صفحات الحوار

وليد البني: تقسيم سورية وتأهيل الأسد مستحيلان

 

 

بودابست ــ ناصر السهلي

أمام الواقع المأساوي لمئات آلاف اللاجئين المهاجرين إلى أوروبا، تحديداً عبر المجر، يظهر أحد أبرز الشخصيات السورية المعارضة، وليد البني، المستقرّ حالياً في بودابست. البني كان من رموز ربيع وإعلان دمشق في 2001، واعتُقل مرات عدة، وأُفرج عنه في أكتوبر/تشرين الأول 2011. درس البني الطبّ في المجر، وكان ناشطاً في صفوف الثورة الفلسطينية، وكان قيادياً بارزاً في “المجلس الوطني السوري”، ومن ثم “الائتلاف” المعارض، قبل أن يستقيل منه. يتجوّل حالياً منذ بدء الأزمة بين اللاجئين السوريين، محاولاً مساعدتهم قدر الإمكان، بحكم علاقاته مع الخارجية المجرية وعدد من وزارات خارجية دول الاتحاد الأوروبي.

يكشف البني لـ”العربي الجديد” عن مآل ما يجري في المجر، ويرى أن “محنة الفارين من الحرب في سورية ستستمر”، مبدياً اعتقاده بعدم “وجود خطة لاستبدال السوريين بآخرين، وقد سمعنا كثيراً من النظريات حول عمليات تبادل طائفية بين المناطق. وحتى لو كان هناك نوايا بهذا الصدد، فهي شبه مستحيلة”. لكنه يعتبر أن “ما يُمكن تصديقه هو وجود نوايا إيرانية مع حزب الله، بتفريغ المناطق المحاذية للبنان واستبدال سكانها بسكان قد يُشكّلوا حاضنة أكبر لحزب الله ولإيران كاستمرارية جغرافية. كما يمكن أن يحصل في منطقتي الزبداني والقصير السوريتين كامتداد مع منطقتي البقاع وبعلبك اللبنانيتين. لكنني أستبعد حصول تغيير جغرافي عام بسورية. ولا أعتقد أن الإيرانيين أو أي أحد عاقل يمكن أن يضع هكذا خطة”. ويتابع “بالنسبة للمهاجرين من السوريين إلى أوروبا فهم ليسوا فقط من طائفة واحدة ولا قومية واحدة، وشهدت أمثلة على ذلك شخصياً”.

ويشرح البني مسألة التهجير على أنها “نتاج أزمة كل الشعب السوري، فالشباب السوري فقد الأمل بإمكانية تأمين مستقبل آمن له في سورية، وهو يبحث عن فرصة للحياة في مكان آخر”. وحول الدعوات التي ترتفع في الغرب كي تستوعب الدول العربية اللاجئين السوريين، كما يحصل في بعض الدول الأسكندنافية الآن، يقول البني: “لا أعتقد أنه يوجد إمكانية لاستيعاب كل هؤلاء السوريين”.

ويبدي قناعته في أن الهجرة مستمرة: “لا يوجد الآن سوري إلا وحلم الهجرة يراوده، فمعظم الشباب السوري كان لديه أمل بأن تنجح الثورة السورية بسرعة، وأنا معه، وكنا نأمل بأنه خلال سنتين أو ثلاث سنوات نستطيع أن نجري أول انتخابات حرة وستبدأ الديمقراطية ونستعيد سورية التي فقدناها في عام 1963 بعد انقلاب حزب البعث، وأن الازدهار الاقتصادي سيعود. كنت أحلم بذلك في عام 2011. لكن بعد مرور كل ذلك الوقت، معظم الشباب المتعلم القادر والواعي الذي توقع حياة أفضل بعد بداية هذه الثورة، والذي لا يريد الموت، يبحث عن فرصة في الحياة ويحلم بالهجرة إلى أوطان تمنحه هذه الفرصة”.

ويتوقع أن تكون هناك “موجات كبيرة جداً من الهجرة، وبرأيي هذه الموجات يجب أن تستثير حكومات كثيرة في أوروبا، بأن تبدأ البحث عن حلّ يخفف من بقاء سورية بلداً طارِداً لمواطنيه بهذا الشكل. ستضطر أوروبا، التي أدت دور المموّل فقط للخطط الأميركية، إلى أن تضع حداً لما يجري، بالتوجّه إلى روسيا والولايات المتحدة وتحميلهما مسؤولية الأزمة السورية”.

ويكشف البني عن لقاءٍ جرى في وزارة الخارجية المجرية، بعد استقالة وزير دفاع المجر تسابا هيندي، في 10 سبتمبر/أيلول الحالي، بسبب خلافات حول قرار التصدّي للاجئين العابرين للحدود الصربية عبر الجيش. ويقول: “قلت لهم في الخارجية هل تعتقدون بأن ذلك حلّ؟ وهل بالفعل سيخاف من هو مهدد بالسجن لاختراقه الحدود والهارب من جحيم الحرب بقضية محاكمته؟”.

ويلفت إلى أن “ما يُمكن استخلاصه من الخارجية المجرية، والاتصالات مع الخارجية الألمانية، أنه ربما يصار إلى تجميد القرار المجري القاضي بمنع تدفق اللاجئين، لصعوبة تنفيذه، ولثقة الكثير من المراقبين والمهتمين بأن التدفق مستمرّ، طالما لم نصل إلى حلّ جذري يُنهي تحويل سورية إلى بلد طارد لشعبه”.

وعما يثار عن أن المشاريع والخطط الروسية والإيرانية تصبّ في سياق محاولات حثيثة لإعادة تأهيل نظام دمشق، وربما تقسيم سورية، يقول البني: “تلك الفكرة تدور في رؤوس الروس والإيرانيين على الرغم من استحالتها، أما فكرة التقسيم فأستبعدها. وأقصد هنا التقسيم القانوني، أما أن يكون هناك تقسيم مبني على الأمر الواقع، بمعنى أن يكون هناك جزء من الأرض يسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجزء مع جبهة النصرة وآخر مع حزب الله، بالإضافة إلى مليشيات (الرئيس السوري بشار) الأسد، فقد يكون ذلك أمراً واقعاً. لكن ذلك لا يعني أن يحدث تقسيم سورية إلى دويلات تحظى باعتراف دولي، فذلك شيء شبه مستحيل، وأصلاً الظروف غير متوفرة لتقسيم واقعي لسورية”.

برأي البني، فإن “أزمة سورية ستستمر طالما أنه ليس هناك مصلحة مباشرة للقوى الكبرى بإيجاد حلّ لإنهاء شلّال الدم السوري. وأنا من البداية كنت أعتقد أن لإسرائيل مصلحة كبرى بتوريط إيران وبتدمير سمعة حزب الله بتوريطه من خلال قتاله ومعاركه مع داعش والنصرة والقوى الإسلامية الأخرى في المنطقة. وما أراه هو أنه لم ينته بعد استنزاف إيران وحزب الله، وهذا الأمر سيستمر على حساب الدّم السوري، مستغلين تركيبة النظام الإيراني وتركيبة حزب الله”.

لا يتردد البني في تأكيد “الدور الإسرائيلي التخريبي ومصلحته في تدمير سورية”. ويعتبر أنهم “يريدون تدمير قوة حزب الله واستنزاف إيران وتدمير سورية، بالنسبة لإسرائيل فإن دمار العراق وسورية هو عامل راحة لها لعقود مقبلة”.

يعود البني ويُذكّر بكلامه الذي كان يوجّهه لحزب الله، على الرغم من موقفه الشخصي من أي حزب عقائدي، ليؤكد أن “الحزب يشهد أفدح الخسائر بتعنّته واستمراره بالتورّط في الدماء السورية، مع العلم أن مكانة حزب الله كانت كبيرة بين العرب والسوريين تحديداً وارتباطه بالمشروع الإيراني في سورية سوف يدمّره. وقد كانت لديه إمكانية كبرى كي يحافظ على تلك المكانة، لكنه لم يستطع سوى الالتحاق بالمشروع الإيراني ولم يكن يستمع لما كنا نقوله علناً”.

وبالنسبة للحلّ، يرى البني أن “الأمر يتطلّب إنتاج طبقة سياسية سورية تعي حقيقة ما يحصل، على أن تكون مستقّلة القرار، وقادرة على مواءمة المصالح السورية مع مصالح الأشقاء والأصدقاء، لا أن تكون صدى لأصواتهم، وأن نكون قادرين على تقديم بديل مقنع لجميع السوريين”.

ويردف أنه “بعد مرور كل هذا الوقت، بات من المؤكد أن هناك جزءاً لا بأس به من السوريين غير واثق أن انهيار النظام سيؤدي لما هو أفضل لهم، خصوصاً بعد ظهور داعش وقطع الرؤوس والرجم وما إلى ذلك. وفي الطرف الآخر، يجب أن يقتنع الجميع بأن الأغلبية الساحقة من السوريين لن تعود مرة أخرى تحت سيطرة هذه العائلة (الأسد)، لأن حملة الانتقام التي حدثت بعد كسر ثورة حماة في عام 1982، يتذكرها جميع السوريين. بالتالي لو استطاعت هذه العائلة السيطرة مرة أخرى على سورية، فإن الكثير من السوريين سيعيشون تلك المأساة مجدداً”.

وحول اعتبار أن “ما يجري من ربيع عربي وثورة سورية يستهدف الوجود المسيحي في المشرق العربي”، يُبدي البني اعتقاده بأن “النظام وحلفاءه كإيران وروسيا، لهم مصلحة في بثّ هذه الشائعات، غير أنه سيكون من السذاجة التصديق أن كل هذه التضحيات التي قدمها الشعب السوري، لم تكن للخلاص من عائلة جرفت اقتصاد الدولة وارتكبت الأهوال بحقه، أو أن التضحيات لمصلحة أهدافٍ طائفية”. ويضيف “بالأساس تُعتبر كل الأطروحات حول مسيحيي سورية غير منطقية، فهم جزء مهم من سورية”.

وحول المفاوضات التي يجريها المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، مع المعارضة ورأيه في بعض الحلول المطروحة، يعتقد البني أنه “بعد كل الذي جرى من مجازر، كما حدث في دوما، يصبح من الصعب الحديث عن حلول تعطي للسوريين ثقة بأن سورية ستعود لهم. لذلك عندما يحسم المجتمع الدولي أمره بأن يجري ترحيل رأس النظام وكبار قادته، حينها يُمكن للمعارضة الحوار مع من يتبقّى من النظام. وأرى أن أي انهيار مفاجئ للنظام لن يعطي نتيجة أفضل مما نحن عليه الآن، إذ عندها ستقع سورية بالفعل تحت سيطرة داعش والنصرة وبقية التنظيمات، وسيُصبح معها التدخل الخارجي العربي والدولي مستحيلاً، ونغرق في بحيرة من الدماء وسط فوضى عارمة وكاملة”.

ويعتبر البني أن “مبادرة دي ميستورا تحمل ما أعنيه بأنهم، أي الدول الكبرى، لم يصلوا بعد إلى قناعة بوجوب فرض الحل المطلوب، فالبيان الرئاسي من مجلس الأمن الدولي لم يحمل صفة التوصل لتفاهمات حول ضرورة وقف شلال الدم السوري”. ويتساءل البني “ما المانع من أن يصدر مجلس الأمن قراراً ملزماً تحت البند السابع؟ ما يعني بأنهم غير جاهزين بشكل جدّي لفرض الحل”.

بناء على ما تقدم يرفض البني فكرة الطرح الإيراني تحت تسمية “خطة لتعديل الدستور”، ويعتبر أن “ذلك يعني ترسيخ طائف سوري، يُبقي أذرعاً إيرانية في سورية، مثلما هي عليه في لبنان والعراق، ومذهبة الحلول. ويكون دور هذه الأذرع الإبقاء على التوتر الطائفي، وعلينا كعاقلين سوريين أن نرفض أي دستور طائفي، بل المُطالبة بدستور محايد بعيد عن الطائفية والقوميات”.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى