صفحات الثقافة

يحدث دوماً


أوغار

1

يحدث دوماً: الخوف ألاّ تكون أنتَ نفسكَ: عاطلاً عن الإختلاف.

يحدث دوماً، الشيء ذاته مرةً أخرى، من جديد: الخوف ألاّ تكون أنتَ، الخوف أن تبقى كما أنتَ دوماً: لا أنتَ. أن لا ترى سوى العالم هو الخوف، خوف مر. أن تخاف ذاتكَ. الخوف أن تخاف من نفسكَ، أن تخشى سماع دمكَ ورغباتكَ العجلى من رصاص، أن تعجز عن خطوة ضرورية أو إضافية لازمة للتكوين.

2

نحاصرأنفسنا بأطواق، نأسر أنفسنا بقوالب، نرمي حتى أجسادنا في هذا الذي اسمه “عقيدة”، “مبدأ”. وهلمجرى، إلى الخذلان وسجون العادات المقدسة غير السرية.

كل ما نقدسه يتحوّل سجناً لأرواحنا، لنفوسنا، لأجسادنا البريئة أيضاً. هذا الذي نحبه فوق كل شيء يتحوّل سجّاناً، معتقلاً، يفعل بنا ما لا يفعله سوى الأعداء.

هل نحن ضحايا مقدساتنا، ضحايا أوهامنا وضحايا لما نحبّ؟

كأننا عبيد ما نحبّ وما نقدّس. كل مقدّس قيد، مهما يكن المقدّس وأيّاً يكن. الحقيقي أن نقدّس أرواحنا ذواتنا حريتنا، الحرية أن نحترم أرواحنا الحرة، أن نحترم كوننا أحراراً في كل شيء، وأن لا شيء يمنعنا من مطلق سلوك أو كلام أو فكر، سوى الخوف من أذيّة الآخرين أو أنفسنا بالمبالغة والتجاوز في السلوك والكلام إلى حدود الإلغاء والتطاول على الذات والآخر. لذا لا بد أن تكون الحرية عاقلة وإنسانية محبة.

3

يحدث الشيء ذاته، الشيء ذاته يحدث دوماً، لكننا نختلف دوماً في تأويله، في فهمه أو نطقه، لذا نختلف في تسميته، التسمية خلق جديد.

دوماً نختلف، اختلافنا هو الذي كوّننا، كوّن كل شيء فينا وفي الآخر، الإختلاف أسّس الحضارة، اختلافنا هو الحضارة.

 لو اتفقنا على هذا الذي يحدث دوماً لما “حدثت” الحضارة، لما خُلقت. لذا كان الإتفاق بمعنى التشابه والتقليد. على الرغم من أنه يشير إلى السلام، فهو من جانب آخر يؤدي إلى العدم، التشابه عطالة، سكون، يحيل على موت، على الموت الكبير.

لا تكن كسواكَ. لا تكن إلا أنتَ. لا تكن كالآخر. هنا يكون الآخر هو الجحيم، لكنه الآخر الضروري المختلف الذي لا نكون إلاّ عبره، لا نوجد إلا بوجوده. علاقة نفي تثبت وجودنا في أقصى وجوده وإثارته، الوجود الفريد، الذي ليس كمثله وجود أو شيء. الفرادة التي تعني الفعل في العالم من منطلق الإختلاف.

كن أنتَ أنتَ وكن أنتَ الفريد في وجودكَ، لأنه إن لم تكن أنتَ أنتَ فلن يكون العالم آخر، لن تفعل، لن يتجدّد العالم منكَ وبكَ، سيتقدّم العالم خطوة أو ذرّة نحو العطالة نحو التشابه والملل، ستكون مُقلّداً مستهلكاً، ممتنعاً عن الإبداع، عاطلاً عن الإختلاف.

كن كما لو أنه لا مثيل لكَ، كن مثل لا أحد.

(جرمانا دمشق، في وقت ما من الثورة، ربما الشهر التاسع)

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى