في تركيا

بلال المصري: بيوت الشِعر

في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة العربية، من حروب واقتتال هنا وهناك، فإن كل حدث ثقافي مهم وبارز، بل هو حاجة وضرورة، في ظل المشهد السياسي والاجتماعي العام، لكن ما لفتني هذا العام، الحدث الثقافي الذي جرى في بيت الشعر العربي في الشارقة، المواكب لمعرض الكتاب، والذي استضاف مجموعة كبيرة من الشعراء العرب والمثقفين من مختلف البلدان العربية، وحسب متابعتي للحدث، فإنني لمست مدى أهميته، ولا سيما أنه أعلن أيضاً عن تدشين (فرع) بيت الشعر العربي في السودان، مما يشير إلى أن هذه الظاهرة الثقافية المهمة والناجحة تعمل على تطوير نفسها، وتريد أن تتمدد في جغرافيا واسعة، من العالم العربي وهذا حاجة ضرورية ومطلب من كل المثقفين العرب، أن يكون هناك مؤسسات ثقافية عربية، تعمل على مد الجسور، بين البلدان العربية، بل بين الشرق والغرب أيضاً، وهو ما يقوم به بيت الشعر في الشارقة ويحتسب له.

أما بالنسبة لأهم كتاب قرأته هذا العام، فهو كتاب شعري بعنوان “عائد من أبيه” للشاعر صالح زمانان، ولفتني بهذه المجموعة التي قرأتها أكثر من مرة، اللغة الشعرية الحقيقية، بمعنى أنه لا تكلف فيها، ولأنني على اطلاع لا بأس به على المشهد الشعري السعودي، فإنني أسمح لنفسي بأن أقول إن هذه المجموعة إضافة قيمة على المشهد الشعري في هذا البلد بشكل خاص.

*شاعر لبناني

جوان تتر: مجلة ثقافية باللغتين العربية والكردية

قرأت في سنة 2016 العديد من الدواوين الشعرية والروايات. ومن بين المجموعات الشعرية قرأت “لست ممتعضاً من دفق السرد” للعراقي ناجي رحيم، وأيضاً للمصري عماد أبو صالح ديوانه الجديد “كان نائماً عندما قامت الثورة”. وللسوري عماد الدين موسى كتابه “حياتي زورق مثقوب” بالإضافة إلى العديد من العناوين الأخرى.

وعلى الصعيد الشخصي نجحنا في إصدار العدد الأول من مجلة rê وهي مجلة ثقافية تصدر كل شهرين من مدينة القامشلي السورية، وحالياً نحن بصدد تجهيز العدد الثاني منه ليصار للطبع والنشر في مطلع العام الجديد، وتضمن العدد الأول كوكبة من الكتاب السوريين ومن مختلف الأقطار العربية، وتهتم المجلة بالترجمة من اللغة العربية الى الكردية والعكس كذلك، إيماناً بأهمية الترجمة والاطلاع على مختلف الثقافات، وارتأينا أن تكون المجلة ثقافية بحتة على النقيض من المجلات الصادرة -على ندرتها- التي تهتم بالشأن المدني وحسب.. لكن في مجلة rê نراهن على الثقافة كعنصر فاعل في الوقت الذي تعاني سورية من انحلال ثقافي بحكم عمليات التخريب والدمار وهجرة الناس، ولاسيما المثقفين منهم، تبقى المجلة أسيرة التمويل المادي الذي يغطي نفقات الطباعة والتوزيع.

*شاعر وصحافي كردي سوري

سعيد الباز: الاهتمام بالرواية دون غيرها

لعلّ الحصيلة التي يمكن أن يرصدها المتتبع للشأن الثقافي خلال هذه السنة، تكمن على المستوى العربي في المزيد من انحسار دور الملاحق والمجلّات الثقافية. في المقابل بدت الجوائز الأدبية، خاصّة تلك التي تهمّ الرواية تحديداً أكثر جلباً للاهتمام والانتقاد أيضا. لكن في العموم قد لا نجد عملا مثيراً ولافتاً للنظر، ويبقى السؤال مطروحاً عن سبب هذا الاهتمام بجنس الرواية بعينه من جهات معلومة دون غيره، وإشاعة ثقافة الجوائز التي صار يتجنّد لها كتاب متمرسون بها وبآلياتها الخفية.

أمّا على مستوى النقد والمتابعة يبدو هو الآخر لا يرتقي إلى الصورة المطلوبة منه. عدا ذلك تستمر الملتقيات والمهرجانات والمعارض على قلّتها في التعامل مع الشأن الثقافي والإبداعي بنوع من الموسمية ودون تصوّر حقيقي وبنّاء، ممّا ينجم عنه بالضرورة حضور نفس الأسماء المكرّسة التي تتبادل فيما بينها الدعوات كأيّ مضافة عربية تقليدية.

وفي الآن نفسه، يستلم العالم الافتراضي من خلال وسائله التواصلية ومواقعه الإلكترونية هذا الدور، وعرف هذا العام حركية كبيرة بظهور مزيد من المدونات المتخصصة سواء في نشر الشعر أو ترجمته وصار قطباً جذّاباً للكثير من الأقلام، رغم ما يطبع بعضها من العشوائية والضعف وأحياناً سوء النية. مغربياً، تبقى معضلة النشر وتوزيع الكتاب مشكلة حقيقية تحدّ من انتشار الأقلام الجيّدة وحضورها في الساحة الثقافية والإبداعية في المغرب والتي تلجأ إلى الهجرة القسرية إلى المنابر ودور النشر العربية، مع استمرار انكماش المؤسسات الثقافية من وزارة وجمعيات ذات صيت سابق.

*شاعر مغربي

محمد علي شمس الدين: غياب الفكر النقدي

أبرز أحداث العام الثقافية جائزة نوبل، وكونها ذهبت لبوب ديلان المغني الشاعر وأشعاره قريبة من أشعار ألن غينسبرغ ما يعني تعزيز الشفاهية والإيقاع والقلق السياسي الصارخ في الشعر، وهي سمات كانت ابتعدت عنها القصيدة في لحظتها الأخيرة اكتفت بالصمت والتشظي والهذيان النثري.

عربياً أبرز ظاهرة ثقافية هي ابتعاد، أو حياد، أو عمى الثقافة، بكافة فروعها بما في ذلك الفنون عن خراب واحتراب وتوحش عالمنا العربي والإسلامي، وكأن الثقافة عندنا غير معنية بهذه الحياة، أيضا هناك ظاهرة سلبية أخرى هي غياب الفكر النقدي بجميع أشكاله وعدم بروز علامات إبداعية جديدة في وقت تموت فيه العلامات السابقة أو تسكت أو تتراجع.

أما أهم ما قرأت فكثيراً ما قرأت، هناك المهم في البحث العلمي وفي الرواية والتاريخ والفلسفة والشعر، أذكر من أجمل ما قرأت مؤخراً مجموعة “قصائد الاكتمال” للشاعر الإسباني بيثنتي ألكسندري ترجمها إلى العربية حسين عبد الزهرة مجيد ترجمة بلورية قريبة من الروح الشعرية لألكسندري، هنا شاعر مقتضب شفاف وصاحب برق شعري يقول تأملاته في الشباب وجماله وهو واقف على حافة الشيخوخة حافة الموت ويرصد حركة الزمن بين الطفولة والكهولة رصداً شعرياً شفافاً تذوب من خلاله الأيام والحياة في التأمل. والتأمل في القصيدة والقصيدة كثيفة غامضة يسابق فيها الصمت الكلمات حيث مفردة صغيرة تملأ زمناً… مثل قوله: “أحترق.. لكني لا أحترق.. نم. أنام.. لكن آه… كفى..”.

*شاعر لبناني

حسام أبو حامد: الثقافة الناجية من الرقيب

يمضي العام 2016 دون تغيرات نوعية في المشهد الثقافي العربي، في ظل استمرار غياب الدعم غير المشروط من قبل الجهات الرسمية.

كما الأعوام السابقة، احتدت المنافسة بين الأعمال الأدبية، شعراً ورواية، لحصد الجوائز العربية، وسط جدل واسع حول قيمة بعض الأعمال المرشحة والفائزة، والتي يراها كثيرون تستند على ذائقة المحكمين وأمزجتهم، أكثر من استنادها لمعايير نقدية موضوعية.

وفي ظل استمرار أزمة الصحافة الورقية، استمر الصراع بين أجهزة حكومية وأمنية، وبين الصحفيين ونقاباتهم. توقيف، وأحكام، وحبس على ذمة التحقيق. وفي حين عجزت حكومات عربية (العراق مثلاً) عن توفير الكتب المدرسية، تحولت معارض الكتب الدولية إلى سوق لبيع الكتب التي تنجو من مقص الرقيب. كانت قوائم المنع حاضرة كعادتها. “مانفستو الديك النوبي”، “أطياف الأزقة المهجورة”، و”حكاية وهابية” وغيرها، أعمال منعها الرقيب.

لم يقتصر المنع على الإعمال الأدبية، بل امتدت إلى كتب الفكر والفلسفة والسياسة، فصادرت إدارة معرض الشارقة الدولي للكتاب، وجهات أمنية، مؤلفات الدكتورعزمي بشارة. أما العنوان الذي حمله معرض القاهرة للكتاب هذا العام: “الثقافة في المواجهة”، فينقلب في البرلمان المصري إلى مواجهة للثقافة، فيتهم أحد أعضائه كتب الروائي الراحل نجيب محفوظ بخدش الحياء العام.

استمر “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في جهوده لتعزيز العلوم الاجتماعية والإنسانية ودورها في العالم العربي، عبر إصداراته المتنوعة، ومؤتمراته التي كان أبرزها مؤتمراً أكاديمياً موسعا عن”الجيش والسياسة”. وسيصدر عن المركز كتاب حول الموضوع نفسه، من تأليف د. عزمي بشارة، بعنوان “الجيش والحكم عربياً: إشكاليات نظرية”.

الحرية، بوصفها مسؤولية أخلاقية، كانت موضوعاً لكتاب “مقالة في الحرية”، أما تحليل وتفكيك الثورة المصرية لفهم ديناميتها ودلالاتها فكانت موضوعاً للدراسة المفصلة في كتاب من جزأين بعنوان “ثورة مصر”. الكتابان من تأليف د. عزمي بشارة، وهما من أهم إصدارات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات للعام 2016.

يمضي العام 2016 وقد خسرت فيه الثقافة العربية عدداً من المتنورين والمنورين العرب، أمثال جورج طرابيشي، ومطاع الصفدي، وآخرهم صادق جلال العظم.

*باحث من سورية

خلود الفلاح: أثر الكتاب

طوال اليوم وأنا أفكر في تحديد الأعمال الأدبية التي قرأتها هذا العام وحققت لي متعة أثناء القراءة وتمنيت ألا أصل للصفحة الأخيرة أو بدأت في البحث عن أعمال أخرى لنفس الكاتب.

تجربتي السابقة مع الروائية أليف شافاق في كتابها “قواعد العشق الأربعون”، جعلتني أنصرف عن القراءة لها وإن كنت أؤمن بالذائقة الأدبية للقارئ واختلافها، وبعيداً عن التجربة السابقة قرأت “حليب أسود”، حول علاقة الكاتبات بالأمومة من خلال سرد لتجربة الكاتبة مع الموضوع وكاتبات أخريات لم أسمع بهن من قبل حول علاقتهن بالأمومة، منهن من قررت التخلي عن أمومتها وأخرى شكلت هذه الأمومة عائقاً وثالثة ماتت وتربطها بأبنائها علاقة سيئة، برأيي الكتاب مجهود كبير وبحث في حياة الكاتبات تستحق عليه أليف شافاق التحية.

تجربتي مع كتاب “الطريق الطويل: مذكرات صبي مجند”، لـ إشمائيل بيه، صعبة لحد أجدني أبكي وأنا أقرأ، هل فعلا تاريخ البشر متشابه، فما تحدث عنه الكتاب من معاناة النزوح وقتل البشر بطريقة مقرفة وقطع للرؤوس يقترب من واقع مدينتي بنغازي عندما كان الإرهابيون يلعبون برؤوس البشر كرة قدم مستخدمين اليوتيوب في عرض بشاعتهم، في الكتاب كان الناس يفرون من قراهم لحظة دخول الإرهابيين، ونحن هنا عندما تمر القذائف فوق رؤوسنا نخرج بحثا عن الأمان. أثر فيّ الكتاب كثيرا.

وكانت رواية “فتاة القطار”، للروائية بولا هوكينز، تتطلب تركيزاً كبيراً أثناء القراءة لمعرفة ما وراء كواليس الجريمة، مع كل كتاب جديد هناك تجربة ومعرفة جديدة تضاف لي. تحيا الكتب وتحيا القراءة.

*كاتبة وصحافية ليبية

مازن أكثم سليمان: تداعيات الثورة والحرب

لم ينطوِ عام 2016 على تحوُّلات عميقة على مُستوى المشهد الثَّقافيّ السوريّ تحديداً، حيثُ استمرَّ السوريون في تقديم إنتاجاتهِم الإبداعيّة الغزيرة والمُنتشِرة داخِل الوطن السوري وعلى امتداد العالم، والتي تعكسُ على نحوٍ خاصّ تداعيات الثورة والحرب المُرعِبة التي يعيشُها السوريون، وتلقى نسبة كبيرة من هذهِ النِّتاجات صدىً كبيراً في دول العالم يصِلُ في بعض الحالات إلى مُستوى الاحتفاء.

وفي هذا الإطار لفتتني بعض الأعمال الشعريّة والروائيّة المُختلِفة، لكنَّ رغبتي بترك الخوض في هذا المَجال لعدَم توفُّر مساحة كافية للنقد في هذهِ العُجالة، يدفعُني إلى الإشارة هُنا إلى مسألة أخرى تتعلَّق بحاجتنا نحنُ السوريونَ إلى نمَطٍ من الأعمال الإبداعيّة والفكريّة التي لا تقرأ الواقع الحالي بعد عام 2011 فحسب؛ إنَّما تُعيد تفكيك كامِل المشهد السوري وطبقاتِهِ خلال العُقود الأخيرة، ومن وجهات نظَر سياسية مُتنوِّعة.

ولذلكَ لفتني في هذا الإطار كتاب (مورا في مدريد) لنوال السباعي، الصّادر عن دار الورّاق، والذي ينتمي إلى نوعٍ من الأعمال المُجاوِزة لمسألة التَّجنيس بما ينطوي عليه من تقنيات موسوعيّة لافتة سرديّاً وتوثيقيّاً، ومن سيرةٍ ذاتيّة/جمعيّة، تعمَلُ عبرَها المُؤلِّفة على قراءة مرحلة مُهمَّة وقاسية في تاريخ سورية من وجهة نظَر مُثقَّفة وناشِطة إسلاميّة لطالَما نُفِيَ صوتُ أمثالِها في العُقود الأخيرة.

وفي المَنحى الفكريّ، لفتني كتاب (الثقافة كسياسة) لياسين الحاج صالح، الصّادر عن المؤسَّسة العربيّة للدِّراسات والنَّشر، والذي يقولُ في مُقدِّمتِهِ: “الكتاب ككُلّ مُساهَمة بأدوات الثَّقافة في الصِّراع الاجتماعيّ والسياسيّ السوريّ. وهوَ اعتراضٌ على نَصْبِ سورٍ فاصِلٍ بينَ الثقافة والسياسة، أو التذرُّع بتمايُز الحقليْن لتسويغ تخلِّي المُشتغلين في مَجال الثقافة عن مسؤولياتِهِم الاجتماعيّة والسياسيّة”.

*ناقد وأكاديمي سوري

محمود خير الله: قصيدة النثر المصريّة

هناك مجموعة من الأحداث المهمة في عام 2016، أبرزها فوز رواية “المصائرـ كنشرتو الهولوكست والنكبة” للروائي الفلسطيني ربعي المدهون، والتي أحدث فوزها موجة من الجدل حول الأدب الفلسطيني عموماً، نظراً إلى ما تنطوي عليه الرواية من سمات، كما أنني أعتقد أن مهرجان “طنطا الدولي للشعر”، والذي استضاف 40 شاعراً مصرياً وعربياً وعالمياً، في إحدى مدن الدلتا، طيلة 4 أيام، (28 ـ 31 أكتوبر)، هو حدث ثقافي كبير، نظراً إلى الظلم الفادح الذي تعانيه القصيدة الجديدة، في مصر على الأقل، ونظراً إلى النقص الهائل في الفعاليات الثقافية الجادة، المتعلقة بالشعر، خصوصاً أنه انعقد قبل أسابيع من انطلاق ملتقى “القاهرة الدولي للشعر العربي”، والذي شهد أواخر نوفمبر الماضي، أكبر موجة اعتذارات من قبل شعراء عرب، احتجاجاً على استبعاد القصيدة الجديدة من الملتقى، الذي انعقد بميزانية وزارة الثقافة، وتحت إشراف أحمد عبدالمعطي حجازي، العدو اللدود لقصيدة النثر.

أما أهم كتاب قرأته هذا العام على الإطلاق، من وجهة نظري، فهو أنطولوجيا “ذئب ونفرش طريقه بالفخاخ”، الذي جمع فيه الشاعر المصري عماد فؤاد، قصائد 53 شاعراً مصرياً ينتمون إلى ثلاثة أجيال، في قصيدة النثر المصرية، وهو عمل موسوعي يعد الأبرز في القصيدة المصرية، خلال الأعوام القليلة الماضية، ولذلك صدر بعيداً عن مؤسسات الدولة.

*شاعر مصري

عمّار المأمون: رقصة القبور” و”عين الشرق”

لا يمكن ضبط الظاهرة الثقافية في المنطقة العربيّة ضمن منطق واحد أو مرجعيّة محددة للتقييم أو التصنيف، فالمنتجات الثقافيّة وتقنيات النشر والتبادل جعلت عملية الرصد والمتابعة شديد الصعوبة والتعقيد، ومرتبطة بالانتشار الجماهيري من جهة، والجهد الشخصي في البحث عمّا هو مميز من جهة أخرى، فادّعاء الموضوعيّة سيبدو ساذجاً إثر استحالة إمكانية التعميم والمقارنة مع “كلّ” ما نشر، لكن شخصياً، أرى أن هذا العام شهد تجربتين روائيتين جديرتين بالذكر، وهما “رقصة القبور” لمصطفى خليفة و”عين الشرق” لإبراهيم الجبين، الروايتان اللتان تعيدان تكوين مفهومنا عن “سوريا” من وجهة نظر روائيّة وتاريخيّة، لتقف الرواية وجهاً لوجه مع التاريخ الرسميّ أو ما يدّعي أنه رسميّ، لتقدم سرديّة جديدة لتفسير ما حدث سابقاً وما يحدث الآن، في محاكمة لما هو رسميّ و دعوة للتشكيك به.

إلى جانب ذلك يمكن أن نرصد ميل الكتاب الشباب إلى الوعي بفن الرواية والقصة القصيرة نفسهما، ونمو الإدراك بالجوانب الفنيّة والابتعاد عن العناصر الانفعالية والاستهلاكية التي انتشرت بكثرة هائلة إثر ثورات الربيع العربيّ، وبدأت التمايزات تحصل بين ما يمكن أن يشكل كتابة فارقة أو مغايرة أدبياً، وبين ما هو عابر وآني من نصوص تنبع من ردة فعل “جسديّة” تجاه ما تمر به المنطقة، إذ أصبحت العديد من التجارب تميل نحو الاحتراف، بعيداً عن الرطانة السيّاسية والتقنيات البدائية والرومانسية على حساب الصنعة ذاتها.

*صحافي سوري يقيم في فرنسا

محمد أحمد بنيس: إعادة تعريف الأدب

في تقديري، لا يمكن الحديث عن حصاد ثقافي في عالمنا العربي نظرا لطبيعة الحياة الثقافية التي لا تتوقف عن إعادة إنتاج أعطابها الكثيرة. معظم بلداننا لا تتوفر على سياسات ثقافية فاعلة بمعنى الكلمة، بسبب انعدام السياق الثقافي والسياسي الكفيل بصياغة وبناء هذه السياسات والدفع بها صوب ديناميات المجتمع. هذا في الأحوال العادية، فما بالك وقد صارت كثير من بلداننا حلبات مفتوحة للقتل والتدمير وأعمال الفوضى المتواصلة. كيف يستقيم الحديث عن حصاد ثقافي ونحن نرى آثار سورية والعراق تتعرض للتدمير والنهب على مرأى ومسمع من الجميع، وما من جهة أو هيئة تحرك ساكنا لما يحدث. بهذا يتحول الحصاد الثقافي في غالب الأحيان إلى حصاد “فردي أو شخصي” يخص الكاتب أو من يمتهن الثقافة بشكل أو بآخر؛ يعني إصداراتنا في السنة، حضورنا الثقافي إلخ.. ربما لأننا نعلم أن “منجزنا الثقافي” أبعد ما يكون عن الالتحام المنتج والمؤثر في السيرورة المجتمعية.

أبرز الأحداث الثقافية في نظري يظل فوز الموسيقي الأميركي بوب ديلان بجائزة نوبل للآداب هذه السنة؛ حدث يربك تصوراتنا عن طبيعة الأدب، ويطرح إمكانية إعادة تعريفه بما يلائم المتغيرات الثقافية الكبرى التي تجتاح عالم اليوم.

أبرز كتاب قرأته هذه السنة كان الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر البيروفي الكبير سيزار باييخو، أحد المجددين الكبار في الكتابة الشعرية في أميركا اللاتينية خلال النصف الأول من القرن المنصرم، كما أعدت قراءة رواية ”موبي ديك” العظيمة لهيرمان ملفيل. أحيانا يكون المرء بحاجة لإعادة قراءة بعض الأعمال الكبرى سعياً وراء ذلك الامتلاء الرهيب الذي تمنحه قراءاتها.

*شاعر ومترجم مغربي

سما حسن: جائزة تذهب لأطفال معاقين

من أجمل الكتب التي قرأت خلال عام 2016 هو رواية “راكب الريح” للروائي والأديب يحيي يخلف، فقد أبهرتني هذه الرواية بعوالمها الحقيقية والمتخيلة، وعشت لأيام وأنا أبحر في عالم جديد، عالم تمنيت لو عشت فيه، وقد استحقت الرواية فوزها بجائزة كتارا هذا العام.

أما أهم حدث ثقافي في عام 2016 فهو فوز رواية “أرواح كلمينجارو” بجائزة كتارا أيضا وتبرّع مؤلفها الروائي إبراهيم نصر الله بجزء من قيمة الجائزة لمصلحة أطفال فلسطين المعاقين، وهذا الحدث الأهم بالنسبة لي لأن الرواية تناولت مغامرة لأطفال معاقين من ضحايا الحرب على غزة وقد خرجوا في رحلة صعبة وخطرة وتحدوا الصعاب حتى وصلوا إلى غايتهم ولكي يثبتوا للعالم أن العزيمة الفلسطينية تقهر حتى جبل كلمينجارو.

*كاتبة فلسطينية

سيروان قجو: التأقلم مع الحياة الأميركية

بالنسبة لي، أبرز حدث ثقافي في عام 2016 هو حصول المغني الأميركي “بوب ديلان” على جائزة نوبل للآداب. اختيار ديلان جاء بناء على قدرته الإبداعية في إدخال تعابير شعرية جديدة إلى عالم الغناء، فأغانيه الأشهر مثل:

((Tangled Up in Blue- Thunder On the Mountain – Series of Dream وغيرها ساهمت في إخراج الأغنية الشعبية الأميركية من قالبها التقليدي، ووضعها في مكانتها العالمية. وبالتالي قدم ديلان خدمة للبشرية من خلال الفنون والآداب.

حدث آخر أعتبره مهماً، هو وفاة الكاتب الأميركي اليهودي إيلي فيزيل، أحد الناجين من محرقة الهولوكوست. قرأت له كتاب “الليل” وهو عبارة عن مذكرات له عن نقله مع عائلته إلى معسكر أوشفتز، أشهر مراكز الاعتقال وقتها، حيث قضي الكثير من أفراد عائلته في المحرقة. فيزيل كان قد حاز على جائزة نوبل للسلام في سنة 1986.

أهم كتاب قرأته في عام 2016 كان “مترجم الأمراض” وهو مجموعة قصصية للكاتبة الأميركية من أصول هندية، جومبا لاهيري. يحكي الكتاب قصصاً عن واقع الجيل الأول لمجموعة من المهاجرين الهنود في الولايات المتحدة، عارضاً معاناتهم في التأقلم مع الحياة الأميركية. نجح الكتاب الذي نُشر للمرة الأولى عام 1999 في كسر الصورة النمطية عن المهاجرين الهنود في أميركا، وأتاح الفرصة للكثير من الأميركيين للتعرف إلى الثقافة الهندية عن كثب.

*كاتب كردي سوري يقيم في أميركا

وفاء عبد الرزاق: 2017 عام سلام

ما شد اهتمامي، وفرحي في الوقت ذاته، تغيير الخطاب الثقافي العام إلى خطاب داعٍ للسلام، وتوجهات كثيرة من مبدعين ومثقفين عربياً، بالخصوص وحول العالم لهذا التوجه، فكثر دعاة السلام وتعددت المؤسسات في خدمة الهدف المنشود، فقد تعبنا فعلا من الحروب والإجرام والقتل والتشريد على الهوية والدين والمبدأ والعقيدة، وإلى كل ما يحجم دور الإنسان في إنسانيته والمبدع في قلمه.. ومنهم أنا شخصياً حين كتبت أول رواية عربية فضحت بها داعش وسلوكه في العراق وسورية والأماكن التي يمر بها وانقلب حتى على الدول الداعمة له.. فتوجهت بخطاب ثقافي عنوانه (بالإبداع نتحدى الإرهاب) ومنه انطلقت لتأسيس (رابطة بالإبداع نتحدى الإرهاب) نعم نحن بالجمال نتحدى القبح.. فانضم تحت هذا، ولعل عام 2017 سيكون فعلا عام سلام وأمن واستقرار للعالم.

*شاعرة عراقية

ضفة ثالثة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى