صفحات سورية

وفاة احد موظفي ‘المركز السوري للاعلام وحرية التعبير’: شاب سوري اسمه أيهم

 

يارا بدر

أيهم مصطفى غزول، من مواليد مدينة دير عطية في ريف دمشق (1987)، ليس ناشطاً إعلامياً أو سياسياً أو إغاثياً بارزاً، ليس علماً أو نجماً من نجوم الثورة السورية، حتى أنّ صفحته على موقع التواصل الاجتماعي الأشهر في سوريا ‘الفيس بوك’ مُغلقة، لم يكتب فيها كلمة أو يشارك شيئاً منذ قرابة التسعين يوماً.

هو شاب سوري، انهى دراسته لطب الأسنان وبدأ رحلة الدراسات العُليا- ماجستير- جامعة دمشق، اعتقل مع موظفي ‘المركز السوري للإعلام وحرية التعبير’ بتاريخ 16/02/2012 إثر مداهمة فرع المخابرات الجويّة مقر المركز. أمضى في فرع المخابرات الجوية – مطار المزة 33 يوماً، وتمّ تحويله مع ستة زملاء آخرين إلى أحد أقبية الفرقة الرابعة التي قضى فيها 34 يوماً إضافياً إلى أن تمّ تحويله مع اثنان من الزملاء، وخمس زميلات وزائرة إلى سجن عدرا في دمشق، حيث تمّت محاكمتهم بتهمة (حيازة وثائق ممنوعة ونشرها بهدف إسقاط نُظم الحكم)، في ذلك الباص كان الذكور الثلاثة مقيّدي الأيدي، معصوبي الأعين، كانت المرّة الأولى التي نراهم بها ونتأكد من كونهم على قيد الحياة، نحن زميلاتهم في المقعد والزنزانة المجاورة لثلاثة أيام، تجرّأت وكسرت الصمت المفروض وسألتهم: كيف المعنويات، عالية؟! فهزّ الثلاثة رؤوسهم بكل شجاعة في أول ساعة تلمحهم الشمس بها، دون أن يستطيعوا هم رؤيتها.

صمتوا أمامنا بعد الخروج من سجن عدرا عن التعذيب كي لا يزيدوا قلقنا على رفاقنا الباقين، ابتسموا لنا وحدثونا بأفراحهم الصغيرة، بابتساماتهم المسروقة بين دمعتين واحدة للقلق، وأخرى للشوق. وما بين اعتقالين خطر لوردي الخدين أيهم حلم هوى، وفرح عشق أضاف بريقاً لبريق عينيه الخجولتين، مشروعاً صغيراً قد يفتح أفقاً لغدٍ أكبر، يُنهي فيه دراسته، وإن اضطرّ إلى مغادرة سوريا من اجل مشروعه هذا، ويؤسس منزلاً، ربما.

أيهم غزول وتلك ال’ربما’ التي سوف تحفر في تاريخه أبداً مُعلقة دون نهاية أو جواب، لن يذكره تاريخ البطولات المُنمق حيناً، المزدحم بأوجاع كثيرين ومآسيهم، فسوريا قد فقدت وفق آخر التقديرات ما يزيد عن ستين ألف شهيد منذ اندلاع ثورتها المجروحة، بضحكات أطفالها ودمع أمهاتها، وصرخات رجالها. كما فقدت عائلة أيهم ابنها والمحبوبة فتاها دون أن يعلموا. إذ البارحة كان المُعتقل ‘أيهم غزول’، واليوم هو ‘الشهيد الطبيب الشاب أيهم غزول’. مُجرّد انتقال خطاه بين الأرض والسماء، وبين قوائم المعتقلين قسراً وقوائم الشهداء. تلك المعرفة من تجعلنا نهوي، حيث اعتقل أيهم للمرّة الثانية بتاريخ 5/11/2012 وتوفي كما أفادت مصادر في فجر اليوم الرابع أي بتاريخ 9/11/2012، لكنّ المعرفة حدثت بتاريخ 31/1/2013، وذكر المتناقلون للخبر وفاته وفق هذا التاريخ، فطوال 82 يوماً يكتب الأصدقاء الكلمات على صفحة ‘الحرية للطبيب أيهم غزول’، يرفع المتظاهرون لافتات لحريته، وتنتظر أمه، كما انتظرت من قبل. مع كل إشاعة إخلاء سبيل، مع كل دقة قلب، تنتفض لتجهّز كل الطبخات التي يحبّها، تفرش المائدة وتنتظر ليلها بطوله، حتى الغد الحزين.

اثنان وثمانون يوماً من الأمل، بأنه مُعتقل، وغداً أو بعد غد أو ذات حين، سوف يعود أيهم بابتسامته الخجولة وخديه الورديين، ولكنهم اثنان وثمانون يوماً على رحيله دون وداعٍ يليق. وفي تفاصيل رحيل عابر سبيل كتب خاله السيد توفيق حلاق على صفحته على موقع ‘الفيس بوك’: (أحبتي هذه قصة الشهيد أيهم غزول .. أنقلها لكم عن مصدر موثوق .. وهي نموذج لقصص الشهداء الشباب الذين يحترقون لينيروا لنا درب الحرية:

أخذوه من حرم الجامعة، كان اسمه عالباب، لمن دخل حس في شي مو طبيعي، إجا علي خير بيك وهو طبيب وعضو بالاتحاد الوطني للطلبة مع شبين من الاتحاد وأخذو أيهم على مفرزة للاتحاد هنيك ضربوه للشهيد، أيهم رد عليهن، زادو ضربو.. ما شفي غليلون، ندهو على 2 شبيحة، ضربوه أكثر. تعذيب وضرب بأيديهم ورجليهم وبالعصي، طلع دم من أيهم ما عرف من وين، بقيوا يضربوه لبين ما وصل للمخابرات الجوية في المزة. هنيك حطوه بالمهجع بين الموت والحياة. يبدو ايهم تعرض لنزيف داخلي لأنو جسمه صار ازرق وكان عم يرجف وجسمه كلو بارد، ما كان عم يتحرك كان بصعوبة بيحكي كلام مو مفهوم.

بقيت روحه عم تتعذب ثلاث أيام كل ما يدق الباب انو عم يموت، كانوا يردوا عليه بس تموت خبرنا. رابع يوم الفجر ما عاد تحرك شيء في أيهم. وبقي جامد هيك حتى طلع الضو. جابوا طبيب قال انو مات).

معرفة نظريّة لحكاية تُنقل وتُحكى، دون استلام للجثة، دون ضمّة أخيرة أو حتى إلقاء نظرة. بقبرٍ فارغ سيُودّع أيهم. بأحلامه المُعلقة، وامتحاناته تنتظره ليُكملها. ونحن أصدقاءه ننتظر عودته كي يأخذنا إلى قريته الجميلة، مع موسم قطاف العنب وعصره، قد تكون هذه خيانة أيهم الوحيدة، بريئة خجولة مثله، حين ذهب وحيداً وعصرَ العنب، بدمه صنع نبيذاً أحمر لرفاق زنزانة مُحي رقمها. ونحن نقول له باستعارة كلمات الشاعر الفلسطيني محمود درويش:

بعد قليل.. بعد عام… بعد عامين . وجيل..

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى