صفحات سوريةغياث نعيسة

ورقة للنقاش، الخط الامامي لتجميع اليساريين و المجموعات الشبابية الجذرية في سوريا


غياث نعيسة

الخط الامامي

في خضم الانتفاضة الشعبية التي تشهدها بلادنا منذ منتصف اذار 2011 ، التي تهدف من خلالها الجماهير الشعبية السورية الى الخلاص من الدكتاتورية ومن اجل الحرية و الكرامة و المساواة والعدالة الاجتماعية، و تقدم على هذا الطريق اعظم الالام و التضحيات الكبيرة ، بسبب العنف و القتل الذي تتغول فيهما الدكتاتورية في مواجهتها للاحتجاجات و النضالات السلمية للجماهير السورية.

بالرغم من عظمة التضحيات هذه و وحشية العنف الدكتاتوري الا ان جماهير شعبنا العظيم مستمرة في ثورتها السلمية حتى تحقيق اهدافها المذكورة.

و ان كانت بداية انطلاقة انتفاضة جماهير شعبنا قد تميزت بعفويتها ، لكنها بدأت مع الوقت في تنظيم نضالاتها و صفوفها وفي تشكيل هيئاتها القاعدية الكفاحية. في الوقت نفسه بدأت اطياف من الناشطين السياسيين المعارضين و احزاب المعارضة السورية في طرح رؤاهم للخروج من “الازمة” و محاولة توحيد مواقفها تجاه السلطة الاستبدادية و بدأت تبرز لجان تنسيقية و لجان تحضيرية و مجالس وطنية و غير ذلك من الهيئات في الداخل و الخارج.

ادى اختلاف المواقف من الانتفاضة الشعبية المستمرة في مواجهة الدكتاتورية الى شرخ و اصطفافات جديدة داخل القوى السياسية وفي صفوف المثقفين و الناشطين تراوحت ما بين مؤيدين و منخرطين فيها و اخرين مترددين او حياديين او مشوشين و اولئك الذين اصطفوا صراحة مع الدكتاتورية وشملت هذه الاصطفافات الجديدة كل التيارات الايديولوجية القومية و اليسارية والليبرالية والاسلامية.

اضفت الثورة الشعبية حيوية جديدة في المجتمع على كل الصعد و اعادت الروح اليه ، و نزل الى ساحة الفعل السياسي جيل شاب منتفض و متحمس لقضايا بلاده و عاشق للحرية ، و في هذا الجو العام من النهوض السياسي و الفكري لمجتمعنا ، برزت تجمعات عديدة لجيل شاب متحسس لقضايا الحرية و الديمقراطية الجذرية و اليسار عموما ، دون ان يكون اسير ايديولوجيا يسارية محددة او منظومة فكرية جامدة ، و تفتحت هذه المجموعات اما عن قوى سياسية يسارية قائمة رغم صغر عددها او عبر تخلى الشباب المنتفض عن قيادات احزابه التي تدعي انها يسارية بينما هي في واقع الحال حليفة للدكتاتورية و شريكة لها، او جيل جديد تماما.

هذا الجيل الشاب المنتفض لا يفكر باليات تقليدية على صعيدي المفهوم التنظيمي او الفكري ، و لأنه برز في اتون الانتفاضة الشعبية و النضالات الجماهيرية و يتبنى مطالبها بالخلاص من الدكتاتورية و بناء مجتمع و دولة يقومان على الحرية و الديمقراطية و المساواة و العدالة الاجتماعية و فصل الدين عن الدولة. فان غالبية هذا الجيل الشاب المنتفض لا تجد نفسها معنية بتشكيل هيئات او لجان للحوار مع السلطة الدكتاتورية او ايجاد مخارج “لازمتها” ، فموقفها جذري في ديمقراطيته وفي التزامه بأهداف الانتفاضة الجماهيرية.

وان كان من الضروري التشديد على مدى اهمية اقامة تحالف للقوى الديمقراطية عموما في مواجهة الدكتاتورية، كشرط لتحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود ، فإننا نرى ايضا ، و في سياق الدينامية الثورية الجارية ، اهمية تجميع المجموعات الشبابية الديمقراطية الجذرية و اليسارية المتفرقة في اطار واسع يسمح لها بالحفاظ على تلويناتها من جهة ، و العمل المشترك و المشاركة بفعالية في كافة النضالات الجماهيرية و السياسية ،من جهة اخرى. و يقوم على قاعدة احترام التنوع و قواعد العمل الديمقراطي داخله و خارجه ، و هيكيلية تنظيمية فضفاضة تتجنب التراتبيات البيروقراطية الثقيلة، لكنها بشكل تسمح له بالنشاط الموحد و المؤثر و الفعال ،و يكون هذا التجمع منفتح على كل النشطاء و المجموعات التي تشاركه الرؤية للانخراط فيه. و نطلق على نواة هذا التجمع اليساري الواسع اسم ” الخط الامامي”.

و المبادئ العامة الاساسية التي تحكم هذا التجمع اليساري الواسع :

انه يتبنى الاهداف الكبرى للانتفاضة الشعبية السورية من اجل الحرية والديمقراطية والكرامة و العدالة الاجتماعية، و يلتزم بالانخراط في كل النضالات الجماهيرية من اجل هذه الاهداف لانه يرى ان الدينامية الثورية للانتفاضة الشعبية تندرج في سياق بناء الديمقراطية من الاسفل ، و تبنيها الجماهير بتضحياتها اليومية و كفاحها ومع تجلي بدايات تشكيلها لهيئاتها الديمقراطية، لذلك فاننا لسنا معنيين فقط بتحقيق مجتمع ديمقراطي يقوم على الديمقراطية البرلمانية التمثيلية ، بل اننا ندعو الى شكل اوسع من الديمقراطية التشاركية و الديمقراطية المباشرة. كي تستطيع الغالبية العظمى من الناس من ادارة شئون حياتها بنفسها و مباشرة.

لقد برهنت الانتفاضة الشعبية الباسلة حقيقة ارتباط النضال الجماهيري من اجل التغيير الديمقراطي من الاسفل بالنضال من اجل التغيير الاجتماعي من الاسفل، ان تحقيق استقلالية النقابات و الرقابة و الادارة الذاتية العمالية و المهنية والفلاحية وغيرها وتوفير هيئاتها المستقلة عن الدولة شرط جوهري لتحقيق افضل اشكال الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و توزيع اكثر عدلا للثروة الوطنية وتنمية انسانية تشمل غالبية السكان عوضا عن اقتصارها على قطاعات نخبوية او اقلية من المستفيدين.

ندعو أيضا الى فصل الدين عن الدولة والسياسة باعتبار ان الدين شأن شخصي او مجتمعاتي ، و احترام كل الشرائع و العقائد الدينية للمؤمنين بها و توفير حرية ممارستهم لها،

و نرفض اي تدخل عسكري خارجي في بلادنا لأنه لن يقدم لشعبنا لا ديمقراطية ولا حرية بل دمارا اكبر و تفتتا اعمق لمكونات مجتمعنا، كما تشهد على ذلك كل الامثلة القريبة من بلادنا و تلك البعيدة عنها، فالجماهير الشعبية السورية اليوم هي التي تمسك زمام مصيرها بيدها في انتفاضتها من اجل التخلص من الدكتاتورية، و لن تتخلى عنه لا لغازي و لا لمستبد .

حيثما تكافح الجماهير من اجل الحرية و المساواة و الكرامة و العدالة الاجتماعية نحن نقف في صفوفها .

هذه الورقة الحوارية هي بمثابة مبادرة لتوحيد اليسار الملتزم بالثورة في سوريا، و لم تعالج الاليات الاجرائية لخطوات التوحيد المرجوة ، حيث سيتم تناولها من خلال الحوار و/ او بشكل منفصل لاحقا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى