صفحات مميزةميشيل كيلو

وقائع الاصولية السلطوية/ ميشيل كيلو

  اتهم النظام الاسدي ثورة الحرية بالأصولية منذ يومها الاول .بما أنها لم تكن أصولية ، فقد قام بكل ما هو ضروري لاثبات تهمته ، بدءا باطلاق سراح معتقلي سجن صيد نايا من الأصوليين ، الذين كان آصف شوكت قد درب معظمهم لارسالهم إلى العراق ، وحين اكتشف الأميركان الأمر بادر إلى سجن ومحاكمة عدد منهم كان عام 2008 وراء تنظيم عصيان صيدنايا الشهير ، الذي استمر خمسة اشهر واسبوعين ، احتل السجناء خلاله معظم اقسام السجن ، وحولوا اسرته الحديدية إلى سيوف وخناجر ، وغنموا بنادق قليلة من الشرطة العسكرية المكلفة بحراستهم . في العادة ،كان النظام يعتقل وقائيا كل من يشك في ولائه بمجرد ان يستشعر خطرا ما عليه . اما الآن ، وبعد نشوب الثورة الشعبية الجارفة ، فقد قام  باطلاق سراح مئات المعتقلين المدربين على القتال، الذين كان عليه بالاحرى اعتقالهم ، وفعل ما فعله لاعتقاده ان انضمامهم المحتم إلى الثورة سيخدم خطته لتحويل ثورة الحرية إلى صراع مذهبي عنيف ومسلح ، هم فيه الجانب الاصولي : المطلوب وجوده ودوره . وبالفعل ، قام بعض هؤلاء بما كان منتظرا منهم – ومتفقا عليه مع بعضهم على الأقل ، حسب أقوال الشكاكين – ، على النحو التالي :

اعلن احدهم في إحدى المدن الساحلية عن تشكيل كتيبة اسلامية اطلق عليها اسم “الريح الصرصر ” ، وقال في شريط مسجل إنه صنع موادا كيماوية جربها على ارانب وحمامات – ظهرت ميتة في الشريط – وسيستخدمها ضد قوات النظام . هذا الشريط وصل بعد ساعات إلى بشار الأسد ، الذي وزعه على دول كثيرة واطلع عليه كل من زاره من مسؤولين اممين ، وقدمه كدليل يثبت أن ” الجيش الحر” يمتلك اسلحة كيماوية وأنه هو الذي يستخدمها . بعد الشريط ، اختفت الكتيبة واختفى قائدها ، ولم يعد احد يسمع بهما !.

شكل ثلاثة من سجناء صيدنايا المطلق سراحهم ثلاثة فصائل اسلامية مسلحة ، هي اليوم بين الابرز في الساحة السورية ، اعتبر تشكيلها لحظة مفصلية في تحول ثورة الحرية المجتمعية إلى صراع مذهبي طرفه الأول النظام والثاني الفصائل الثلاث، التي تتطور في ايامنا إلى جيوش اسلامية تعمل خارج “الجيش الحر” ودون تنسيق معه، وتنكر شرعية اية مؤسسة منظمة انتجتها ثورة الشعب السلمية ، وخاصة منها “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السياسية “. إذا كان الاثبات الذي اراده النظام في الحالة الأولى شريط اختفى من انتجه بعد ان ادى واجبه ، فإن الاثبات في الحالة الثانية جيوش تقاتل على الأرض ، تضم عشرات آلاف المقاتلين وتنتشر في اربع جهات سوريا ،وتحظى بدعم عربي واقليمي ودولي ، يخدم وجودها استراتيجية النظام في تحويل ثورة الحرية إلى صراع مذهبي ، وتقسيم الشعب الواحد إلى مسلمين سنة وغيرهم وربط الثورة بالأولين وتخوين معظم الآخرين ، لكنه من الظلم والخطأ اتهام هؤلاء بالعمالة ، مثلما هو حال صاحب ” الريح الصرصر ” . لا داعي للقول : إن هذه التنظيمات عانت دوما من الاختراق ، وان النظام تلاعب بكثير من قادتها وقواعدها ، وعرف عن طريق عملائه فيها قسما كبيرا مما يريد معرفته عن “الجيش الحر “ومقاتليه وخططه ، وأنها غالبا ما تقوم بغير المهام التي كان عليها القيام بها ، لو انها اتبعت مواقف وحدتها مع بقية الفصائل في المقاومة والقتال ، أو رأت في التناقض مع النظام المهمة الحاسمة التي لا يجوز لاحد أن يحيد عنها ، او أن يحول خلافاته مع المقاتلين الآخرين إلى تناقضات عدائية تقوض الثورة وقد تؤدي الى هزيمتها ، يجبرها وجودها اليوم على تقديم تضحيات وخسائر بشرية لا مسوغ لها .

استعان النظام باصدقائه الروس والإيرانيين في تشكيل تنظيمات “اصولية” لعب تطرفها الى جانب ممارساتها دورا فاعلا في تشويه سمعة الثورة والشعب . من ذلك تلك ” الإمارة الاسلامية ” ، التي اقامها ” ابو عمر الكويتي ” بمعونة مائتي شيشاني قدموا من مكان لا يعرفه أحد ،واحتلوا بامرته بلدة “عين دارة ” قرب حلب ، وشرعوا يطبقون نظام طالبان فيها ، فمنعوا النساء من مغادرة منازلهن ، والفتيات من الدراسة ، وحولوا المدارس إلى كتاتيب لما اسموه ” العلوم الدينية ” ، وفرضوا منعا صارما على التدخين ، بحجة أن التبغ لم يكن معروفا ايام البعثة النبوية الشريفة ، وقطعوا أصابع شباب القي القبض عليهم وهم يدخنون ، وسدوا طرق المنطقة ، وشرعوا يختطفون الناس وخاصة منهم ابناء الاديان والمذاهب غير السنية . ذات يوم ، عاد احد ابناء البلدة من السعودية ، حين رأى ” ابي عمر الكويتي ” صاح : هذا الرجل كان دليل الحجاج الإيرانيين طيلة اعوام ثلاثة في مكة المكرمة ، وهو ايراني . جاء السكان لاستيضاح الامر، فاطلق الشيشان النار عليهم ، وفي اليوم التالي قام طيران السلطة بغارات على البلدة شملت مواقع الجيش الحر على اطرافها الخارجية . هذه ” الإمارة الاسلامية ” الإيرانية / الروسية ، هي التي اختطفت المطرانين اليازجي وابراهيم ، وسلمتهما إلى المخابرات الاسدية ، والدليل ما اعلن اليوم حول مفاوضات اجراها اللواء عباس ابراهيم مدير الامن العام اللبناني حولهما مع بشار الاسد . لو لم يكن المطرنان لدى اسد اسرائيل ، أو لو كانا عند منظمة اسلامية معادية له ، لما كان طرفا في مفاوضات موضوعها إطلاق سراحهما ؟.

    داعش: النشأة والدور

لكن اعظم فبركات المخابرات الإقليمية والدولية تبقى” داعش” – دولة العراق والشام الإسلامية – ، فقد نشأت وانتشرت في المناطق المحررة دون غيرها خلال اشهر قليلة ، وجعلت مهمتها تحريرها من “الجيش الحر” ، لذلك طبقت خططا منظمة لاغتيال ضباطه ،ومقاتلة كتائبه والويته وطردها من الاماكن الآمنة التي تتيح لها التحشد والتدريب وتجميع الاسلحة ووضع الخطط ، ومطاردة وملاحقة واعتقال واغتيال من وردت اسماؤهم من المناضلين والمقاتلين في قوائم المخابرات الأسدية ، الذن لم تتمكن من القبض عليهم قبل إخراجها من قراهم وبلداتهم ومدنهم ، والاستيلاء على ثروات المنطقة الممتدة بين حدود العراق والساحل ، كي لا يفيد “الجيش الحر” منها ويستخدمها في الصراع ضد الاسد ، وملاحقة ابناء الاقليات وقتلهم ، وإثارة النعرات المذهبية ، وكبت الحريات ، وفرض نظم اكثر تشددا وقمعية من استبداد دمشق ، وأخيرا تضييق رقعة انتشار وحركة “الجيش الحر” بين منطقة حررتها منه واخرى بيد النظام ، وحصره في بؤر مطوقة ، مجوعة ومعزولة، يسهل القضاء عليها كحمص وادلب وحماه ، تعني استعادتها تصفية ما بقي من الثورة . وللعلم ، فإن “داعش “هي التي اختطفت الأب باولو في الرقة ، وسلمته إلى فرع مخابرات القوى الجوية المرابط في مطار الطبقة العسكري ، الذي استلم المئات من معتقلي “الجيش الحر” والمناضلين المدنيين، ونقلهم الى دمشق .  كما اعدمت بصورة فردية وجماعية مئات المناضلين المعادين للأسد ، وضمت في صفوفها المئات من ضباط الامن وعناصره السابقين ،الذين يخفون هويتهم الحقيقية باخفاء وجوههم تحت اقنعة ينفردون باستخدامها بين منتسبي جميع التنظيمات المسماة جهادية ، كي لا يتعرف عليهم السكان . واليوم ، يوجد الاب باولو ومعه عشرات ضباط الجيش الحر في معتقل الطاحونة  المقابل لمبنى الجمارك والقريب من مبنى الإذاعة والتلفاز بجوار ساحة الامويين في دمشق. اخيرا ، فإن مكتب نوري المالكي هو الذي يدير ويمول ويسلح “داعش” ، بالتعاون مع قادتها الناشطين من طهران ، وهو الذي امر بترتيب” فرار “قرابة الف عضو من تنظيم “القاعدة” من سجن أبي غريب المحصن جدا قرب بغداد ، فتح جيشه لهم بوابات الحدود مع سوريا في ساعات محددة ، ليتمكنوا من عبورها بأمان ، ويرفدوا بخبرتهم القتالية والتنظيمية والسياسية وبعددهم الكبير مئات قليلة من مقاتلي “داعش”  الناشطين في المناطق الشمالية الشرقية من بلادنا ، الذين بقي نشاطهم محدودا بسبب محدودية خبرتهم واعدادهم  وقلة تغلغلهم في مناطق انتشارهم. لا عجب أن “داعش” تعتبر تنظيما مخابراتيا يعمل في خدمة النظام السوري، وأن قطاعات واسعة من السكان تكن لها العداء وتريد إخراجها من مناطقها ، وانها قامت بمظاهرات شعبية ضدها في كل مكان احتلته : من جرابلس إلى تل حميس الى مناطق في الحسكة الى محافظة الرقة وصولا إلى اعزاز ، التي انتزعتها بالقوة من مقاتلي ” عاصفة الشمال”، غير انها اصطدمت بمظاهرات غاضبة طلبت خروجها من البلدة ، اطلقت النار عليها وقتلت وجرحت كثيرين منها ، بينما واجهتها في الرقة ، حيث تنفرد بالسلطة ، حالة عصيان حقيقي تكررت معها المظاهرات ضدها ، خاصة بعد أن قامت برفع علمها فوق كنيسة كسرت صلبانها، فنزل آلاف الشباب المسلم إلى الشارع حاملين الصلبان وهتفوا مطالبين بخروجها من مدينتهم،  ثم طوقوا مقرها وارادوا اقتحامه ، فاطلقت النار عليهم وقتلت وجرحت العشرات منهم ، مما تسبب في انشقاق عدد من مقاتليها المحليين عنها ، هنا وفي اعزاز والباب ومنبج .

    يقوم النظام اليوم بحملة دولية مرتفعة الكلفة لاقناع العالم بأن معركة سوريا تدور بينه كنظام علماني يدافع عن شعبه وبين تنظيمات اصولية تهدد الامن والسلم الدوليين ، اتت من الخارج ، لا خيار لديه سوى محاربتها لحماية مواطنيه والبشرية منها ، ولا ذنب له في موت من يقتلون من السوريين ، لان هذه التنظيمات ترابط وسطهم ولا تترك له اي بديل غير مقاتلتها في المدن والبلدات والقرى السورية .هذه الصورة كاذبة من الفها الى يائها ، اولا : لان النظام هو الذي صنع اغلبية التنظيمات المتطرفة في سوريا ، وثانيا : لانه راهن على تطرفها وتشددها ، واستخدم العنف بتصعيد مدروس كي يدفع بكتل متعاظمة من السوريين الى الانضواء تحت جناحيها ، ويقلب ثورة هدفها الحرية لجميع المواطنات والمواطنين إلى اقتتال طائفي / مذهبي خطط بدأب لافتعاله داخل المجتمع وبين فئاته ، منذ الفترة التي سبقت الثورة وراهن عليها بعد انفجارها .

  اخترق النظام والدول التي تساعده في الحرب كروسيا وايران الساحة السورية ، حيث فبركوا تنظيمات وامارات جهادية وظفوها لصالح الاسد ، مثلما فبركوا تنظيمات معارضة “مدنية وديمقراطية” استخدموها لتشويه الحقائق وتضليل العالم وبيعه اكاذيبهم ، التي صار من الضروري بالتأكيد فضحها والتصدي لها بحقائق الواقع ، التي لا يرقى اليها شك !.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى