صفحات الرأي

وعود قادمة/ إبراهيم غرايبة

 

 

تحرّك التطورات الثورية، في تكنولوجيا الطاقة من مصادر متجددة ونظيفة وتحلية المياه بتكلفة منخفضة، وعودا كبيرة ومهمة في توفير الموارد الأساسية للمجتمعات والدول النامية، كما المتقدمة، ليكون في مقدورها بناء منظومات اقتصادية اجتماعية، قادرة على تطوير التنمية الإنسانية ومستوى المعيشة، وإعادة توجيه الإنفاق والاستثمار في اتجاهات جديدة، تمكّن المجتمعات والمدن من التشكل وإدارة الخدمات الأساسية وتنظيمها، مثل التعليم والصحة وتطوير الزراعة وفرص الحصول على مياه آمنة ونظيفة للشرب، وسد الفجوة في الناتج المحلي في تقليل الواردات من الطاقة والغذاء.

وعلى المستوى العالمي، سوف يكون في مقدور العالم تقليل انبعاث ثاني أكسيد الكربون، بسبب التوسع في استخدام الطاقة النظيفة، وإدخالها في تطبيقات النقل بخاصة، فلم يكن ذلك وارداً قبل وعود الطاقة النظيفة، وقد بدا في مؤتمر القمة العالمية في باريس لمواجهة التغير المناخي ذلك ممكناً، وقد وافقت 195 دولة على إجراءات وتطبيقات واضحة، من شأنها تقليل الانبعاث في الغازات المسببة لرفع حرارة الأرض.

سوف تقلل دول ذات مصادر واسعة لاستهلاك الطاقة الأحفورية، مثل الهند والصين، من دون تأثير سلبي على محرّكات التنمية، وسوف يكون في مقدور المجتمعات والمناطق التي تعاني من شح المياه الحصول على مياهٍ نظيفةٍ بتكلفةٍ منخفضةٍ، وتعيد استخدام المياه المكرّرة، إضافة الى المتاحة من المصادر الطبيعية في الزراعة، بعدما تعرّضت الزراعة لضغط كبير، بسبب أولويات الشرب والاستخدامات المنزلية في المدن للمياه، وقد أعلنت الدول الأكثر انبعاثاً للغازات، وهي الصين والهند والولايات المتحدة، عن مضاعفة التمويل الحكومي لبحوث وتكنولوجيا الطاقة النظيفة، ويتوقع أن يشهد العالم، بحلول عام 2020، حالة جديدة من انتشار تطبيقات الطاقة والمياه تقلل من الانبعاث، وتزيد فرص الحصول على الماء والطاقة بتكلفة معقولة.

وقد بدأت بالفعل دول كثيرة تعاني من نقص الموارد المائية تطبيقات لتكنولوجيا تحلية مياه البحر، تمكّن المدن من الحصول على كامل احتياجاتها من الماء للاستخدامات المنزلية، بتكلفة معقولة (حوالي نصف دولار للمتر المكعب) من دون دعم حكومي. وفي ذلك، سيكون الاستثمار في تحلية المياه معقولاً ومفيداً للشركات والمجتمعات.

سيكون المفتاح الأساسي في الطاقة النظيفة هو توليد الطاقة الكهربائية من مصادر متجدّدة ومنخفضة التلوث والتوسع في استخدامها وتطبيقها في المباني، وفي السيارات ووسائل النقل العام، ويتوقع أنه بحلول العام 2050 سينخفض الاعتماد على الطاقة الأحفورية إلى 7%، وهو اليوم يزيد على 70%، وكان ذلك قبل فترة قصيرة يعتبر إنجازاً بالنظر الى الكلفة العالية للطاقة المتجددة.

وبعد التوسع في استخدام السيارات ووسائل النقل الكهربائية، سوف يتجه العالم إلى بناء شبكات كهرباء، تعتمد على الطاقة المتجدّدة المستمدة أساساً من الشمس والرياح ومصادر أخرى، مثل باطن الأرض، ويبدو ذلك اليوم واعداً وممكناً بتكاليف معقولة وبتقنيات أقل تعقيداً.

وبالطبع، ما زالت الوعود مصحوبة بتعقيدات وتكاليف ليست سهلة، لكن التوسع في البحوث

“إصرار عالمي على تخفيض نسبة انبعاثات الغازات المسببة للتلوث وارتفاع حرارة الأرض” وتمويلها، وما أمكن إنجازه وتطبيقه بالفعل يشير إلى إمكانية تحقيق هذه الوعود، وما تتحدّث عنه التقارير والدراسات هو محصلة جهود وتطبيقات، بدأت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن عمليات البحوث والاستثمار في الطاقة المتجدّدة وتكنولوجيا تحلية المياه توسّعت مع بداية الألفية الثالثة، حتى إنها تضاعفت في الولايات المتحدة الأميركية عشرة أضعاف، حيث زادت من 460 مليون دولار عام 2001 إلى 5 مليارات دولار عام 2010، وقد منح القطاع الخاص لهذه الاستثمارات زخماً كبيراً، عندما أمكن تحويل منتجاتها إلى سلع قابلة للتداول والتنافس في الأسواق. وقد أنفقت الحكومة الأميركية منذ عام 2009 أكثر من 100 مليار دولار، وقدمت حوافز ضريبية وقروضاً وضمانات في مجال تكنولوجيا الطاقة المتجددة، وأصبحت الشركات المبتدئة في هذا المجال شركات عالمية، مثل صناعة السيارات الكهربائية تيسلا، وصناعة الألواح الشمسية المثبتة وبرامج Opower.

وهناك، في المقابل، حالات فشل وخسائر كثيرة في هذا المجال، فقد خفضت شركات عدة رأسمالها بنسبة 75%، وقدرت الخسائر في هذا القطاع في الفترة 2004 – 2014 بـ 36 مليار دولار؛ ما يؤشر إلى مخاطر كثيرة، مازالت تكتنف العمل في هذا القطاع. ومازال التمويل الحكومي للبحوث ضعيفاً، وفي الولايات المتحدة، مثلاً، وهي الدولة القيادية في هذه المجالات، خصصت الحكومة 6.4 مليارات دولار لبحوث الطاقة المتجددة مقابل 13 مليارا لبحوث استكشاف الفضاء، 31 مليارا للطب، 78 مليارا للدفاع، ويؤشر ذلك بالتأكيد إلى الفجوة في التمويل والاهتمامات.

ويجري اليوم في الصين إنتاج ثلثي الألواح الشمسية المستخدمة في العالم، ولا تزيد نسبة البحث في تطوير الصناعة على 1% من ميزانيات الشركات العاملة في هذا المجال، .. ولكن، على الرغم من ذلك، يتحدث الباحثون عن ثورة قادمة في هذا المجال، مردّها إلى الإصرار العالمي على تخفيض نسبة انبعاثات الغازات المسببة للتلوث وارتفاع حرارة الأرض بنسبة 80%، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بتطوير الطاقة المتجددة.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى