صفحات العالم

ورطة روسيا في سورية طويلة الأمد/ فلاديمير فرولوف

 

 

أوقع الرئيس السوري بشار الأسد، روسيا في مصيدة القتال إلى حين الخاتمة المريرة. وتكتشف موسكو، شيئاً فشيئاً، أن الفوز بالحرب في سورية أسهل من إرساء السلام فيها. ففي كل مرة يعلن فيها الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، النصر أو تقليص القوات الروسية، كما فعل في كانون الأول (ديسمبر)، يتفاقم زخم القتال ويُطلب من موسكو إرسال تعزيزات.

وتسعى روسيا اليوم، بعد أن أنقذت ضرباتها الجوية الدقيقة الرئيس السوري من المتمردين الإسلاميين، إلى حفظ مكاسبها العسكرية من طريق إبرام تسوية سياسية لها مشروعية دولية تساعدها على تعويض خسائرها في الصراع. ولكن يتعذر حُكم سورية، في الوقت الراهن، وهي منقسمة إلى مناطق نفوذ مختلفة ومتباينة تمسك بمقاليدها أطراف إقليمية تحتكم إلى مصالحها الخاصة. ورمت خطة موسكو الأولية إلى تدعيم موقف الأسد من طريق إضعاف الجماعات المتمردة. وشملت الخطة كذلك فرض تسوية حقيقية لتقاسم السلطة بين النظام والمعارضة المسلحة. وتقضي التسوية هذه بمنح المعارضة السيطرة الفعلية على أجزاء كبيرة من البلاد، مقابل التزام الولاء للدولة السورية. وهذا ترتيب يحاكي الحل في الشيشان، وأهدافه مرسخة ضمن قرار مجلس الأمن الدولي 2254- وكانت روسيا والولايات المتحدة من أبرز مؤيديه. وفي سبيل تعجيل التسوية، أطلقت موسكو المحادثات الثلاثية الأقطاب في أستانا. وأدت كل تركيا وإيران دور الضامن لاتفاقات التهدئة بين النظام والمعارضة. وأُبرم اتفاق على إنشاء منطقة خفض التصعيد في الغوطة الشرقية- وهي، اليوم، مسرح للقتال المكثف- في شكل مباشر بين الضباط الروس والثوار في محادثات سرية عقدت في مصر. ورمى اجتماع الحوار الوطني السوري في سوتشي في كانون الثاني (يناير) الماضي إلى المضي قدماً في العملية الدستورية. وسعت موسكو من وراء الاجتماع هذا إلى تحريك عجلة محادثات جنيف التي تديرها الأمم المتحدة بعد بلوغ المعارضة والنظام طريقاً مسدوداً.

ولكن هذه الاستراتيجية لم تعد فعالة أو يرتجى منها فائدة. فركنها كان أداء روسيا دور الوسيط الصدوق بين النظام والمعارضة، واستعدادها لالتزام وتنفيذ شروط الصفقات المبرمة. وهذا ما لم يحدث أبداً. وطويت مناطق خفض التصعيد، وانتهى العمل بها. والمنطقة الوحيدة التي لا يزال خفض التصعيد فيها سارياً، فتقع في جنوب غرب سورية، وهي ثمرة تفاوض روسيا والولايات المتحدة خارج عملية أستانا.

ويرفض الأسد مناقشة أي شروط للتسوية السياسية. فهو حرف محادثات سوتشي عن مسارها، وتمسك بإجراء تعديلات رمزية فحسب على الدستور السوري الحالي. فدمشق أسقطت مسودة الدستور السوري الجديدة التي كانت تقضي بنقل صلاحيات كبيرة إلى السلطات المحلية. وأفلح الرئيس السوري في انتهاج استراتيجية التوريط والاستدراج إلى الشرك. فهو جرّ موسكو إلى الغرق أكثر في الحرب، وحرم الكرملين من أي فرصة للانسحاب من الصراع. فالأسد اضطر روسيا إلى دعم هدف النظام: إحراز نصر عسكري كامل وشامل.

وأصاب الرئيس السوري في رهانه على أن روسيا لن تحاول الضغط على النظام من طريق سحب الدعم الجوي. فالتراجع عن هذا الدعم من شأنه إضعاف موقف الأسد العسكري إضعافاً سريعاً، وإبطال مكاسب روسيا في الصراع، مما يذل الكرملين. ويعلم الأسد أن موسكو عالقة معه ومتورطة ولا يمكنها خفض مستوى دعمها له. ومن المفارقات أن نجاح روسيا في ساحة المعركة أضعف نفوذها ودالتها على دمشق، عوض تعزيزهما، وقوض قدرة روسيا على إملاء شروط التسوية. وهذه الحال، تعزز، من جهة، موقف أولئك في مؤسسة الدفاع الروسية الذين يؤيدون هدف الأسد في إحراز نصر عسكري كامل، وتضعف، من جهة أخرى، هؤلاء الذين يشعرون بالقلق من إطالة البقاء في سورية حيث تقع كارثة عسكرية تلو الأخرى.

ولضمان الحصول على النفوذ والتأثير السياسي، يحتاج الكرملين إلى المرابطة على الأرض للإمساك بها والسيطرة. ولكن موسكو تعتمد، في الأغلب، على القوة الجوية، وتنشر قوة بريّة صغيرة فحسب لتقليل الخسائر. أمّا من يبسط سلطته على الأرض ويتحكم بالميدان، ومن تأثيره راجح، فهو إيران. وهي تلتزم كذلك، شأن الأسد، استراتيجية توريط روسيا. وليست آمال الولايات المتحدة وإسرائيل في تقليص روسيا نفوذ إيران في سورية، واقعية.

وفات موسكو قطار الخروج من الأزمة. فهي كان في مقدورها أن تنأى بنفسها عن الأسد عندما استخدم غاز السارين ضد المتمردين في إدلب في نيسان (أبريل) 2017. لكن استخدام الأسلحة الكيميائية هو من تكتيكات الأسد لتوريط روسيا بالدفاع عن النظام حتى النهاية. وقادت موسكو نفسها إلى هذه الحال حين وفرت حماية أو حصانة شاملة للأسد في مجلس الأمن، وساهمت في تقويض الحظر الدولي على استخدام الأسلحة الكيميائية. ومع تهديد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، باستخدام القوة ضد النظام السوري لوقف الفظائع في الغوطة الشرقية، وسيطرة واشنطن على أجزاء كبيرة من شرق سورية، تجد موسكو تجد نفسها في موقع هش، وليس موقع قوة، في سعيها لحمل الأسد على التفاوض مع المعارضة.

ولا مناص من دعم روسيا النظام عسكرياً إذا هاجمته قوى خارجية، بما في ذلك إسرائيل، أو من وقوفها موقف المتفرج حين توجه ضربة قاضية إلى قوات الأسد، كما حدث عندما ضربت القوات الأميركية قوات النظام في دير الزور في مطلع شباط (فبراير). وسقط كذلك في الضربة عدد من المرتزقة الروس. والخياران مريران.

وحريّ بموسكو إدراك أن واشنطن قد تقرر الرد على المساعي الروسية إلى تقويض موقعها الجيوسياسي في العالم. وإذا بدأ الرد الأميركي، وسع أميركا تكبيد روسيا، في الشرق الأوسط، أثماناً غالية.

* محلل سياسي، عن موقع «موسكو تايمز» الروسي، 5/3/2018، إعداد علي شرف الدين

الحياة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى