إياد الجعفريصفحات المستقبل

وسواس “المؤامرة” و”النُصرة”/ إياد الجعفري

 

 

يمكن للمراقب الدقيق لتطورات المشهد الميداني السوري، في الأيام القليلة الماضية، أن يُسلم أُذنيه لوسواس “المؤامرة”، بكل رحابة صدر، وهو يشاهد الانطفاء المفاجئ لجذوة هجمات المعارضة السورية ضد النظام في جبهتي حلب ودرعا، على وقع ماراتون مفاوضات فيينا، الخاصة بالنووي الإيراني.

وبما أن مفاوضات الكبار مع إيران قد تصل لخواتيمها في ساعات، لا يمنع ذلك من برقية حسن نيّة مرسلة، من قبيل التهدئة بسوريا، من جانب حلفاء الغرب الإقليميين، بتعليمات من الغرب ذاته، دون أن يعني ذلك، أن يقابل حلفاء المفاوض الإيراني، التهدئة بمثيلتها، فحرب حزب الله الشعواء على الزبداني، في وادٍ آخر.

قد يقول قائل، بأن ما سبق هو وسواس الكاتب، بحكم أن “الشيطان” مُكبّل في رمضان، وأن سوء النيّة في حلفاء الغرب الإقليميين، غير مبرر، وأن تفسير انطفاء جذوة حملات المعارضة ضد النظام في حلب ودرعا، يرجع لعوامل أخرى، غير مرتبطة غير النووي الإيراني. لكن  نفس الكاتب سوّلت له أن يُسيء الظن مرة أخرى بحلفاء الغرب الإقليميين، وتذهب إلى الاعتقاد، بأن العوامل الأخرى التي تبرر هدوء تلك الحملات، قد تكون أخطر من الارتباط بالنووي الإيراني، فهي قد تشِي بتصدعٍ خفي في جدار التحالف الإقليمي الداعم للمعارضة، والذي دفع نحو انتصار نوعي في إدلب منذ أشهر. وقد تكون كلمة سرّ هذا التصدع مرتبطة بالخلاف في الموقف من جبهة النُصرة تحديداً.

منذ أسابيع، أبدت فصائل الجبهة الجنوبية رفضها لأي تعاون مع الفصائل الإسلامية الناشطة في الجنوب السوري، وفي مقدمتها، النُصرة. وتبرأت من “جيش الفتح” الذي أعلنت النُصرة وحليفها، أحرار الشام، عن تشكيله. وعزلت الجبهة الجنوبية كلاً من النُصرة وأحرار الشام، عن المعارك الكبرى التي أطلقتها في الجنوب السوري. لكن تلك المعارك، في معظمها، باءت بالفشل، وأخفق مُطلقوها في تحقيق أهدافها.

ويحمّل مراقبون مسؤولية ما سبق إلى غرفة العمليات، التي يُعتقد أنها تُدير عمليات الجبهة الجنوبية بدرعا، والمتواجدة في العاصمة الأردنية عمّان، حيث يُعتقد أن الحليفين الأردني والسعودي، يتوليان إدارتها. ويبدو أن لدى الأردن والسعودية حساسية عالية تجاه جبهة النُصرة. ظهرت تلك الحساسية في أحدث تصريحات لزهران علوش، قائد جيش الإسلام، أبدى فيها استياءه من النُصرة، مشيراً إلى أنها مسؤولة عن تفريق الصفوف. ويعتقد مراقبون كُثر، بأن لزهران علوش علاقة وطيدة بالسعودية.

أزمة الموقف من النُصرة، تبدت أيضاً في حلب، التي شهدت تشكيل غرفتي عمليات، “فتح حلب”، و”أنصار الشريعة”، والأخيرة تقودها النُصرة ذاتها. الأمر الذي أدى إلى فشل معركة تحرير حلب التي أطلقتها الغرفتان بالتزامن، منذ أيام.

وبالتدقيق في سلوكيات النُصرة ذاتها، يبدو أن حساسية الأردن والسعودية حيالها، مُتفهمة، ففي حين أطلق زعماء في “جيش الإسلام”، و”أحرار الشام”، تصريحات وأحاديث، تم توجيهها لوسائل الإعلام الغربية، تُفيد باستعدادهما لتقبّل “دولة مدنية ديمقراطية”، وإن بصيغ غير مباشرة، أكد زعيم النُصرة، الجولاني، في لقائه الأخير، مع قناة الجزيرة، منذ أسابيع، على أن النُصرة لن تتراجع عن هدفها بتحكيم “الشريعة”. وقدمت النُصرة مصداقاً عملياً لإصرارها هذا، تمثّل في رفضها الانضواء تحت قيادة “غرفة عمليات حلب”، لأن الأخيرة تعتزم تسليم المدينة، حلب، بعد تحريرها المأمول، لإدارة مدنية، قد تكون على ارتباط بالائتلاف المعارض، الأمر الذي دفع النُصرة إلى التأسيس لغرفة عمليات منفصلة، “أنصار الشريعة”، تحت عنوان ينمّ عن فحوى الرسالة التي أرادتها النُصرة من ذلك.

وفي الوقت الذي لا يبدو فيه بأن الحلفاء الإقليميين للغرب، والداعمين للمعارضة السورية، يبذلون جهوداً جديّة لتسوية الخلافات بخصوص الموقف من النُصرة، يبدو في الوقت نفسه، أن النُصرة ذاتها، لا يبذل قياديوها أية جهود جديّة لاستيعاب متطلبات المرحلة، ومتطلبات الانتصار المأمول على معسكر الخصم الرئيس، نظام الأسد وعضده الإيراني.

وإن كانت إخفاقات الجبهة الجنوبية في معظم معاركها مؤخراً في درعا، تقدم مصداقاً ميدانياً على صحة تقديرات الجولاني، بأنه لا يمكن حذف النُصرة من المعادلة الميدانية بسوريا، فإن الركود الذي خيّم على المشهد الميداني السوري لأكثر من سنة، قبل “اندفاعة إدلب” الأخيرة، يجب أن يُذكّر الجولاني، وقيادات النُصرة أيضاً، بأنه لا يمكن حذف الدور الإقليمي الخليجي والتركي من المشهد الميداني السوري، وأن التحول النوعي الأكبر، الذي شهده الميدان السوري لصالح المعارضة، منذ أكثر من سنة ونيف، جاء بدفعٍ من تحالف إقليمي، وليس بدفعٍ من القوى الذاتية لفصائل “جيش الفتح”، وحدها.

خلاصة ما سبق، أن الرهان على عزل النُصرة عن مسار العمل الميداني بسوريا، رهان خطير يُشتت قوة الفصائل بسوريا، ويُطيل أمد الصراع بالبلاد. وأن الحل الأمثل هو الاستمرار في محاولات استيعاب هذا الفصيل. وبالمقابل، فإن الرهان على القوى الذاتية لفصيل بعينه، ونقصد هنا النُصرة، هو رهان طفولي ساذج، لا يُراعي تعقيدات الساحة السورية، وحجم الأطراف الإقليمية الكبرى المنغمسة فيها.

يصح ما قلنا أخيراً في حال لم يكن وسواس “المؤامرة” على حق، فهذا شأن آخر، يرتبط بالنووي الإيراني واتفاقه المُرتقب، وتبعات هذا الاتفاق، أو ربما يرتبط أيضاً بإرادة إقليمية – دولية مفادها أن تكون سوريا ساحة صراع دامٍ لفترة أطول، لأن الملفات التي ستُحسم على طاولة هذا الصراع، لم تنضج بعد.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى