ابراهيم حميديصفحات سورية

ورقة غربية ـ إقليمية لـ«رسم الحدود» بين الأسد ورئيس الوزراء… و«حيادية الأمن/ إبراهيم حميدي

 

 

مصادر غربية تتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن معايير الموقف الأميركي… ومفاوضات فيينا اختبار للمشاركة في

صاغ وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون وحلفاؤه الغربيون والإقليميون مبادئ تصورهم للحل السياسي السوري في ورقة خطية تضمنت مقترحات عملية للإصلاح الدستوري، وتقليص صلاحيات الرئيس و«رسم الحدود» بينه وبين رئيس والوزراء والإدارات المحلية، وتأسيس «جمعية المناطق» مع البرلمان، و«حيادية» الجيش والأمن، إضافة إلى «انسحاب الميليشيات الأجنبية» من سوريا، بحيث تكون هذه خريطة عمل مقترحة للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا.

كما بعث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، رسالة خطية إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تضمنت معايير محددة يجب أن تتحقق قبل مشاركة الأمم المتحدة في «مؤتمر الحوار الوطني السوري» في سوتشي يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين. أحد المعايير، هو «الانخراط البناء» لوفد الحكومة السورية في مفاوضات السلام في فيينا التي بدأت أمس، خصوصاً لجهة المشاركة في بحث ملف الدستور.

والتقى دي ميستورا، أمس، كلاً على حدة، الوفد الحكومي السوري برئاسة بشار الجعفري، ووفد «هيئة التفاوض» المعارضة برئاسة نصر الحريري. واستمر اجتماع المبعوث الخاص مع الوفد الحكومي نحو ساعتين، من دون أن ترشح أي معلومات عنه حتى مساء أمس، كما لم يدلِ الجعفري بأي تصريح لدى وصوله. وقال دبلوماسي غربي: إن محادثات فيينا «الوقت المناسب لاختبار قدرة الروس على إقناع النظام بالالتزام بتعهداته. وحان الوقت كي تأخذ روسيا زمام الأمور إذا كانت تريد إنقاذ مؤتمر سوتشي من مقاطعة المعارضة». وأوضح ان وفد «الهيئة» سيلتقي وفدا روسيا اليوم «كي يطلب الضغط على وفد الحكومة»، اضافة الى تعديل «وثيقة سوتشي».

وكان فريق الأمم المتحدة زار دمشق الأسبوع الماضي، وسأل الخارجية السورية سلسلة من الأسئلة عن الإصلاح الدستوري ومرجعية اللجنة الدستورية وعلاقتها بمفاوضات جنيف وتنفيذ القرار 2254، لكن دمشق رفضت إعطاء أي جواب، واكتفت بالقول: إن الأجوبة ستأتي في فيينا.

وكان لافتاً أن دي ميستورا والمبعوثين الغربيين كثفوا جهوداً خاصة للبحث عن تفاصيل موقف الوفد الحكومي ومدى انخراطه في ملف الدستور، على اعتبار أنه في الجولة الثامنة رفض الجعفري بحث ملف الدستور قبل «إعادة سلطة الدولة على جميع الأراضي السورية وتحريرها من الإرهاب». كما أن مقربين من دمشق تمسكوا بأن الإصلاح الدستوري يجب أن يكون ضمن الدستور الحالي لعام 2012 والآليات المتوفرة، أي عبر لجنة التشريعات في البرلمان التي تقترح تعديلات على الدستور.

من غوتيريش إلى لافروف

وكان موضوع «الإصلاح الدستوري» ملفاً أساسياً في رسالة من غوتيريش إلى لافروف والاتفاق الموقّع بين الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في نوفمبر (تشرين الثاني)؛ إذ إن دولاً غربياً والأمم المتحدة تمسك بأنه «يلتزم الرئيس بشار الأسد بالتوصل إلى دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة بموجب القرار 2254». ولم ينجح ألكسندر لافرينييف، مبعوث الرئيس الروسي، في الحصول من دمشق على تعهد كهذا.

وأقصى ما حصل عليه، هو بيان رئاسي سوري مفاده استعداد لـ«إصلاح دستوري (في دستور عام 2012) وإجراء انتخابات برلمانية» من دون ذكر الرئاسية والقرار 2254 وعملية جنيف. وقام لافرينييف بـ«ملء الفراغ» عندما أعلن بنفسه في آستانة التعهد الذي كان «مطلوباً من الأسد»، بحسب وعود موسكو.

مرد التمسك الغربي والدولي بـ«معايير غوتيريش»، يتعلق بمتطلبات المشاركة في مؤتمر سوتشي، خصوصاً أن الجانب الروسي وجه دعوات إلى الدول الأربع دائمة العضوية في مجلس الأمن (باعتبار أن روسيا هي الخامسة) والدول الإقليمية البارزة والمجاورة لسوريا و«ضامني» عملية آستانة، أي إيران وتركيا (وروسيا) بصفة «مراقبين». ولن يقرر مسؤولو الدول الغربية المشاركة أو المقاطعة في انتظار قرار «الهيئة التفاوضية» ونتائج مفاوضات فيينا.

اللافت، أن أنقرة ودولاً إقليمية أخرى دخلت على الخط في تشجيع «الهيئة» المعارضة للمشاركة في سوتشي؛ إذ إن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أبلغ رئيس «الهيئة» نصر الحريري، أول من أمس، بالمشاركة في سوتشي وطرح الأسئلة والمطالب، وضرورة البقاء في العملية السياسية.

لكن واقع الحال، أن قيام وفد الحكومة السورية بـ«الانخراط البناء» في مفاوضات فيينا يلبي أحد متطلبات «معايير غوتيريش» إلى لافروف للمشاركة الأممية في مؤتمر سوتشي وليس جميعها؛ إذ إن هناك متطلبات أخرى، بينها أن اللجنة الدستورية يجب أن تضم ممثلين من الحكومة السورية والمعارضة وأطرافاً أخرى، وأن يتم الاتفاق على مهمة وصلاحية اللجنة الدستورية ضمن عملية جنيف، وأن اللجنة الدستورية يجب أن تشرف على الحوار الوطني وصوغ دستور جديد، إضافة إلى أن مؤتمر سوتشي يجب أن يعقد لمرة واحدة فقط ويدعم عملية جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة، وإلى تكرار طلب آخر يتعلق بـ«التزام الأسد إقرار دستور جديد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة بموجب القرار 2254 وعملية جنيف». وتم التأكيد على أن «تشرف» الأمم المتحدة على العملية الانتخابية من الألف إلى الياء، وعدم الموافقة على الاكتفاء بأن تتم الانتخابات بـ«رقابة» الأمم المتحدة.

وتكتسب هذه الشروط أهمية؛ ذلك أن وثيقة البيان الختامي لمؤتمر سوتشي التي نشرتها «الشرق الأوسط» قبل يومين، تضمنت تشكيل ثلاث لجان: دستورية لإجراء إصلاح دستوري (وليس إقرار دستور جديد)، ولجنة انتخابات، وهيئة رئاسية لمؤتمر سوتشي الذي دعي إليه 1600 سوري.

ورقة غربية ـ إقليمية

في موازاة ذلك، بدا أن إدارة الرئيس ترمب باتت واضحة في رؤيتها السياسية عندما قدمت استراتيجية للملف السوري، تضمن سلسلة من المبادئ، بينها «البقاء العسكري المفتوح» شرق سوريا، ودعم الاستقرار والإعمار هناك، واستعمال ذلك ورقةً في التفاوض مع موسكو.

وبعد محادثات طويلة، أقر تيلرسون ونظيراه البريطاني بوريس جونسون والفرنسي جان إيف لودريان وحلفاؤهم الإقليميون، ورقة للحل في اجتماعات وزارية في باريس الثلاثاء الماضي. وقالت مصادر دبلوماسية غربية لـ«الشرق الأوسط» أن الورقة اقترحت على دي ميستورا أن «يضغط» على وفدي الحكومة والمعارضة لـ«إجراء مفاوضات جوهرية للإصلاح الدستوري، ومعايير عملية لإشراف الأمم المتحدة على الانتخابات، وخلق بيئة آمنة ومحايدة في سوريا لإجراء الانتخابات بما في ذلك إجراء حملات انتخابية من دون خوف»، إضافة إلى إجراءات بناء الثقة.

وأضافت المصادر إن الورقة أكدت بوضوح أن الدول المعنية «مستعدة للمساعدة في إعادة إعمار سوريا فقط عندما يتحقق الانتقال السياسي الجدي والجوهري والشامل عبر التفاوض بين الأطراف المعنية برعاية الأمم المتحدة لتنفيذ القرار 2254 وبيان جنيف، وعندما تتأسس بيئة حيادية تسمح بالانتقال: «السياسي.

وتضمنت الورقة، بحسب المصادر الدبلوماسية الغربية، ثلاثة عناصر: يتعلق الأول بثمانية مبادئ للإصلاح الدستوري بينها «صلاحيات الرئيس»، بحيث تعدل عما هي في الدستور الحالي للعام 2012 وتتضمن 23 صلاحية بهدف «تحقيق توازن بالصلاحيات وضمانات لاستقلال المؤسسات المركزية الأخرى والإدارات الإقليمية» في إشارة إلى الإدارات المحلية.

كما تضمن مبدأً آخر، يتعلق بصلاحيات رئيس الوزراء بـ«تقوية صلاحياته، ورسم حدود السلطة بين الرئيس ورئيس الوزراء» بحيث لا يعتمد تعيين رئيس الوزراء على قرار الرئيس، إضافة إلى صلاحيات برلمان وتأسيس مجلس آخر يعكس «تمثيلاً إقليمياً» (إدارات محلية)، مع سحب صلاحيات الرئيس من حل البرلمان أو المجلس الإقليمي.

وكانت «وثيقة سوتشي» أشارت إلى «الحكم الذاتي» في سوريا، في حين أشارت ورقة دي ميستورا السابقة لمبادئ الحل السياسي إلى «الإدارات المحلية». وتحدثت المسودة الروسية للدستور السوري عن «جمعية مناطق» تؤسس إلى جانب البرلمان. كما تشير وثائق المعارضة والحكومة إلى «اللامركزية» أو «الإدارات المحلية».

وتلمح جميع هذه الوثائق إلى مناطق سيطرة ذات غالبية كردية شرق سوريا وشمالها ومناطق معارضة، في حين يُعتقد أن واشنطن تشير في وثائقها إلى منطقة شرق نهر الفرات الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية بدعم التحالف الدولي ضد «داعش».

وتناولت الورقة الغربية – الإقليمية، بحسب مصادر غربية: «إصلاح أجهزة الأمن» بحيث تخضع للسلطة المدنية وإنهاء الحصانة عنها، إضافة إلى عملها في شكل حيادي مع خضوعها للمساءلة والمحاسبة. وتختلف هذه البنود عن «وثيقة سوتشي» التي تحدثت عن جيش وأجهزة أمن تحت الدستور، في حين أشارت ورقة دي ميستورا إلى «جيش مهني» وخضوع أجهزة الأمن لـ«قانون حقوق الإنسان».

العنصر الثاني، بحسب المصادر، يتعلق ببنود مؤثرة بـ«إشراف» الأمم المتحدة على الانتخابات بمشاركة النازحين واللاجئين بموجب القرار 2254، بحيث تؤسس مؤسسات وفق معايير دولية «تشرف» على الانتخابات بما فيها «هيئة انتخابية مهنية وحيادية ومتوازنة»، إضافة إلى صلاحية قوية للأمم المتحدة بقرار من مجلس الأمن لـ«تولي المسؤولية الكاملة لإجراء انتخابات حرة وعادلة في سوريا»، عبر تأسيس هيئة الانتخابات ومكتب سياسي لدعم الانتخابات و«دور في الاعتراف بنتائج الانتخابات». وتعتبر هذه الشروط أساسية، بحسب تعريف الأمم المتحدة لمعنى «الإشراف» والفرق بينه وبين «المراقبة».

ويتناول العنصر الثالث إجراءات بناء الثقة وتوفير البيئة المحايدة لإجراء الانتخابات، وتشمل بنوداً عدة، بحسب المصادر، بينها «الانخراط البناء» من الأطراف السورية في عملية جنيف، ووقف العمليات القتالية و«حيادية أجهزة الأمن»، إضافة إلى «انسحاب الميلشيات الأجنبية وإطلاق برنامج لنزع السلاح والاندماج والتسريح» للعناصر المسلحة والوصول إلى الوثائق المخصصة للسجل المدني.

الشرق الأوسط»

خطة خماسية لحل الأزمة السورية..وإفراغ صلاحيات الرئيس

تلقت الأمم المتحدة وثيقة من الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، والسعودية، والأردن، تتضمن خطة عمل من أجل حل الأزمة السورية، وإعادة الفاعلية إلى العملية السياسية في جنيف.

وتتضمن الوثيقة التي نشرتها قناة “روسيا اليوم”، رؤية الدول التي قدمتها حول المبادىء العامة لدستور سوري جديد، ودور الأمم المتحدة في مراقبة وإدارة العملية الانتخابية ووضع لا مركزية واسعة ذات صلاحيات كبيرة وإفراغ الرئاسة من معظم صلاحياتها.

وتأتي الوثيقة بالتزامن مع انعقاد الجولة التاسعة من المفاوضات السورية في العاصمة النمساوية فيينا، التي تختتم، الجمعة، من دون مؤشرات على نجاح المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في التوصل إلى تقدم حول مسائل الدستور والانتخابات.

وبرغم ذلك، تدعو وثيقة الدول الخمسة دي ميستورا إلى التركيز على مسائل الدستور والانتخابات، في جهوده التي يقودها لإيجاد تسوية في سوريا. وعددت الوثيقة مبادىء بشأن الإصلاح الدستوري الواجب تحقيقه، وهي:

  1. الصلاحيات الرئاسية: بأن يكون الرئيس الذي تعدل صلاحياته وفق الدستور الحالي، محققاً لتوازن كافة القوى وضامناً لاستقلال المؤسسات الحكومية المركزية أو الإقليمية.
  2. الحكومة: يرأس الحكومة رئيس وزراء مع منحه صلاحيات موسعة، مع تحديد واضح لصلاحيات كل من رئيس الوزراء والرئيس، وينبغي تعيين رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة بطريقة لا تعتمد على موافقة الرئيس.
  3. البرلمان: أن يتكون البرلمان من مجلسين، يكون ممثلاً في مجلسه الثاني من كافة الأقاليم، للتأثير على عملية صنع القرار في الحكومة المركزية، من دون وجود سلطة رئاسية لحل البرلمان.
  4. القضاء: أن يكون القضاء مستقلاً، بما في ذلك إبعاد السلطة الحالية للرئيس عن رئاسة المجلس القضائي، ومنح السلطة القضائية المكانة الواضحة التي تضمن الاستقلالية الكاملة للقضاة.
  5. لا مركزية السلطة/موازنة المصالح الإقليمية: منح سلطة واضحة للحكومات الإقليمية استناداً إلى مبادىء اللامركزية/تفويض السلطة مع العمل بمبدأ فصل السلطات أيضاً.
  6. الحقوق والحريات الأساسية: ضمان الحقوق والحريات الأساسية لجميع السوريين بما يتفق مع التزامات سوريا الدولية ومحايدة الدولة في ما يتعلق بجميع الأديان مع ضمان حماية حقوق الأقليات.
  7. إصلاح قطاع الأمن: ضمان الرقابة المدنية على الأجهزة العسكرية والأمنية، ووضع حد للإفلات من العقاب على أعمال الأجهزة الأمنية من خلال آليات قوية للرصد والمسؤولية، وتعزيز مؤسسات الدولة الشرعية.

8: الانتخابات: إجراء إصلاحات على المواد التي تحكم الانتخابات بما في ذلك استبعاد القيود المفروضة على الترشح، خصوصاً تمكين اللاجئين، والنازحين ومن تم نفيهم من سوريا من الترشح للمناصب الحكومية بما في ذلك منصب الرئيس.

محادثات فيينا فرصة أخيرة لإيجاد حل سياسي في سوريا

المسعى الدبلوماسي رهن التوافقات الكبرى التي لم تظهر بعد

فيينا – لم تحمل الأجواء في اليوم الأول لمفاوضات جنيف 9 التي تعقد هذه المرة في العاصمة النمساوية، ما يمكن أن يكون مادة لتحوّل نوعي في مسار العملية السياسية في سوريا.

فقد اعتبر المراقبون أن هذه المفاوضات، التي من المقرر أن تنتهي الجمعة بحسب دعوة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، ستحافظ على طابعها الروتيني الإعلامي، وأن لا مؤشرات توحي بغير ذلك، وأن حصول مفاجآت في اللحظات الأخيرة أمر غير محتمل.

وعادت الوفود السورية هذه المرة إلى فيينا بعد نحو شهر من فشل جولة محادثات سابقة عقدت في جنيف، في إحراز أي تقدم لحل النزاع المستمر في البلاد منذ نحو سبع سنوات.

ولم يشكل وصول وفدي النظام والمعارضة الأربعاء إلى العاصمة النمساوية دون أي تأخير أي حافز لإطلاق تكهنات إيجابية مقارنة باللغط الذي دار حول حضور وفد النظام في جولة المفاوضات السابقة بجنيف.

الحفاظ على مسار جنيف

يجمع الخبراء المعنيون بالشأن السوري على أن المجموعة الدولية تسعى للمحافظة على المسار الأممي الوحيد للأزمة في سوريا من خلال مقاربة جنيف، وأن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس والمبعوث الأممي إلى سوريا متمسكان بـ”خيار جنيف” بصفته المرجع الأول والأخير لأي شرعية دولية يتظلل تحتها أي اتفاق ينتج عن مفاوضات الفرقاء السوريين.

ويضيف هؤلاء أن المسعى الأممي مدعوم من قبل واشنطن والاتحاد الأوروبي، وهو ما عبّرت عنه باريس بالتذكير بأن طريق خلاص سوريا يمر عبر عملية جنيف في غمز من قناة المؤتمر المزمع عقده أواخر الشهر الجاري في منتجع سوتشي في روسيا.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أمام الجمعية الوطنية الفرنسية في هذا الصدد، إنه “ليس هناك اليوم أي أفق لحل سياسي سوى الاجتماع الذي سيعقد برعاية الأمم المتحدة في فيينا بمشاركة جميع الفرقاء الفاعلين، حيث آمل بأن يتم وضع خطة للسلام”.

وقال وزير الخارجية الفرنسي إن محادثات فيينا ستشكل “الفرصة الأخيرة” لإيجاد حل سياسي للنزاع الذي تشهده سوريا منذ 2011.

وترى مصادر دبلوماسية أن سباقا خفيا يجري بين المقاربة الروسية من خلال مؤتمر سوتشي المزمع عقده في ذلك المنتجع في 29 و30 يناير من الشهر الجاري، وبين مقاربة جنيف الأممية، لا سيما وأنه وبحسب المعلومات المتوفرة، فإن القضايا الدستورية المفترض أنها من اختصاص جنيف ستكون حاضرة في أعمال المؤتمر في المنتجع الروسي الشهير.

وتتحدث المعلومات الواردة من العاصمة السورية دمشق عن أن وفد النظام المفاوض لا يحمل جديدا إلى فيينا يختلف عن ذلك الذي ظهر في محطات جنيف السابقة، وأن المشاركة السورية ستؤكد ثوابت النظام السوري في الملفات المتعلقة بالانتقال السياسي ومصير الرئيس بشار الأسد، وسيعيد الوفد تكرار حججه السابقة بما فيها فرض سحب بيان الهيئة العليا للتفاوض الذي أثار موضوع مستقبل الحكم دون الأسد.

وكان رئيس وفد النظام بشار الجعفري قد رفض في جنيف 8 السابق التفاوض المباشر احتجاجا على البيان الصادر عن الاجتماع الذي كان الثاني من نوعه.

وحينها قال الجعفري إن وفد النظام لم يكن يرغب في أن تفشل المحادثات لكن المعارضة وضعت شرطا مسبقا في بيان ختامي لمؤتمر “الرياض 2” الذي قالت فيه إن على الأسد الرحيل مع بدء المرحلة الانتقالية.

وقد رأى دي ميستورا حينها أن إصرار وفد النظام على أن تسحب المعارضة البيان المذكور “ليس منطقيا” (..) لأن ذلك بدا لي وكأنه شرط مسبق. لم تشارك الحكومة معي في مناقشات إلا عن الإرهاب. في الحقيقة لم يقبلوا بالحديث عن أي موضوع سوى هذا”.

وانسحبت لهجة التشاؤم التي عبر عنها وزير الخارجية الفرنسي أيضا على تصريحات دي ميستورا نفسه الذي أعلن عشية المحادثات أن محادثات السلام السورية في فيينا تأتي في “مرحلة حرجة جدا”، قبل أن يصوّب سوداوية تصريحاته بصيغة دبلوماسية أخرى قال فيها إنه “بالطبع أنا متفائل لأنه لا يسعني أن أكون غير ذلك في مثل هذه اللحظات”، مضيفا “أنها مرحلة حرجة جدا جدا”.

لكن مراجع دبلوماسية أوروبية مراقبة قالت إنه يجب عدم التعويل كثيرا على الضوضاء التي ستحدث في فيينا والمواقف التي ستصدر من كافة الأطراف. وأضافت أن ما سيخرج عن وفد النظام كما عن وفد المعارضة لا يعدو كونه للاستهلاك الإعلامي داخل هذا المنبر الدولي المناسب لإطلاق المواقف والرسائل بكافة الاتجاهات وأن الجميع، وفود التفاوض ودي ميستورا كما عواصم القرار الكبرى، مدرك أن الظروف الدولية لم تنضج لإعطاء دفعات جدية للعبور نحو مسار التسوية.

تباين المواقف

في ثماني جولات من المفاوضات في جنيف، اصطدم النقاش بالخلاف حول مصير الرئيس بشار الأسد، وهو بند اشترط الوفد الحكومي في الجولة الأخيرة الشهر الماضي سحبه من التداول لتحقيق تقدم في المفاوضات. وتطالب الأمم المتحدة طرفي النزاع بعدم فرض أي شروط مسبقة لضمان إحراز تقدم فعلي.

وبدا للمراقبين أن أجواء سوتشي حاضرة في فيينا وأن الكثير من جوانب نجاح وفشل المؤتمر الروسي مرتبط بأجواء المؤتمرين في العاصمة النمساوية.

ورغم أن موسكو حريصة على التأكيد على أن مؤتمر سوتشي لا يشكل مبادرة منافسة لتلك التي ترعاها الأمم المتحدة، إلا أن مصادر دبلوماسية أميركية قالت في واشنطن إن الإدارة الأميركية تراقب عن كثب الورشة الدبلوماسية الروسية في المنتجع الروسي خصوصا لجهة جدول الأعمال الذي قد يكون هدفه الالتفاف على جنيف.

والظاهر أن هذا الجانب هو السبب وراء عدم حسم هيئة التفاوض المعارضة بعد موقفها النهائي من المشاركة في مؤتمر سوتشي. وقد ربطت أمر مشاركتها بنتائج المحادثات التي ستجري في فيننا.

وقال رئيس هيئة التفاوض السورية نصر الحريري في هذا الصدد عشية بدء المحادثات في فيينا “إن هذين اليومين سيكونان اختبارا حقيقيا (..) لجدية كل الأطراف لإيجاد حل سياسي”.

أين طريق الحل

وأوضح المتحدث باسم هيئة التفاوض السورية يحيى العريضي “أن هناك استحقاقا تسعى موسكو إلى القيام به ولا اعتقد إطلاقا أن سوتشي يمكن أن يصادر جنيف إذا كان هناك بحث حقيقي عن حل في سوريا”.

وأوضح العريضي أن “مؤتمر سوتشي يتناول نقطة واحدة تتعلق بالدستور، في حين أن القرار الدولي 2254 لا يتحدث عن الدستور فقط، بل يتحدث عن إيجاد بيئة آمنة وموضوعية ومناسبة لإجراء انتخابات، ولا يكون ذلك إلا بإيجاد جسم سياسي يشرف على هذه الأمور برعاية الأمم المتحدة”.

وأشارت مصادر المعارضة إلى أنها ستراقب في فيينا مدى جدية نوايا النظام للتفاوض والبناء على ذلك في تقرير حضور سوتشي من عدمه. وقال نصر الحريري إن جولة المفاوضات الحالية ستوضح جدية جميع الأطراف في العملية السياسية.

وقالت مصادر مقربة من وفد المعارضة في فيينا إن الوفد جاهز في الشكل والمضمون والأوراق المقدمة للدخول الفوري في مفاوضات جدية، وأن رفض وفد النظام الانتقال إلى التفاوض المباشر وبحث الملفات وفق جدول الأعمال الذي أعده المبعوث الدولي، يؤكد من جديد أن النظام مازال غير مؤمن بآلية التفاوض ومازال يعوّل على الخيار العسكري لفرض خياراته بشأن سوريا المستقبل.

وترى المعارضة السورية أن يتم تأسيس حكم انتقالي كامل الصلاحيات، وهو أمر ترفضه روسيا وإيران اللتان تدعمان نظام بشار الأسد، وتفضلان صيغة للتشارك في الحكم الموجود.

وفي ظل تباين مواقف الدول الداعمة للنظام والولايات المتحدة الأميركية التي تطلق تصريحات متباينة، فإن المعارضة متمسكة بالدعوة لاحترام القرار 2254، والتشديد على أن “حكومة الوحدة الوطنية” التي يروج لها النظام وحلفاؤه لن تستطيع أن تحل مكان “هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات”.

ويرى محللون سياسيون أن اجتماعات فيينا تجري وفق ظروف معقدة، لا سيما تلك التي استجدت بعد أن أعلن وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون استراتيجية واشنطن الجديدة في سوريا وتأكيده على بقاء القوات الأميركية في سوريا، كما حملة “غصن الزيتون” التي تشنها تركيا في منطقة عفرين ضد قوات حماية الشعب الكردية، بما يجعل أي مسعى دبلوماسي متعلق بمستقبل سوريا حاليا رهن التوافقات الكبرى التي لم تظهر أعراضها بعد.

العرب

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى