سلام الكواكبيصفحات سورية

وفي الأصل كانت المرأة… السورية

 

سلام الكواكبي

كانت المرأة ولا تزال، عنصراً أساسياً في قراءة الفن والشعر ومختلف أشكال التعبير الإبداعي. وشكّلت أيضاً موضوعاً خلافياً بين مختلف الفلسفات الدينية من حيث التعامل معها وتحديد أو توسيع دورها في المجتمع. ولم تحدث النهضة الحقيقية في الدول التي عرفتها إلا من خلال تجاوز مسألة طال التوقف عندها لدى ثقافات تغلب عليها الأيديولوجيا الممتنعة عن التطور والإصلاح، وهي قضية تحرر المرأة. وسيكون من التكرار إيراد قائمة بأسماء النساء اللواتي أثّرن في حيوات الأمم وفي نهضة العلم وفي تثمير الفكر وفي إنجاح مسارات التطور الفعلية.

في المقابل، وفي إطار العصف الذهني المصاحب للحَراك الثوري، مازال النقاش دائراً حول “شرعية” طرح مسألة تحرير المرأة السورية من الاضطهاد المزدوج المرتبط أولاً بانتمائها إلى مجتمع مضطهد بالمطلق، وثانياً، إلى فئة جنسية يحاربها عقلٌ ذكوري ساندته قرونٌ من “التأصيل” العقائدي عبر ثقافات غالبيتها مروية، وأقلّها يعتمد نصّاً نأى بنفسه عن التأويل أو الاجتهاد منذ القرن الثاني عشر. أضيف إلى هذا الميراث، عقودٌ من التخلف “التقدمي” الذي أضاف، وعبر العقائدية المتحجّرة، طبقات من التخشب الفكري على المجتمع السوري ودعم خصوصاً، على الرغم من إدعاء العكس، تجذير اضطهاد النساء في مختلف أبعاد التكوين الوطني.

¶¶¶

في سوريا، الخاضعة شعباً وبنى تحتية الى اعتداء موصوف ممن يدعي امتلاك حاضرها ومستقبلها، يبرز دور النساء في مختلف أطر الحَراك الثوري السلمي، وفي البعدين الإغاثي والصحي في أطر الحراك الثوري المسلح. ويفضّل جزءٌ من المجتمع، تقديم الدور النسوي في أطره “المحمودة” كسيدة المنزل التي تكتفي بتربية أطفالها على حب الوطن، وتدعم “مآربهم” التحررية عبر العواطف والدعوات، بعيداً عن أن تكون جزءاً من مسار تحقيقها. ويقوم جزءٌ ثانٍ، هو أقلوي بالتأكيد، بمساواة دورها مع دور الرجل ما عدا الانخراط المباشر في عملية حمل السلاح.  تؤسس هاتان الرؤيتان لدور المرأة، أساساً لمستقبل مكانتها في المجتمع السوري ما بعد الثورة. وذلك في مرحلة إعادة الإعمار وترسيخ السلم الأهلي والمصالحة بين مكونات مجتمع انقسمت بين مؤيد لحالة الجمود السياسي والتقهقر الاقتصادي والفساد المجتمعي والتصحّر الثقافي، ومعارض لاستمرار الاستبداد والقمع والتهميش والافقار، ومتردد خائف من البديل ومن فقدان ما اكتسبه من انعدام الشعور على مدى عقود من هيمنة الاستقطاب المنفرد بحاضره وبمستقبله.

¶¶¶

إن انخراط النساء في مختلف مفاصل الثورة السورية ومساهمتهن في تعزيز مقومات نجاحها وصمودها، هو مبعثٌ للتفاؤل، خصوصاً من خلال متابعة الجيل الشاب من النساء اللواتي انعتقن من “مخلفّات” الأحزاب “العقائدية” ومن عقد أعاقت العمل العام زمناً طويلاً. في المقابل، تنبئ الخطابات “الرجعية” لبعض مكونات الحراك الثوري، بأن على النساء، إضافة الى مساهمتهن في صنع التغيير الجذري، أن يقمن بثورة على المجتمع الذكوري المترسّخ في السلطة وفي بعض من يقاومها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى