صفحات العالم

ويقلب أولويات دمشق…/ بانجامان بارت

 

 

في هجوم سريع، استرجع تنظيم «داعش» مدينة تدمر، في 11 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، بعد 9 أشهر على طرده منها على يد الجيش السوري وحلفائه من القوات الروسية والميليشيات الشيعية. ويعيد سقوط تدمر إلى الأذهان سقوطها السابق في أيار (مايو) 2015: فاجتياحها اليوم كان سريع الوتيرة على ما كان عليه في العام السابق، شأن سرعة انهيار القوات الحكومية والقوات الموالية لها وانسحابها وترك سكان المدينة لمصيرهم في أيدي الجهاديين.

وتقدم «داعش» يوقف سلسلة انتصارات حققتها القوات الموالية للنظام السوري في ضواحي دمشق حيث قوضت تهديد جيوب الثوار أو في حلب. ويسلط الضوء على ضعف القوات السورية النظامية المتهالكة على وقع 5 سنوات من الخسارة وانشقاق جنودها عنها، وتقهقرها في المعارك حين لا يدعمها مقاتلو الميليشيات الشيعية الأجنبية. ويبدو أن «داعش» اقتنص فرصة سنحت إثر سحب وحدات حكومية ونقلها إلى حلب. ودرجت هذه الوحدات على حماية حقول الوقود- نصف الانتاج السوري- التي سقطت اليوم في أيدي «داعش».

وأعلنت قيادة الجيش السوري أن رجالها انسحبوا من تدمر انسحاباً منظماً حرصاً على رعاية عملية إجلاء السكان. ولكن الجيش هذا ترك وراءه ترسانة ذخائر وأسلحة من مدفعية وصواريخ مضادة للدبابات وصولاً الى عشرات المركبات المصفحة. ولطالما انتشر «داعش» في جوار تدمر، وتحرش دورياً بالقوات الحكومية. فعلى بعد 250 كلم منها، رابط في جوار مدينة دير الزور حيث يحاصر المنطقة الواقعة تحت سيطرة دمشق. وفي جوار المدينة هذه، يعزز التنظيم دفاعاته ويستقبل المقاتلين الوافدين من مناطق أخرى. فقوات «داعش» تلجأ الى دير الزور حين انهيار مراكزها الأخرى.

لكن عودة رافعي الرايات السود الى تدمر تهدد بزعزعة خطط معسكر مؤيدي الأسد حين يحكمون القبضة على حلب. والخطط هذه كانت أمام خيارين: إما التوجه نحو الباب والانقضاض عليها، وهي المدينة الواقعة على بعد نحو 50 كلم من شمال شرقي حلب وهي في يد «داعش»، وإما الزحف نحو إدلب، في جنوب غربي سورية حيث يهيمن «جيش الفتح».

واليوم، على دمشق حسم أمرها وإرجاء مثل هذه الخطط وتوجيه قواتها الى تدمر لتفادي ترسيخ الداعشيين أنفسهم في المدينة وزرع الألغام على تخومها. وإذا أرجأت هذه العملية الى وقت لاحق، غامرت بإفساح المجال أمام «داعش» لتدمير ما تبقى من الآثار الأغريقية – الرومانية المدرجة في التراث الانساني العالمي. وحين سيطر التنظيم على المدينة القديمة من أيار (مايو) 2015 الى آذار (مارس) 2016، فخخ جنود «الخليفة» عدداً كبيراً من المنشآت الأثرية مثل معبدي بل وبعل شامين، وتركوا غيرهما من الأثارات البارزة على حالها. ولم يكن في الإمكان استعادة المدينة في آذار المنصرم من غير حشد قوات من الجيش النظامي و «حزب الله» اللبناني والحرس الثوري الايراني. وكانت مساهمة روسيا راجحة في قلب موازين القوى من طريق شن عشرات الضربات الجوية على جبهات الداعشيين ومواكبهم البرية. لذا، نظم احتفال موسيقي كلاسيكي شارك فيه من بُعد الرئيس الروسي، وبثت كلمته بالفيديو. ويبث «داعش» تسجيلات فيديو من تدمر تظهر المواقع العسكرية التي أخلتها القوات النظامية وفيها شارات ولافتات توجيه بالروسية. وشأن القوات السورية، لم تملك القوات الروسية المرابطة في المدينة، وعديدها يقتصر على عشرات الجنود، غير الانسحاب السريع. وفي بيان صدر في 11 الشهر الجاري، ألقت وزارة الدفاع الروسية شطراً من مسؤولية سقوط تدمر على الغربيين. فـ «داعش»، «نقل قسماً من قواته في الرقة الى تدمر، إثر تعليق قوات الائتلاف الدولي والأميركي القصف ضد الإرهابيين. ونقل احتياطي «داعش» من المركبات المصفحة الى دير الزور.

* مراسل، عن «لوموند» الفرنسية، 13/12/2016، إعداد منال نحاس

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى