صفحات العالم

وهكذا لا تأتي ساعة بنغازي في سوريا


فاتح عبدالسلام

النجاحات التي تحققت في سياق الربيع العربي، وما نتج عنها من إزالة أنظمة سياسية ما كان المواطن يحلم بتغيير هامشي فيها، شجّع القراءات الخاطئة أو قراءات الهواة علي الظهور سريعاً عند معالجة الحالة السوريّة. ولعلَّ نسبة الشبه الكبيرة التي كانت لدي مَنْ سقطوا مع مَنْ لا يزال يحكم في دمشق ما يجعل القراءة مبررة نسبياً لدي كثيرين.

كانت الأزمة تشتد في تونس ومصر وليبيا واليمن ولا تبلغ نقطة قصم الظهر إلاّ بإعلان واضح من واشنطن لا سيما علي لسان الرئيس باراك أوباما بأنَّ علي الزعيم العربي الفلاني التنحّي. وكأنَّها كانت كلمة سحرية إذْ يتداعي النظام في إثرها يوماً بعد يوم ثمَّ يسقط نهائياً. غير إنَّ أوباما أطلق كلمة التنحي في وقت مبكر من اندلاع الأزمة السورية من دون أنْ يكون لها أثر يذكر، والسنة تشارف علي الانتهاء. ما أوهن وضع أوباما إذن الآن؟ ذلك تساؤل علي الشفاه هنا وهناك.

واندفع العرب الي خيارات مشابهة لما تعاملوا به مع أنظمة عربية أخري قبل أن يتبينوا أنّ هناك مسافة فارغة وعميقة لم يتم تجسيرها بينهم وبين الدول الكبري المنقسمة إزاء الحل في سوريا، وأنَّ طردهم سفراء دمشق من عواصمهم لم يتوافق مع امكانية الاعتراف بممثلين بدائل لهم يمثلون الجانب السوري في ظل انقسام واضح داخل الجناحين السياسي والعسكري من المعارضة.

والعلاقة بين العرب وسوريا صارت تشبه كالذي يقول لشخص بأنّني سأقتلك ولا يقتله مما يجعل ذلك الشخص يتحفز لقتل مَنْ هدّده من دون تأخير وفي نفسه يقين بأنَّ عدوه عاجز. إذا لم تكن تستطيع قتل شخص ما لأنه يمتلك عناصر قوة فمن الغباء أن تهدّده بالقتل. كان ينبغي أن تكون كلمة التنحي تعني معناها وكان علي قرارات العرب أنْ تجد مساحة تأثير لها علي الواقع الحكومي السوري، فالحديث عن ممرات آمنة للمساعدات يعني ان الخيار العسكري الدولي يتجسد علي الأرض لحماية الممرات. وهذا لا يمكن بحثه في جلسات علنية إذا كانوا جادين في تنفيذه. وقريباً من ذلك، لا ننسي الفتور التركي حيث كانت أنقرة صاحبة الفضل في أن تكون ظاهرة صوتية مبكرة في التنبيه إلي العنف غير المسبوق في سوريا. وليس ثمّة دور أكبر أو أخطر من ذلك حتي الآن، فتركيا لم تطرد السفير السوري ولم تسحب سفيرها من دمشق حتي الآن.

ما فائدة إطلاق دعوة التنحي المهلهلة واستعجال العرب بقرارات غير قابلة للتحقق والنفاذ إذا كانت النتيجة حتي الآن هي إنَّ نظام دمشق لا يزال يمتلك سلاحين قويين يضرب بهما من دون الالتفات الي ما يجري خلفه، سلاحه الأول قوته الأمنية والعسكرية وقناعته بأنَّها كافية وقادرة علي إبادة الاحتجاجات وما جلبته من رفض عارم له. وسلاحه الثاني إيجاده جبهة دولية تقودها روسيا وخلفها الصين، ومن بعيد إيران في حشر الولايات المتحدة في زاوية دولية لا تحسد عليها. مثلما بات الشعب السوري محشوراً في زاوية دموية كارثية لم تمر علي بنغازي يوم أنقذها طيران الناتو في آخر ساعة. لكنَّ السوريين سيكونون في النهاية سوريين في صنع حريتهم.

الزمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى