صفحات الحوار

وديع سعادة: قراء الشعر ينقرضون يوماً بعد يوم

 

 

التقاه- إسلام سمحان

– تسرد حياتك شعراً، هل ترى أن الشعر يحتمل احتواء تفاصيل حياتنا؟

تفاصيل حياتنا لا يسعها شعر ولا أيُّ نوع أدبي أو فني آخر، ما نسرده من هذه التفاصيل هو بعض ما يطفو وبعض ما في العمق، وهو قليل جداً مقارنة بما هو أعمق ونعجز عن سرده.

– في عام 1973 جلست في شارع ببيروت وقمت بعرض مجموعتك الشعرية الأولى وبيعها، منذ ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة هل تغيرت نظرتك للشعر؟

ربما كنت في الماضي أعتقد أن الشعر يمكنه أن يغيّر شيئاً في الحياة. اليوم أعرف أن الشعر هو الأضعف في العالم وأن الرقة في الشاعر هي دائماً على وشك الانكسار. أما قراء الشعر فهم ينقرضون يوماً بعد يوم، فالمجتمع الاستهلاكي سرق الجميع.

– عايشت فترة ظهور مجلة “شعر”، هل تلك الفترة ومن فيها دفعك للتخلي عن القصيدة العمودية وكتابة قصيدة النثر؟

كتبتُ ما يسمى قصيدة النثر قبل أن أقرأ نماذج من هذا الشعر أو أعرف أن هناك مجلة اسمها مجلة “شعر”. فما حصل، هو أني كنت أعيش في قريتي شبطين وكنت أكتب بعض الشعر العمودي ولم أكن قد زرت بيروت بعد. وفي أحد الأيام قررت أن أمزق هذا الشعر العمودي وأكتب شعراً لا يقيده شيء، لا قافية ولا وزن، لأن على الشعر أن يكون حراً والأوزان والقوافي تنتقص من حريته. فرحتُ أتمشى على سطيحة بيتنا في شبطين حائراً ومفكراً كيف سيتلقى القارئ هذا النوع من الشعر المنفلت الذي سأكتبه، إلى أن مزقتُ قصائدي العمودية وبدأت أكتب شعراً نثرياً. غير أني بقيت متوجساً إلى أن نزلت إلى بيروت عام 1968 وتعرفت إلى مجلة، هي مجلة “شعر”، تكتب هذا النوع من الكتابة، فاطمأننتُ إلى أن قراري حين كنت في القرية لم يكن قراراً خاطئاً.

في بيروت تعرفت إلى شعراء مجلة “شعر”، يوسف الخال وأنسي الحاج وأدونيس وشوقي أبي شقرا وعصام محفوظ وفؤاد رفقة… لكني لم أنشر في المجلة بل كتبت مجموعة شعرية بخط يدي، وبعتها بيدي عام 1973 في شارع الحمراء وأمام كلية الآداب في بيروت.

– تعيش في المهجر، كيف تنظر كمهجري للوطن العربي، أي واقع أصبحنا عليه؟

على العالم العربي أن يترحّم على ماضيه مهما كان سيئاً لأنه انتقل اليوم إلى ما هو أسوأ.

بدأت “الثورات” العربية بمطالب محقة للتغيير، لكن ما لبث أن استغلها من هم أسوأ وما هو أسوأ مما كان يجب تغييره. ونتيجة لذلك ها هو العالم العربي غارق في أقصى ظلاميته.

– في قصائدك أحياناً تطرح أسئلة جوهرية حول الحياة؛ هل يجب على القصيدة أن تطرح تلك الأسئلة؟

الشعر قلقٌ وشكٌّ وأسئلة، لا إجابات جاهزة، لأن القلق والشك بحثٌ واستكشاف، أما اليقين فوقوفٌ وجمود. والشعر أسئلة لأن الأسئلة غوص في الأعماق الإنسانية الخفية، أما الإجابات الجاهزة فهي التخلي عن سبر هذه الأعماق.

– لماذا تفضل تسمية قصيدة النثر بالقصيدة الحديثة؟

لم تعد القصيدة الحديثة تقتصر على مفهوم قصيدة النثر الذي وضعته الفرنسية سوزان برنار ونقله عنها شعراء مجلة “شعر”. باتت القصيدة اليوم تحمل أكثر من نوع أدبي وفني. باتت تحمل القصة والسينما والفلسفة والفن التشكيلي وغير ذلك، أي أنها كسرت الحواجز السابقة بين الأنواع الأدبية. ولذلك لم تعد تنطبق عليها تسمية “قصيدة النثر” بمفهومها المشار إليه أعلاه.

– في قصائدك ذكريات مؤلمة وطفولة حزينة.. من أين لك كل هذا الحزن؟

صدمني الموت باكراً بموت أبي احتراقاً، وبعد ذلك الحرب اللبنانية ومئات آلاف القتلى الأبرياء، والتشرد والهجرة والحروب والقتل والعنف في أكثر من مكان، الإنسانية تمضي حثيثاً نحو حتفها، فهل يستدعي ذلك غير الحزن؟

– تذكر الأصدقاء كثيرا في قصائدك، هل هو شعورك بالغربة؟

الأصدقاء، ولو قليلون، هم ما بقي من عزاء في هذا العالم. واستعادتهم في قصائدي هي نوع من استعادة جمالٍ هو على أفول.

– هل كونت صداقات أدبية وثقافية في بلدك المهجر أستراليا، وهل أثرت فيك الآداب العالمية حيث تنقلت لأكثر من مدينة؟

نعم، كوّنتُ بعض الصداقات الأدبية في أستراليا. ثم إن التنقل في المدن يكسب الشاعر آفاقاً جديدة وثقافات جديدة ويغني تجربته الشعرية. لا أعتقد أن على الشاعر أن يتعرف على الثقافات الأخرى بالكتب فقط، بل عليه أن يعايشها أيضاً.

– أصبح السرد يتدخل في الشعر كما الرواية، هل هذا زمن السرد برأيك؟

كما سبق أن أجبتُ على سؤال سابق، فالشعر بات يتسع لكل الأنواع الأدبية الأخرى.

– الحياة فيها خسارات كثيرة، هل يعوضنا الشعر بعض خسائرنا؟

الشعر بالنسبة إلى الشاعر هو عزاء لحظوي، أي لحظة كتابته. إنه حلمٌ بجمالٍ غير موجود، أي أنه أشبه بالوهم لكنه وهمٌ جميل. هذا الجمال الموهوم هو فقط ما يقدمه الشعر تعويضاً عن خسائرنا.

– لك مجموعة شعرية بعنوان “تركيب آخر لحياة وديع سعادة”. هل يستطيع الشعر أن يعيد تركيب حياتنا كما نريد؟

بالتأكيد لا. ولكن يكفي أن يهبنا جمالَ وهْمِ إعادة تركيب الحياة.

– في قصائدك تؤنسن كل ما تلمحه، هل ثمة رسالة في ذلك؟

ليس الإنسان وحده مفخرة هذا الكون. للكائنات الأخرى مفخرة قد تفوق مفخرة الإنسان أحياناً. وإذ أؤنسن في شعري هذه الكائنات، أحاول ربما أن أعيد الاعتبار لها، أو ربما الاعتذار منها.

– لك قصائد مطولة وذات نفسٍ ملحمي، يقابلها قصائد أخرى تتشكل من ومضات خاطفة؛ هل الموضوع هو الذي يحدد شكل القصيدة؟

غالباً ما تأخذني القصيدة إلى حيث هي تريد، وهي التي تحدد شكلها، وغالباً أيضاً تحدد هي موضوعها. القصيدة، بهذا المعنى، كائنٌ حيٌّ وحرّ.

– الوطن العربي يمر في تحولات عميقة؛ فهل انعكس ذلك على كتابتك الشعرية؟

كل ما يجري في العالم ينعكس على الشاعر بطريقة أو بأخرى.

– بعض الشعراء يتنكرون لدواوينهم الأولى بعد أن يقطعوا مرحلة معينة وأنت قطعت مشواراً طويلاً، ولك نحو 12 إصداراً شعرياً، فكيف تنظر إلى أعمالك الأولى؟

أحبُّ كل أعمالي ولا أتنكر لأي منها.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى