صفحات سوريةفايز ساره

وراء الضجيج السوري


فايز سارة

كيف تبدو الصورة المحيطة بأزمة سوريا وحولها؟ ربما كان ذلك هو السؤال الأهم عند المهتمين ومتابعي الوضع السوري، والأهم عند السوريين الذين يعيشون في أتون المشهد الراهن. وقد تكون الإجابة عن هذا السؤال مؤشرا إلى ضرورات ما يمكن القيام به للخروج من الجحيم السوري باتجاه التغيير المأمول تحقيقه، حيث يمكن القول إن ثمة توافقا سوريا واسعا عليه، وهو التغيير باتجاه نظام ديمقراطي مرسوم في جوهر برنامج قوى المعارضة منذ وقت طويل، ويمثل في الوقت نفسه استجابة للجوهري في شعارات ومطالب المتظاهرين والمحتجين وعموم السوريين الذين يتطلعون إلى دولة ديمقراطية تعددية توفر العدالة والمساواة والمشاركة وسيادة القانون.

إن الأبرز والأهم في مؤشرات الضجيج السوري، يكمن في أزيز الرصاص وقذائف الأسلحة التي تعيش سوريا في ظلالها، والتي تؤكد أن مسار الحل الأمني العسكري ما زال يتواصل في «معالجة» الأزمة، وقد باتت السلطات تختصرها بالقول إنها تتصدى لـ«مؤامرة خارجية» من جهة، وتواجه «عصابات وجماعات إجرامية مسلحة، تقتل المدنيين وعناصر الأمن والجيش» من جهة أخرى.

وكما أن للنظام ضجيجه المعبر عن نهجه في التعامل مع الأزمة وتجلياتها الاحتجاجية، فإن للشارع السوري ضجيجه ممثلا بهتافات المتظاهرين الذين رفعوا من سقف مطالبهم حد المطالبة بإسقاط النظام بعد أن فشل النظام في سماع المطالب الأقل حدة في منتصف مارس (آذار) الماضي، والتفاعل معها بصورة إيجابية، مما طور مسيرة الاحتجاج والتظاهر التي كادت تصير عامة وشاملة في أنحاء سوريا. ويجد ضجيج الشارع السوري صداه في أوساط جماعات المعارضة السورية، التي وإن وقفت بصورة شبه جماعية خلف الشارع وحركته وهتافاته، فإن ذلك لم يمنع ظهور ضجيجها الذاتي، الذي يمكن ملاحظته في نقاشاتها الداخلية التي لا تخلو من خلافات واختلافات حول ما يجري وسبل مواجهته، مما يؤدي إلى اصطفافات بين معارضتي الداخل والخارج من جهة، واصطفافات داخل كل منهما في إطار الانقسامات التي تعاني منها المعارضة نتيجة عقود من العيش في ظل نظام أمني – استبدادي.

وإذا كان الداخل السوري وامتداداته في الخارج وسط الجاليات السورية على نحو ما هو عليه من حراك وضجيج، فإن الخارج الإقليمي والدولي، يعيش الواقع ذاته. إذ إن تركيا، جارة سوريا في الشمال، هي أكثر دول الإقليم ضجيجا في تأثرها بالحدث السوري، وبخاصة بعد أن حسمت أمرها، وأعلنت وقوفها ضد سياسات السلطات السورية في التعامل مع الأزمة، وبهذا وضعت حدا للمراوحة في موقف يأخذ موقفا مناهضا للسياسة الرسمية، ويسعى في أحيان أخرى لمساعدتها في الخروج من مأزقها عبر اقتراح خارطة طريق يذهب السوريون عبرها نحو حل الأزمة، غير أن السلطات السورية لم تتجاوب مع المسعى التركي، الأمر الذي عمق الخلاف، ودفع بالعلاقات التركية – السورية للتدهور، ثم دفع بتركيا لتصير – كما هو معلن اليوم – حجر أساس في مشاريع المواجهة مع السياسة السورية، وبخاصة في موضوع دعم أطراف من المعارضة من جهة، وتنفيذ سياسة قوية متعددة للعقوبات المفروضة على النظام في دمشق.

وإضافة إلى الضجيج الصادر عن تركيا، فإن ثمة ضجيجا في المحيط الإقليمي، يجسده ما يحصل في منطقة الخليج، لكنه يأخذ ملامح السياسة الخليجية، التي اعتادت أن تكون أقل حدة وثورانا، وإن كانت تملك إمكانيات تأثير أكبر سواء في علاقاتها العضوية مع سوريا بوصفها بلدا في الإطار العربي، أو بفعل وجود جاليات سورية كبيرة في هذه البلدان، إضافة إلى وزنها السياسي/ الاقتصادي في التأثير على قرارات دول فاعلة ومؤثرة في المستوى الدولي، لا سيما دول أوروبا والولايات المتحدة، وقد سعت أغلبها نحو إعلان مواقف دولية وأممية قوية حول الوضع في سوريا، ليس فقط على صعيد علاقات ومواقف الدول، بل على صعيد الأمم المتحدة ومؤسساتها، وخصوصا مجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان التابع للهيئة الدولية.

خلاصة القول، أن كثيرا من الضجيج أحاط، وما زال، بالمشهد السوري، ضجيج في الداخل وآخر في الخارج. غير أن ذلك الضجيج ما زال محدودا في تأثيره، فلا ضجيج النظام الناتج عن قعقعة سلاحه وأصوات قذائفه قادر على الحسم مع الحراك السوري، ولا الأخير مع تحالفاته وظروفه الداخلية/ الخارجية قادر على الحسم مع النظام، وفي الخارج فإن ضجيج الواقع الإقليمي والدولي، لا يترك أثره الحاسم على الوضع، ليس فقط بفعل وجود مواقف وأصوات مثل روسيا وإيران مغايرة للأكثرية الإقليمية والدولية المعارضة للنظام ممثلة بتركيا وأوروبا والولايات المتحدة، بل انتهى بفعل أن كثيرا من الدول الأخيرة، لم تحسم مواقفها بصورة نهائية ولدى بعضها تخوفات بصدد المستقبل، وبعضها قلق مما سيتركه التحول السوري باتجاه الديمقراطية من آثار على الصراع العربي – الإسرائيلي، وهو موضوع مهم في الشرق الأوسط.

وإذا كان الوضع في خلاصته على نحو ما تقدم، فإنه يعني أن الأزمة في سوريا مستمرة على حالها، ما لم تحصل تطورات دراماتيكية، تقلب التصورات والمعادلات القائمة، وتؤدي إلى تبدلات ليس في ضجيج سوريا والضجيج المحيط بها، بل إلى انقلاب في الواقع يدفع عجلة التغيير السوري إلى الأمام، وهو الخيار الوحيد أمام سوريا، ذلك أن ثمة إجماعا في هذا المجال أساسه، أن سوريا لن تعود إلى ما كانت عليه قبل منتصف مارس الماضي.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى