صفحات الحوار

ياسين الحاج صالح للرأي العربي: النظام يتصرف كشبيح …. الثورة لن تخمد أو تتراجع.


ياسين الحاج صالح  ولد في الرقة عام 1961، اعتقل في العام 1980 على خلفية انتسابه للحزب الشيوعي السوري المكتب السياسي، وبقي من دون محاكمة حتى العام 1994 حيث حكمت عليه محكمة أمن الدولة ب15 عاما وقضى عاما اضافيا بعد انتهاء حكمه من دون مبرر قانوني. يعتبر من أهم الكتاب السوريين اليساريين في الصحافة العربية حيث يكتب في جريدة النهار والحياة ونييويورك تايمز  وفي العديد من المواقع على الانترنت متل الحوار المتمدن والرأي. ياسين الحاج صالح ممنوع من السفر منذ العام 2005 وحتى هذا اليوم. يعتبر ياسين الحاج صالح من أكثر المفكرين اليساريين تواصلا مع الشباب السوري في الشارع وعلى الانترنت وقد شارك في تظاهرات دوما أثناء الثورة السورية 2011.

كثيرا ما يتم الحديث عن النظام السوري بوصفه حالة متميزة تختلف عن بقية الأنظمة العربية. ما هي هذه الخصوصية التي تميز النظام؟ و كيف تؤثر هذه الخصوصية على مسار الثورة السورية؟

للنظام السوري خصوصية مركبة تجمع، في تقديري، بين “النهج الممانع”، وحاكمية المخابرات، والحكم العائلي. حدس المرحوم حافظ الأسد، مؤسس النظام، أن من شأن الجمع بين سياسة أكثر استقلالية وأقل صدامية حيال الغرب وإسرائيل أن تضمن استقرار نظامه وقبولا دوليا به أكثر مما تضمنه سياسة صدامية أو سياسة أخرى خانعة، هذا فوق ما توفره للنظام من شرعية داخلية ومن فرص لدور إقليمي. فإذا حكمنا بالنتائج، نرى أن هذا الحدس صائب جدا، ومثمر أكثر مما تأتى عن سياسة النظام البعثي السوري قبل 1970، وقد كان صداميا حيال الغرب، أو مما تأتى من سياسة مصر السادات ومبارك، وقد كانا خانعين للغرب، فضلا عن دول الخليج التابعة بدورها. والثمرة الأهم للمزج بين هذه السياسة وسلطة المخابرات في الداخل هي الاحتفاظ بالحكم مدى الحياة، ثم النجاح في تحويل الجمهورية إلى مملكة وراثية. وكان المؤسس عارفا منذ البداية أن المهم في بلد مثل سورية كان شهيرا بانقلاباته العسكرية ليس الوصول إلى الحكم، بل الاحتفاظ به، فكان أن شيد أجهزة أمنية متنوعة، يقوم عليه ذوو ثقته. وقد منحت حصانة مطلقة في التعامل مع عموم السوريين. وهي بالفعل منبع للخوف العميم لا للأمن العام، على ما يوحي اسمها.

خصوصية النظام  السورية تتكون من التقاء هذه الركائز الثلاثة: الممانعة، المخابرات، الحكم الوراثي.

وعلى مستوى التعامل مع الانتفاضة تتظاهر هذه الخصوصية في المزج بين القسوة الرهيبة حيال الاحتجاجات السلمية، واللجوء الواسع إلى التخوين، وفي تصلب النظام وامتناعه عن تقديم أية تنازلات سياسية ذات قيمة. يعلم من أمثلة تونس ومصر، وليبيا واليمن، أن ما يعترض عليه السوريون هو الحكم السلالي والحاكمية المخابراتية، وأنهم لا يرضون بأقل من طي صفحتهما طيا كاملا. لذلك هو عنيف جدا في مواجهة الانتفاضة، ويمكن أن يتسبب بمزيد من المآسي إلى حين سقوطه المحتوم.

هنالك تردد من قبل كثير من الأقليات في الانخراط بالثورة خشية نظام جديد يهضم حقوقها، ما هي حظوظ إقامة دولة مدنية في سوريا، بعد سقوط النظام، تحقق مفهوم المواطنة؟

الحساسية العامة للانتفاضة السورية مدنية وعابرة للتمايزات الدينية والمذهبية. وتطلعاتها إلى الحرية والكرامة والوحدة السورية وطنية ومدنية كذلك. وهي تبطل بقدر طيب سياسة التفريق التي لطالما اعتمدها النظام في الداخل السوري. لقد ظهر المجتمع السوري أثناء الانتفاضة أقل تفرقا وتباعدا مما كنا نتوقع نحن الذين كانت المشكلة الطائفية تشغل بالنا كثيرا. وبينما قد يكون من المبالغة القول إن مشاركة السوريين في الانتفاضة متجردة عن أصولهم وأنسابهم، فإن من الضلال التام وصف الانتفاضة بأنها سنية. و إلا توفر الانتفاضة سبب قويا لأي كان ممن ليسوا معها كي يقفوا ضدها، ومنذ بدايتها هناك مشاركات مهمة جدا من بيئات متنوعة الأصول، تجعلها انتفاضة وطنية سورية جامعة. ولا ريب أن من شأن اتساع هذه المشاركات أن يضمن مستقبلا أكثر مدنية لسورية. الانتفاضة تصنع مستقبل سورية، والمشاركة المتنوعة في الانتفاضة هي الضمان في أن تكون سورية ما بعد الانتفاضة أكثر تنوعا ووحدة.

ولا أرى مبررا قويا للانشغال بمخاطر دولة دينية في سورية. هذا مستحيل. وأنا على يقين أن السوريين سيكونون أكثر حرية ومساواة وأخوة، أي مواطنة، بعد طي صفحة النظام الحالي. وإن كنت أرجح أن البلاد ستمر بمرحلة مضطربة لسنوات بعد زوال النظام. لكن ستتاح فرصة أكبر لشرائح أوسع من السوريين لإسماع كلمتهم في شأنهم العام وفرض حضورهم ومشاركتهم، والتمرس بالمصاعب والتحديات التي ستواجه بلدهم.

كيف تقيم أداء المعارضة السورية، وهل هنالك إمكانية لتشكل جبهة تستطيع أن تكون مؤثرة و ناطقة باسم الثورة؟

كان أداء المعارضة التقليدية متفاوتا، لكن أقرب إلى الخمول في جملته، إن على مستوى الدعم السياسي للانتفاضة، أو على مستوى تشكيل “جبهة موحدة وناطقة باسم الثورة” كما يقول السؤال. جذر المشكلة سياسي. ليس كل المعارضين حاسمون في موقفهم إلى جانب الانتفاضة. بعضهم يراها قوة ضغط على النظام، ربما تثقل وزنهم وتتيح لهم فرصا سياسية أفضل. وبعضهم مستعجل إلى إعادة الحياة لتشكيلات معارضة قديمة في سياق نهوض جماهيري لا فضل لها فيه. وقلة من يقفون إلى جانب هدف الانتفاضة الأكبر: إسقاط النظام.

ويبدو لي أن فرصة تشكيل جبهة سياسية موحدة داعمة للانتفاضة قد فاتت. المهم اليوم هو عدم تقديم مبادرات للنظام، والدعم السياسي والفكري، والمادي بقدر المستطاع، للانتفاضة.

وعلى كل حال، وبصرف النظر عن تفاوتات المعارضة التقليدية، أقدر أن الانتفاضة تدشن حياة سياسية جديدة في سورية، لن تستطيع تلك المعارضة العيش فيه. يمكن القول إن الانتفاضة بداية نهاية المعارضة التقليدية بقدر ما هي إعلان لنهاية النظام.

في ظل تشابك العلاقات والمصالح في المنطقة وتقاطعها في سوريا، هل هنالك إمكانية لزيادة الضغط الدولي على النظام؟ و كيف يمكن أن يكون هذا الضغط مؤثرا؟

يبدو أن القوى الدولية المؤثرة لا تريد دفع الأمور نحو القطيعة مع النظام من باب الحفاظ على قدرتها على التأثير عليه، والحيلولة دون تصرفه هو بطريقة القطة المحاصرة. هذا أمر مفهوم. لكن الخطوة التالية في تصعيد الضغط الدولي قد تكون قرارا من مجلس الأمن يدين النظام السوري، ويحاصره أكثر سياسيا ودبلوماسيا. وهو ما يحول دونه حتى اللحظة الموقف الروسي.

على أن الشيء الأساسي دوما هو تصاعد الانتفاضة واكتسابها مزيدا من الزخم. قيمة الضغط الدولي لا تتمثل في تأثيره المباشر على النظام، وإنما بخاصة في كونه فرصة لتسليط الأضواء على الأوضاع السورية، ووضع انتفاضة الشعب السوري أمام عيون الناس في كل مكان، وفضح التعامل الإجرامي للنظام مع محكوميه. وهو إيجابي طالما ظل بعيدا عن الوسائل العسكرية، وما دامت لا تترتب عليه أية التزامات من قبل أية قوى سورية معارضة حيال القوى الدولية المعنية. أما التدخل العسكري فليس مقبولا سوريا، ولا أراه مطروحا دوليا على كل حال، حتى لو صدر قرار من مجلس الأمن يدين النظام.

انطلاقا من خصوصية النظام السوري وتعقيدات الوضع الإقليمي والدولي من جهة وإصرار المتظاهرين من جهة أخرى، كيف تتصور مآلات الثورة السورية؟

النظام لا يستطيع بحال كسب هذه المواجهة، والانتفاضة لن تخمد أو تتراجع. قد يخلع النظام بعد حين قناع الدولة تماما عن وجهه، ويتكشف عن نواته الميلشياوية الأهلية، التي تتكثف اليوم في “الشبيحة”. هذا يدشن طورا قد يكون مأساويا أكثر في الانتفاضة السورية، لكن ما لا يمكن أن يفوز به النظام، لن تفوز به فلوله، مهما أمكن له أن يكون مؤلما. لكن وضع العامل الدولي مرشح للتغير إذا دخلنا هذا الطور من الأزمة الوطنية.

العامل الدولي منحاز حتى اليوم إلى الحفاظ على الاستقرار في سورية، ويراهن على أن يقوم النظام بإصلاحات جدية تهدئ الأمور في البلد. لكن النظام يتصرف كشبيح، أي كقوة فوضى وعنف. ومع الاستمرار المؤكد للانتفاضة، ربما يتغير دور العامل الدولي إذا اتجهت الأمور إلى الفوضى والانفلات من السيطرة، ليصبح قوة مؤثرة بصورة مباشرة على سير الأحداث داخل البلد. هذا تطور غير مرغوب، وآمل أن تتمكن الانتفاضة من ضبطه والحد منه. أسوأ السنياريوهات عموما هو الذي قد يلتقي فيه النزاع الأهلي بالتدخلات الخارجية المباشرة. وأفضلها تغيير تفاوضي، لكن حقيقي، للنظام. هذا قد يحصل حين تقتنع جهات مؤثرة داخل النظام بأن هذا لا يمكن أن يكسب المعركة مع الانتفاضة، فتفضل تسوية تخسر بمحصلتها أشياء على سقوط كامل بنتيجته كل شيء.

الرأي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى