حسين العوداتصفحات سورية

وماذا بعد القصف الجوي؟/ حسين العودات

 

 

ماذا لو حققت قوات التحالف، بالقصف الجوي، جميع أهدافها العسكرية الخاصة بتنظيم «داعش» في سوريا والعراق؟ هل يكفي هذا القصف للقضاء على التنظيم الإرهابي وعلى أمثاله المذكورين في البلدين وفي سائر البلدان العربية الأخرى، بما يحقق انتصاراً لا لبس فيه ينهي التنظيم وأخطاره، ويسمح للجيش الأميركي برفع راية النصر على الإرهاب، وللحزب الديموقراطي بخوض معركة الرئاسة المقبلة متسلحاً بإنجاز عظيم؟

لعل المعضلة المقبلة أمام قوات التحالف هي: ما العمل إذا لم تُهزم قوات «داعش» بعد تدمير كامل الأهداف المقرر تدميرها، خصوصاً أن القصف الجوي لا يحرر أرضاً، ولا يهزم جيوشاً أو تنظيمات مسلحة، حتى لو دمر مواقعها الثابتة وقواعدها الأساسية كلها، كما تتصل المعضلة بالسؤال عمن يملأ الفراغ، لو افترضنا هزيمة «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى في سوريا والعراق، ومن يدير المناطق والمساحات الشاسعة التي تسيطر عليها الآن؟

إن معالجة الأمر في العراق أخف وطأة وأيسر إمكانية منها في سوريا، انطلاقاً من افتراض (غير مؤكد) مفاده أن الجيش العراقي قادر على تحرير المناطق التي تتواجد فيها قوات «داعش» بعد أن ينهكها قصف طيران التحالف، وعلى الحلول محلها وإعادتها إلى الدولة العراقية، وتأمين الظروف المناسبة لحياة طبيعية وآمنة لسكان هذه المناطق، ولكن الأمر الأصعب هو في سوريا بعد رحيل المنظمات الإرهابية المفترض، فمن هي الجهة التي ستدير المناطق التي كانت بيد «داعش» و«النصرة» وأمثالهما؟ هل يعود ذلك لـ«الجيش الحر» أم لجيش السلطة أم لقوات دولية أم لجهات أخرى؟

صرح رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أن الأميركيين (والتحالف) سوف يدربون خمسة آلاف من متطوعي «الجيش السوري الحر» في دول مجاورة، ثم أضاف أن الحاجة تقتضي تدريب ما بين 12 و15 ألفاً تدريباً مكثفاً كي يحاربوا «داعش» ويملأوا الفراغ الذي سوف تتركه بعد رحيلها. وفي ما بعد، عدلت هيئة الأركان الأميركية رأيها وقالت إن القوات التي ستدربها ستنتقيها من مخيمات اللاجئين السوريين في الدول المجاورة وليس من «الجيش الحر». ويعني هذا أن التحالف يراهن على أن تقوم قوات إما من «الجيش الحر» أو من هو في حكمه، أو من المتدربين الجدد، بإجلاء المنظمات الإرهابية من على الأرض بعد الانتهاء من قصفها، وإدارة المناطق التي سوف تتحرر. وفي الحالات كلها تؤكد الولايات المتحدة أنها لن ترسل قوات عسكرية برية للقيام بمثل هذه المهمة أو المشاركة فيها، وستكتفي بالقصف الجوي دون غيره .

هذا ما تعتقده الإدارة الأميركية على الأرجح، لكن واقع الحال يشير إلى أن احتمال نجاح قوات الجيش العراقي وقوات «الجيش الحر» والمتدربين الجدد في القيام بهذه المهمة المفترضة ليس مؤكداً، فكل من هذه القوى يواجه مصاعب عديدة كنقص الخبرة، ونقص التسليح والتجربة العملية على الأرض، وتعدد مراكز اتخاذ القرار في قيادتيهما، فالجيش العراقي تشاركه في اتخاذ القرار الميليشيات التي تحارب معه، والجيش الحر يتشكل من عديد التنظيمات غير المنسجمة كلياً، إن لم تكن متناقضة، ولكل منها مرجعية سياسية مختلفة، ومن الصعب إدماجها في تنظيم موحد منسجم، مركزي القيادة والقرار، ومحدد الأهداف. وإذا فشل الجيش العراقي و«الجيش الحر» ومثلهما القوات التي سيتم تدريبها في أداء المهمة المطلوبة هذه، فعندها لا مفر من تدخل قوات التحالف البرية الأكثر خبرة والأفضل تسليحاً لتقوم بمهمات محاربة «داعش» و«النصرة» وسد الفراغ بالحلول محلها كقوة احتلال، وهذا ما تتجنبه السياسة الأميركية حتى الآن، وكل ما صرح به الرئيس الأميركي قبل أيام هو أن مرحلة الانتقال من الدفاع إلى الهجوم قد بدأت وأرسل ألفا وخمسمئة «مستشار» إلى العراق. وفي الخلاصة، لا شك في أن السياسة الأميركية حائرة الآن، أمام هذه الفرضيات، بين التدخل وعدمه، فإذا تدخلت قوات التحالف البرية فستواجه صعوبات عديدة ، على رأسها أن شرائح كبيرة من المجتمع السوري والعراقي والعربي بل والدولي ستعتبر هذا التدخل غزواً صريحاً، مهما كانت أهدافه ومبرراته المعلنة، وستجد من يقول إن البلدين تخلصا من مصيبة الإرهاب ليقعا تحت نير الاحتلال. كما سيلاقي هذا التدخل العسكري رفضاً من تيارات عدة في المجتمع الأميركي نفسه، إضافة إلى مجتمعات بلدان التحالف. فأغلب شعوبها لا تقبل تدخل جيوشها عسكرياً في شؤون الدول الأخرى، سواء أكان ذلك لأسباب معنوية أم سياسية، أم لأسباب تتعلق بالخسائر البشرية والاقتصادية المتوقعة نتيجة هذا التدخل. ثم إنه من غير المضمون أن يشارك عديد من دول التحالف في أي حرب برية محتملة تشنها الولايات المتحدة، فقد صرح الرئيس الفرنسي مثلاً أن طيرانه لن يقصف مواقع خارج العراق (أي في سوريا)، كما وافق مجلس العموم البريطاني على الاشتراك مع التحالف بشرطين شدّد عليهما وهما ألا يتحول هذا القرار إلى تدخل عسكري بري بأي حال من الأحوال، وأن لا يقصف الطيران البريطاني أهدافاً في سوريا. فإذا كانت هاتان الدولتان الكبريان قد رفضتا المشاركة في الغزو البري فكيف بدول أخرى ثانوية كان دخولها في التحالف مجرد (سد ذرائع ورفع عتب)؟هذا في حال التدخل، أما في حال عدم تدخل القوات البرية، فستبقى «داعش» غالباً دولة شرق أوسطية جديدة، ما يعني أن الأزمة الأميركية قائمة في حالتي التدخل وعدمه.

تشكل هذه المصاعب عقبات كبيرة أمام القوات الأميركية وقوات التحالف لتحقيق الأهداف المعلنة، وعلى رأسها هزيمة «داعش» التي يبدو أنها لن تتحقق إلا بالغزو البري. ولذلك، ليس من المستبعد، تفادياً لهذه الصعوبات وتجنباً للفشل، ورضوخاً لضغط الكونغرس الجديد ذي الأكثرية الجمهورية والرؤوس الحامية، أن تقرر الولايات المتحدة وبعض دول التحالف الأخرى أسلوباً جديداً لمحاربة الإرهاب قبل أن تستنقع الحرب ضده وتدور في حلقة مفرغة، وقبل أن تدفع إدارة الرئيس أوباما وحلفاؤها متأخرين ثمن الأخطاء التي ارتُكبت عند عدم محاولتها الإسهام بجدية في حل الأزمة السـورية في مراحل مبكرة، قبل أن تستفحل وتولّد منظـمات إرهابية عدة ملأت الفضاء السوري والعربي وتغولّت، وصار القضاء عليها يحتاج لتحالف دولي عسكري وسياسي عريض علماً بأن غموض الاستراتيجيا الأميركية وترددها قد يكون أمراً مقصوداً، ريثما تنهي الإدارة من حل مشاكل أخرى لها الأولوية، حتى لو بقيت المنطقة مضطربة وبحالة فوضى لزمن طويل قادم.

إن السياسة الأميركية الحائرة وقصيرة النظر تدعو للشك بنجاحها، ذلك لأنها لا تؤمن بقوى الداخل، أو على الأقل لا تريد أن توكل أمر محاربة الإرهاب لهذه لقوى في البلدين، سوريا والعراق، وتكتفي بدعمها دعماً سياسيا وعسكرياً. يبدو أنها تفضل، كما هو نهجها التقليدي، الحلول الجاهزة التي تؤهلها للفوز بقصب السبق من دون شريك، وتعمل على توظيف ذلك الفوز في سياستها الداخلية، خصوصاً الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد سنتين.

السفير

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى