صفحات الناس

وطني لي”: صورة مدنية للثورة في سوريا/ عاصم بدر الدين

 

اختلال المجال العام، في سوريا، بعد أحداث الثورة السورية ساهم في إبراز مجتمع مدني غير رسمي أو حزبي. وهذا الحضور، اللاحق على حقبات الهبوط والصعود في سوريا منذ العام 2011، عزز القدرة الفردية، أو الجماعية المصغرة، على الفعل والمبادرة. والحال أن مجتمعاً مدنياً حديثاً، يولد في حرب وتشتت، لا يستقر في مجال مكاني واحد. وهذا ما يشبه، في حد كبير، تجربة المجتمع المدني الفلسطسيني الذي لا يمكن وصفه، في تشتته، بأنه محلي فحسب. على أن تموضع الثورة السورية في زمن شبكي، وأكثر تواصلية، تقنياً ومفهومياً، عجل في إبراز حضوره، فيما كان على التجربة الفلسطينية، المنطلقة في أوائل القرن الماضي، أن تنتظر قرناً إلا قليلاً لتبدأ مرحلتها التواصلية.

والحال أن تجربة “وطني لي”، في سوريا، تبدو مثالاً بارزاً على عمل المجتمع المدني. إذ أن اسمها وأهدافها عرفت قبل أشهر من انطلاق عملها، أي منذ بدء التداول بها بداية العام الحالي. وذلك في سياق تحفيزي وتشجيعي للناس للمشاركة في نشاطاتها المقبلة ودعمها. على أن عملها لم يبدأ إلا في شهر أيار الفائت. “كنا نريد أن نعطي صورة أكثر وضوحاً عن الجانب المدني للثورة، على أن تكون مختلفة عن الصور الأخرى السائدة”، تقول يارا طلاس من الجمعية. وكانت تجربة “أصوات من سوريا” أول ما بدأت به مشاريعها. “نصور فيديوهات للناس من داخل سوريا. يتحدثون عن أوضاعهم وينتقدون من يشاؤون. وأطلقنا بعدها تجربة أطفال من سوريا، وهي تقارير مخصصة لأحاديث عفوية مع أطفال. فكرنا أن هذه الطريقة ستخلص الأطفال من صورة أخرى تروج لها جمعيات مدنية أخرى”.

اعتمدت “وطني لي” على مراسلين غير محترفين. لم يتوقف المشروع إلى الآن. “لكن صعب قليلاً أن تجد مراسلين في هذا الوقت، في الداخل، بسبب الأوضاع”. على أن إبراز صورة عادية للمجتمع السوري، كما في هذه الفيديوهات، تترافق مع تحفيز لحملات تضامن عالمية مع سوريا ضد ما تعانيه من ديكتاتورية وحضور عسكري إسلامي متطرف. “لا نستطيع أن نفقد الأمل الآن. كأن سوريا صارت قضية غير موجودة. لكننا نصر على الإستمرار في لفت إنتباه الرأي العالمي إليها”.

يبقى أن الأوضاع الحادة في الداخل أقل تقبلاً لمشاريع مدنية. “لكن لا يخلو الداخل من عمل جيد تقوم به بعض الجمعيات”، وفق طلاس. وهذا مفهوم عندها أيضاً. “إذ أن الناس تعبت وفقدت الأمل، وثمة جوع وفقر. قد لا يتهم الناس كثيراً بهذه المواضيع”. والحال أن “وطني لي” إختارت مخيمات النزوح في تركيا كأرض لأول مشروعين عمليين لها، في آخر الشهر الحالي، ويستمران 5 أيام. “أول واحد منهما ورشات عمل للأطفال وأفلام وترفيه ومسابقات، لنساعدهم على تجاوز أوضاعهم. أما المشروع الثاني فتصوير فيلم وثائقي لهذه الورشات، لكن أيضاً لمسألة النزوح لتوعية العالم إلى ما يجري للسوريين”. واختيار تركيا دون سواها كان لسهولة التواصل مع أفراد هناك، إذ أن “وطني لي”، وفقها، حصيلة التقاء إرادات أصدقاء تعرفوا على بعضهم من خلال الثورة السورية. “أردنا أن نعمل شيئاً، وكل واحد يفعل ما يقدر عليه”. هكذا، إعتمدت “وطني لي” على الدعم المادي الجماهيري عبر توضيح المبالغ التفصيلية المطلوبة، “من أجل الحفاظ على الشفافية في تعاملنا مع الناس وتوصلنا حتى الآن إلى جمع 7000 من أصل 11 ألف دولار نحتاجها. وبقي أمامنا 11 يوماً”.

وهذا مشروع أولي وتجريبي. “في حال نجاحه سنكرره كل بضعة أشهر، ونوسع مجاله. وسنجرب أن نساهم بطرق أخرى. بمعنى، أن ندخل في مسائل أكثر حياتية، مثل المدارس. ونفكر، مثلاً، بإنتاج مجلة تعليمية للأطفال الذين لا يذهبون إلى المدارس. يعني، لسنا بديلاً لأي تجربة، لكننا نجرب أن ننجز فرقاً صغيراً”.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى