صفحات الحوار

وسام الجزائري: المشكلة ليست في الشيطان

 

 

ديمة ونوس

لم يكن “فايسبوك”، خلال السنوات الماضية، مجرّد وسيلة لنقل الأخبار والمعلومات وتبادل الإحباط والقهر. كان أيضاً صالة عرض، تعرّفنا فيها على فنّانين شباب شكلت أعمالهم منصّة للنقاش بين جيل الفنانين والمثقفين المخضرمين وبين “جيل الثورة” الشاب.

وسام الجزائري واحد من فنانين سوريين كثر. إلا أنه استطاع خلال سنوات قليلة بناء عالم فني خاص به يستطيع المشاهد أن يميّزه من بين عشرات اللوحات التي تدور موضوعاتها حول الثورة السورية. ربما لأن وسام يمتلك موقفاً سياسياً واضحاً مع الثورة، مع التغيير، ضد التسليح. وربما لأن لوحته تتأرجح بين المباشر والإيحاء. إذ يصعب أحياناً الابتعاد عن المباشرة عندما يتعلق الأمر بأكثر من 200 ألف قتيل!

عن أعماله الأخيرة وعن ترحاله بين مدينته دمشق وبيروت ثم تركيا، كان لـ”المدن” هذا الحوار معه..

– لوحة “القبلة من وحي غوستاف كليمت”، اشتغل عليها الفنان تمّام عزام أيضاً. ما الذي دفعك إلى الاشتغال عليها واقتباسها مرة أخرى؟

* تمّام عزام من أكثر الفنانين السوريين الذين دعموا مسيرتي الفنية منذ 2011 وتربطني به صداقة أعتزّ بها. بالفعل لقد استخدم عزّام اللوحة ذاتها في عمل ينتمي إلى الفن الرقمي. أما منظوري فمختلف تماماً، حيث حاولت أن أتخيل كيف كان لغوستاف كليمت أن يرسم هذه اللوحة لو أنه موجود في دمشق. و حاولت إعادة رسم اللوحة بنفس الطريقة و الخامة اللونية التي استخدمها غوستاف كليمت ولكن بمنظور سوري.

– أيضاً لوحة “محاولة ثورة لعصفور في قفص”، تشبه إلى حد بعيد لوحة من لوحات الفنان يوسف عبدلكي. هل استوحيت عملك من عمله؟

* بصراحة، أنا أعتبر يوسف عبدلكي عرّابي الفني وقلت له هذا الكلام شخصياً في معرضه في بيروت في آذار (مارس) 2014. حينها عرضت عليه أيضاً البورتريه الذي رسمته له عندما كان في السجن. أحياناً أستوحي من أعماله بقصد أو من دون قصد.

– في لوحاتك موقف واضح من تسليح الثورة. ما هو البديل برأيك؟ كيف كان بالإمكان مقاومة نيران النظام وطائراته وقتله الممنهج؟

* مشكلتي ليست في التسليح لأنه رد فعل طبيعي وغير مستغرب عند حدوث أي ثورة أو نزاع أهلي في أي بلد. لكن مشكلتي في الإيديولوجيا المتطرفة التي تسخّر هذا السلاح لإنشاء نظام لا يقلّ تطرفاً و تعصباً و ديكتاتورية عن الأنظمة المستبدّة التي قامت الثورات ضدها. البديل هو تغيير هذه العقلية (عقلية الحقد و الانتقام و التعصب). التاريخ يعلمنا أنه عندما تتبنّى أي أكثرية سياسية أو دينية منطقاً متطرفاً، تتحول إلى أقلية محاربة من الجميع و هذا سبب استمرار الحرب في سورية حتى هذه اللحظة. النظام هو شيطان بنظر الثورة بطبيعة الحال، والمشكلة ليست في الشيطان المشكلة في الذين تحولوا إلى شياطين.

– تطلق على لوحاتك أسماء محددة (العشاء الأخير في سورية- التسليح- قدود حلبية- شهيد…)؟ ألا توافق على أن العنوان قد يحدّ من خيال المتفرّج؟

* كل فنان يعبّر بفنّه عما يشعر به. وما نشعر به هو انعكاس لمحيطنا الاجتماعي وهذا سبب التسميات تلك. لا يمكنني أن أنسلخ عن هذا المحيط.

– تقول إنك عشت جحيماً في ريف دمشق قبل هروبك إلى بيروت. ما هو ذلك الجحيم؟ هل كنت ترسم آنذاك؟

* جحيم الخوف من الاعتقال. جحيم الخوف من الموت، “موت” من نحب. جحيم الخوف من التطرّف. أغلب أعمالي رسمتها في دمشق، لكن للأسف قُصف المرسم ولا أعلم مصير تاريخي الفني الذي ضاع في لحظة. منذ سفري إلى بيروت أحاول إعادة رسم تلك اللوحات بمساعدة بعض الجمعيات الخيرية التي تدعمني مادياً.

– هل اختلفت نظرتك للفن والعمل الفني بعد الثورة؟

* الثورة غيرت كل شيء في سوريا.. كل شيء. من أصغر تفصيل في هذه البلاد إلى أكبرها. غيرت تاريخنا وثقافتنا وحاضرنا ومستقبلنا ونظرتنا إلى كل ما يحيط بنا. دماء نصف مليون شهيد خلقتنا من جديد وخلقت فناً بمنظور جديد.

– نعرف جميعاً أن الوضع قبل الثورة بالنسبة إلى الفنانين الشباب كان صعباً ويشبه حال البلد التي عشنا فيها.. ثمة أيقونات فنية لا يجرؤ الفنان الشاب على تقديم أعماله بوجودها. والوضع كان كذلك بالنسبة إلى الكتابة والموسيقى وكل الأعمال الإبداعية. هل توافق؟

* صحيح. وأحياناً كانت هناك “مافيات” فنية بكل ما للكلمة من معنى، تحاول تدمير أي فنان يطمح للخروج عن السرب والتعبير عن أي شيء مختلف! لكن وسائل الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي، دمرت كل هذه الحواجز وأصبح من الممكن إيصال فن أي فنان إلى كل أنحاء العالم وجودة الفن وحدها هي التي تحكم على الفنان في هذا العالم الرقمي المفتوح.

– ماذا تحكي عن ترحالك بين دمشق وبيروت وتركيا؟ ما الذي اختلف؟

* دمشق هي الرعب الذي رأيته. بيروت هي الحرية. تركيا هي الهدوء. كل مدينة لها طابعها الخاص الذي يؤثر في نظرة الفنان إلى كل التفاصيل. أرى أننا كلما ابتعدنا عن الحدث، رأيناه بشكل أفضل. أنا مدمن على الرسم، هذا محور حياتي اليومية. أعمل لصالح منظمات إنسانية تقيم معارض خيرية لدعم اللاجئين السوريين في لبنان و تركيا.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى