صفحات الثقافة

وطن يتفتح في الحرية


طالب الرفاعي

في لحظات الشدة، شدة وطن. لحظة يستشعر الطاغية أن عاصفة الحرية توشك أن تقتلعه من جذوره، وتحطم أصنامه، في تلك اللحظات العصيبة يكشر عن أنيابه ومخالبه ونظراته المجنونة، يعري عنف دخيلته القبيح، مستخدما الوحشية والعنف الأعمى في قتل وتصفية كل من يقف في وجهه.

في لحظات الشدة، شدة وطن. ينبري من بين أبناء الشعب من يؤمن بالحرية والكرامة الإنسانية للوقوف إلى جانب الحق، متحملا كل ما يترتب على قراره الشجاع. ويتردد بعض آخر في اتخاذ موقف، متدثرا بالصمت، بينما ينحاز بعض ثالث ليكون إلى جانب الطاغية الجلاد.

في لحظات الشدة، شدة وطن. وأهم من هذا وذاك يهبّ الشعب، يهب الناس، بمختلف أعمارهم وعقائدهم وطوائفهم، للذود عن حياة عيشهم الكريم، وللدفاع عن عيش الحرية والسلام والمحبة والخير، ولبيع حياة حاضر البائسة الذليلة، بحياة مؤملة معقودة بالحرية. يضحي الناس البسطاء بحياتهم الغالية، ويسجلون بطولات شعب عظيم يصر على انتزاع حياته الكريمة من بين أنياب الطاغية.

في لحظات الشدة، شدة وطن. يتخذ أديب وفنان قراره الشجاع بوقوفه إلى جانب أبناء شعبه في آمالهم العريضة. ويرتاب ويصمت أديب وفنان يرى في السكوت نجاة، وكأمر طبيعي يبرز أديب وفنان ليبرر للطاغية جنونه ووحشيته، مدافعاً عنها، متنكراً لروح الأدب والفن، مختاراً الاصطفاف إلى جانب شر الطاغية وجنده.

في لحظات الشدة، شدة وطن. قد تغيم الأشياء كل الأشياء، ويختلط الحابل بالنابل، لكن أمرين يظهران كأوضح ما يكون: عنف وبطش ووحشية الطاغية وجنونه في دفاعه المستميت عن بقاء سلطته، وتصدي الشعب الحر له، واستبساله في ثورته المقدسة لنيل كرامته فوق أرضه.

“وطن يتفتح في الحرية” تظاهرة ثقافية فنية دعا إليها مجموعة من الأدباء والفنانين السوريين، “نائية بنفسها عن أي تحزّب أو ارتهان لأي جهة باستثناء الحرية، التي يبذل السوريون دماءهم وحياتهم رخيصة في سبيل نيلها”، وقد شاركت مع مجموعة من الأدباء والفنانين العرب في هذه التظاهرة، باستضافة وزارة الثقافة القطرية والفنون والتراث، للفترة من 1 إلى 8 يونيو الجاري.

إن تواجد الأديب والفنان السوري والعربي في تظاهرة تتخذ من الحرية شعاراً لها، يأتي ليؤكد إيمانه بعدالة قضية الشعب في ثورته لنيل حريته. ويأتي ليترجم قناعة الفنان والأديب في جلال الحرية، وحضورها الأساسي في أي عمل إبداعي، وأخيراً يأتي من باب أن يكون للفنان والأديب موقف ومشاركة يعبر فيهما عن مساندته لشعب يناضل لإزاحة طاغية مستبد، مبشراً بحياة سلام لأجيال قادمة.

قد يتساءل البعض، ما الذي تقدمه قصيدة أو محاضرة ثقافية أو معرض تشكيلي أو مسرحية أو أغنية لنضال شعب يُقتل صباح مساء في مواجهة دكتاتور متوحش؟ والسؤال جد مشروع، ففي زمن الحروب، يكون صوت الطلقة والمدفع هما الأعلى، ويلوّن الدم النازف مشهد اللحظة، لكن الأديب والفنان يأبى أن يبقى بعيداً عن نضال شعبه في قضيته العادلة، فهو في معايشته للحدث المزلزل لابد أن يكون له موقف، وتكون له كلمة، ولابد أن يقدم الدعم لأبناء شعبه، وليس أقل من أن يرفع صوت روحه بكلمته الداعمة، وليس أقل من أن ينحني إجلالاً لأبناء شعبه في طريق نضالهم، ملوحاً لهم بتحيته وحبه.

في لحظات الشدة، شدة وطن. كلٌ يعبّر عن موقفه وجهد مشاركته. ولأن الكلمة والريشة والمسرح والسينما أدوات الفنان، فإن الواجب الوطني الإنساني يحتم عليه أن يستخدم أدواته وعدته، ليقف إلى جانب الحق، في صف أبناء شعبه. ملوحاً لهم بحضوره بينهم، شاداً على نبض قلوبهم بقدوم الانتصار وزوال الطاغية المتوحش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى