صفحات سورية

وليد المعلم متحدثاً


هيثم المالح

يوم أمس الأول ملأ شاشة التلفاز السيد وليد المعلم وزير الخارجية،في حواره مع صبية جميلة،وكان يبدو كعادته هادئاً واثقاً من نفسه متماسكاً ،يرمي من وراء حواره إرسال رسالة لشعبنا العظيم في انتفاضته التي دخلت في أسبوعها التاسع،في سعي منه لإحباط الشارع وتثبيط همة شبابه الميامين.

وليسمح لي المعلم أن أعلق على حديثه بعد ان أضع أمامه نقاطاً هامة:

1- في مرحلة الاستعمار الفرنسي في سوريا كان المتظاهرون يملؤون شوارع المدن السورية ،والإضرابات والاحتجاجات مستمرة إلا أن جيوش المستعمر وشرطته وأمنه لم تدخل مساجدنا عند ملاحقة المتظاهرين الذين كانوا يحتمون بها، ولا قتلوا المصلين،واحترموا حرمة المدارس فلم يلاحقوا الطلاب إلى داخلها حين كانوا يحتمون بها ولعل أخي المعلم يعلم هذا فهو قريب مني في السن .

2- عقب خروج الاستعمار الفرنسي من سوريا بدأت تجربة حكم ديمقراطي لم يلبث أن انقض عليه ضابط في الجيش السوري –حسني الزعيم- مدفوعاً من السفارة الأمريكية لينهي هذه التجربة، ويبدأ نظام عسكري استبدادي “ومن لا يعرف ذلك بإمكانه العودة إلى كتاب لعبة الأمم لمايلزةكوبلاند” وكان من أهداف الانقلاب توقيع اتفاقية التابلاين وإجراء مفاوضات مع الكيان الصهيوني في فلسطين ،وبعد أربعة أشهر ونصف وقع انقلاب آخر وتتالت الانقلابات العسكرية ،ودعم الغرب جميع هذه الأنظمة الاستبدادية في سوريا كما في المنطقة العربية،وأحيل السيد المعلم إلى كلام جورج بوش” ولد أبيه” في أواخر ولايته الثانية حين صرح أنهم دعموا الأنظمة الاستبدادية في المنطقة لستين عاماً،وسارت دول الخليج في ركاب الولايات المتحدة في دعمها للأنظمة الاستبدادية.

في عام 1964 قامت حركة احتجاج ضد السلطة في مدينة حماه حين كان عبد الحليم خدام محافظها،وزحفت قطعة من الجيش فقصفت جامع السلطان وهدمت منارته في حين كان رئيس الدولة أمين الحافظ .

4- في عام 1965 اعتصم مصلون محتجون في المسجد الأموي وأغلقت متاجر في دمشق أبوابها ،فما كان من الضابط سليم حاطوم إلا أن أقتحم المسجد الأموي بآليته العسكرية وأطلق الرصاص على المصلين العزل،في حين اقتيد الآلاف منهم إل سجن مزه العسكري،ونصبت محاكمات رأسها الضابط صلاح الضلي ،وأعلنت نقابة المحامين الإضراب وكذلك المؤسسة القضائية ،حين كنت قاضياً للصلح في دمشق ،وأعتلى شرفة قصر الضيافة رئيس الدولة أمين الحافظ وخطب قائلاً “أن النساء تلدن كثيراً،سنقطع أرجلهم وأيديهم ونرميها للكلاب000″ هكذا كان توجه قائد الدولة آنذاك،وتمت مصادرة العديد من المحلات التجارية والشركات ،وأمعنت السلطة في استعمال العنف في مواجهة الاحتلال السلمي ،في حين لم ينبس العالم كل العالم ببنت شفه على ما حصل في تلك الأيام.

في الخامس من حزيران 1967 وبعد أن دمر طيران الكيان الصهيوني القواعد الجوية في مصر وسوريا خرج الجيش السوري من المعركة بعد أيام،ثم أعلن وزير الدفاع حافظ الأسد سقوط القنيطرة قبل سقوطها الفعلي بأربع وعشرين ساعة وأمر الجيش بالانسحاب الكيفي ،كل ذلك ثابت في القيود الرسمية لوزارة الدفاع ويمكن الرجوع إليها،وأصيبت الأمة كلها من المحيط إلى الخليج بخيبة أمل وإحباط لم يسبق لها مثيل ومات أناس بالسكتة القلبية000إلخ وفقدنا الجولان منذ ذلك التاريخ،ثم انقلب حافظ الأسد على سلطة رفاق السلاح وتسلم رئاسة الدولة .

كانت إستراتيجية حافظ الأسد خلال حكمه هي إطلاق يد أعوانه وطاقم حكمه في كل شيء من اجل الحفاظ على سلطته وتعاون مع تجار وصناعيين من أجل ذلك وانفرد بالسلطة بصورة لم تعهدها البلاد سابقاً.

حين وفاة الرئيس حافظ الأسد تسلم”دستورياً” عبد الحليم خدام رئاسة البلاد ،وكان” بيل كلينتون” رئيساً للولايات المتحدة الذي اتصل بنجل المرحوم الدكتور بشار الأسد معزياً بوفاة والده،في حين لم يعر عبد الحليم خدام أي اهتمام ولم يتصل معزياً كما هو المفروض في هذه الحالة،وشاركت السيدة وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت في التشييع ،وبعد انتهاء المراسم اختلت بالدكتور بشار الأسد ثم صرحت بأنها تثمن الانتقال السلمي في السلطة في إشارة للدعم الدبلوماسي الأمريكي لهذا الانتقال.

حتى هذا التاريخ لم يشر أحد من مسؤولي السلطة إلى وجود اي ضغوط على سوريا .

أعود الآن لألقي الضوء على حديث السيد المعلم.

أن أهم ما تحدث به بعد أن وضع ما يسمى الضغوط الخارجية” على سوريا” في موقعها الهام من خطابه،فهو قد:

أ‌- اعتبر المحتجين في الشارع السوري قلة ليست ذات أهمية.

ب‌- واعتبر هذه القلة مرتبطة أو يرتبط بعضها بأجندة خارجية ،كما أن بعضها مسلحا.

ت‌- وأن البعض يراهن على الضغوط الخارجية،وأنه جرى ضبط أسلحة وملاحقة عصابات إرهابية.

ث‌- إن الإصلاح المنشود يجب أن يقوده حصراً السيد بشار الأسد.

وفي هذا نقول له:

أما المحتجون “ياسيادة الوزير” فهم ليسوا قلة وقد انتشروا في سائر المدن والقرى السورية ،وأثبتوا شجاعة وجرأة نادرتين ،فخرجوا بصدورهم العارية يواجهون رصاص الأجهزة الأمنية أول الأمر ثم الشبيحة الذين استحضرتهم هذه الأجهزة من مأجورين وخونة لشعبهم ،وبدأ المواطنون يسقطون صرعى رصاص حكومتكم، في حين تزداد الاحتجاجات وتكبر ككرة الثلج ،ولم يأبه المواطنون للرصاص الذي ينهمر عليهم ثم استعانت حكومتكم بدبابات بعض قطعات عسكرية التي انتشرت في كل مكان ،ثم جرى انتهاك حرمات المنازل والمساجد والجامعات وتمت الاعتقالات بالآلاف كما تم عرقلة إسعاف المصابين،فلو كان الشعب مطمئناً إلى أنه سوف لا يقابل بالرصاص ،ولو كان المواطنون مطمئنون إلى ان حقهم في التظاهر الذي يكفله الدستور سوف لا يقابل بالقتل والاعتقال والتنكيل والإذلال الذي شاهدناه جميعاً على شاشة التلفاز ،لخرج جميع المواطنين إلى الشوارع بدون استثناء بما فيهم النساء والأطفال ،ومن المخجل أن يقول مسؤول ضمن هذه الظروف أن المتظاهرين فئة قليلة وهو يرى ما يجري في الشارع وما تقوم به آلة القمع من ترويع وإرهاب للمواطنين،ويزداد عدد الشهداء يوماً بعد يوم وتغص السجون بألاف المعتقلين.

أما الزعم بأن المحتجين يراهنون على الغرب ،فأود أن اذكر رئيس الدبلوماسية السورية أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة حط بجحافله لإخراج الجيش العراقي من الكويت،وقد شاركت قطعات من جيشنا الباسل مع هذا الغرب في حفر الباطن أو لا يذكر السيد الوزير ذلك؟

عندما يكون الشعب محاصراً من قبل نظام فاشل لا يقدم له أية رؤية لمستقبله ومستقبل شبابه العاطلين عن العمل ،بينما يستولي على معظم دخل البلاد فئة قليلة فاسدة في قمة هرم السلطة فماذا يفعل هذا الشعب ،هل ينتظر الفناء ؟ معلوم لديكم أيها الوزير المحترم أن سوريا عضو في منظمة الأمم المتحدة وفي مجلس حقوق الإنسان التابع لها ،وضمن أنظمة المنظمة فسحة لشكاوى الشعوب من الحكام في مثل حالتنا،فإذا كانت السلطة الحاكمة تقتل شعبها ولا تحترم حقوقه المنصوص عنها في المعاهدات الدولية،فيكون من المبرر للمواطنين التماس الحل بالطرق الدبلوماسية من هذه المنظمات الدولية ،ومن منظمات حقوق الإنسان،وهو حق مشروع لا يعيب هؤلاء الذين ضاقت بهم السبل،وانفلتت عليهم السلطة التي تحكمهم بالحديد والنار لترسل دباباتها وأجهزة أمنها والشبيحة ،واستعمال الآلة الإعلامية لتشويه سمعة المعارضين كل ذلك لإخضاع شعبها بدل أن ترسل الدبابات لحرب العدو .

ثم لا يجوز أيها الوزير المحترم أن تزعم بأن الضغوط التي تمارس حتى الآن هي على سوريا ،في حين أنها ليست كذلك ،فهي على أشخاص تم تسميتهم بالاسم فلماذا هذا الخلط أنني أربأ بشخص في مثل السيد وليد المعلم أن يسلك هذا المسلك ..

والله من وراء القصد وهو المستعان وعليه التكلان .

المحامي هيثم المالح

الأربعاء 25/5/2011

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى