صفحات الحوار

وديع سعادة: الشعر إدانة للعالم والشعراء يكتبون ليحافظوا على براءتهم لم يعد يدهشني شيءٌ لكن الأعمق فيَّ يظلّ عصياً على الكتابة

 

 

نسرين كمال

حين أقرأ وديع سعادة لا أكفّ عن الإرتجاف ولا أتوقف عن الدهشة أمام هذا الجمال الشعري. لديه إثنا عشر ديواناً من الشعر الذي ينبض بالقلق الوجودي والبساطة المقلقة والرؤيا المتّقدة.

■ يقول إبسن: “أن تكتب يعني أن تدين ذاتك في جلسة محاكمة”. ماذا تعني لك الكتابة، ولمَ تكتب؟

– أظنّ أن الكتابة هي إدانة للعالم في الدرجة الأولى قبل أن تكون إدانة للذات. الشعراء أبرياء، أما العالم فليس بريئاً، وهو الذي يجب أن يحاكَم. هل لذلك يكتب الشعراء؟ أعتقد نعم، لذلك يكتبون، كي يدينوا هذا العالم، أو على الأقل كي يحافظوا على براءتهم. لكن إبسن يعني، على الأرجح، غير ما ذهبتُ أنا إليه. أظنه يعني أن الكتابة يجب أن تكون مصفاة للذات، لإخراج الأدران منها والمحافظة على نقائها، وهو على حق.

■ لعل الشعرية تكمن في وهج اللحظة التي نسعى إلى إلتقاطها وتجميدها عبر إحيائها في إنزياح اللغة، لكن اللغة مراوغة، كثيراً ما تتلبّس حالة أخرى، وما تخون. كيف تواجه هذه الخيانة، وهل ثمة نصوص من بين ما كتبت تدهشك الأكثر؟

– مهما كتب الشاعر يبقى الأعمقُ فيه عصيّاً على الكتابة. ربما هذه ما نسمّيها خيانة اللغة. فالذات هي دائماً أبعد وأعمق من القول. ولذلك فالشعر هو انعكاسُ ظِلّ الذات وليس انعكاس الذات كلها. هذه، إن أمكننا تسميتها “خيانة”، لا يمكن مواجهتها إلا بانعكاس ظِلّ ذاتيّ بأعلى درجة من الصدق في الذات، وبالتمرّد على الذين يريدون وضعها في قوالب وتشويه نقائها.

أما ما يدهشني من نصوصي؟ بصراحة، لم يعد يدهشني شيء في هذا العالم.

■ من خلال قراءتي لك أشعر بأني أتحمّل مسؤولية القول بأنك من أكثر الشعراء العرب وفاء لنصّه ولشفافية الشاعر الحقيقية، وهذا ليس بالأمر اليسير لأننا نحيا في عالم أقل ما يقال فيه إنه لا إنساني. إضافة إلى طبيعتك الشعرية العميقة، هل من موقف خاص تسعى لإيصاله بكلّيتك؟ أم ماذا؟

– أحترم كل الشعراء وأحبهم، وليس لي موقف خاص سوى هذه المحبة.

■ ماذا تنتظر من القارئ وكيف ترى إلى مشاركته في عملية إعادة صياغة النص؟

– النصّ الشعري الحديث، المفتوح على أكثر من تأويل، لا يكتبه المؤلف وحده بل القراء أيضاً، كلٌّ بحسب تأويله، وهنا في رأيي قيمته المضاعفة. هكذا يختلف هذا النص عن الشعر الذي ليس له سوى تأويل واحد، وكأنه نصّ “ديكتاتوري”.

■ يرى بارت أن شيئاً من العصاب ضروري في النص لإغواء القارئ، والتاريخ الأدبي مليء بالوجوه التي تميّزت بعصابها الواضح، كبودلير وادغار الان بو، على سبيل المثل لا الحصر، ما أدّى بهم في طبيعة الحال إلى التصادم مع ما هو سائد ومقنن. كيف يستطيع الشاعر أن يوازن بين عالمه الخاص المختلف وضرورات العالم الخارجي، من دون المس بجسد الإبداع؟

– إنْ لم يكن الشعر تصادماً مع السائد والمقنّن يكون أشبه بخطاب يلقيه أيّ سياسي من العالم الثالث لكسب ودّ مؤيديه من المقننين مثله. الشعر هو نقيض ذلك تماماً. فليس مطلوباً من الشاعر على الإطلاق أن تقيده ضرورات العالم الخارجي، فهذا القيد يفقده كل الإبداع.

■ نلاحظ اليوم بعد إتجاه الشعراء لكتابة قصيدة النثر والتخلّي عن الأوزان التقليدية، أن المجال بات مفتوحاً دون قيد أو شرط لكل من أراد التجريب وهذا مردّه إلى إساءة فهم مصطلح قصيدة النثر وكذلك مفهوم الشعرية الحقيقي. كيف نخرج من هذا اللغو وكيف نوجّه الذوق العام إلى التفريق بين ما هو جيد وما هو دون المستوى؟

– أنا لست قاضياً شعرياً وأحترم كل الشعراء. على الشعراء أنفسهم يا صديقتي أن يعرفوا.

■ هل نستطيع أن نكتب أدباً حديثاً في حين لم نصنع حداثتنا بعد؟

– الحداثة ليست كتابة أدب فحسب. الحداثة تشمل كل الميادين، الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. ولا حداثة تستطيع أن تحيا وحدها بمعزل عن الحداثات الأخرى.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى