بيانات الانتفاضة

يحدث في مدينة التل


    منذ الإعلان عن البدء الانتفاضة على هذا النظام الاستبدادي الفاسد في الخامس عشر من آذار، سجل شباب مدينة التل بَصمَتهم الأولى عندما تم اعتقال خمسة شبان منهم داخل حرم المسجد الأموي بدمشق في الثامن عشر من آذار. ومع تصاعد أعمال العنف التي قام بها النظام ضد أهالي مدينة درعا هب شباب مدينة التل للتضامن معهم، فكانت المظاهرة الأولى في الخامس والعشرين من شهر آذاربمثابة إعلان من مدينة التل عن بدء طريقها الجديد إلى الحرية.

    تستوقفنا مدينة التل عند مغادرتنا مدينة دمشق متجهين شمالاً على بعد أربعة عشر كيلو متراً. لم تسمى المدينة بالتل على ما يبدو لأي سبب غير جغرافي، حيث تميزها جغرافيتها الجبلية المتدرجة التي أثرت على توضع بنيانها وعلى طبيعة أهلها… وتعتبر مدينة التل الحالية تجمع سكاني حديث تطور بسرعة ملحوظة، حيث نشأت المدينة على بقايا ثلاثة قرى تاريخية هي القسيمية والبطيحة وقواصر.

وكما اعتبرت مدينة التل العمق الاستراتيجي لتحركات الثوار ضد الاستعمار الفرنسي من دمشق والغوطة، كانت التل من بين المدن الأولى التي خرجت عن صمتها معلنة الوقوف في وجه ممارسات هذا النظام الجائر والنضال في سبيل رفع الاستبداد عن بلدهم ونيل حريتهم من محتل لا يختلف كثيراً عن سابقيه إلا في كونه أحد أبناء هذا البلد؟؟؟؟؟؟

 ما ميّز أول مظاهرة  أنها حدثت دون تنسيق أو ترتيب مسبق، فبعد الخروج من صلاة الجمعة تعالت بعض الصيحات التي تطالب بمناصرة أهالي مدينة درعا، وتنادي بالحرية، معلنةً انتهاء الخوف، وما هي إلا دقائق حتى تجمع ما يزيد على أربعة آلاف متظاهر، جابوا المدنية بكاملها، ومع وصولهم إلى مدخل المدينة الرئيسي وصلت عناصر الأمن والشبيحة، عندها توقف المتظاهرون ليدلوا بمطالبهم، لكن قوات الأمن لم تمنحهم ولو حتى فرصة صغيرة للهرب من خلال تفريق جمعهم بالضرب والاعتقال لمن يقع في يدهم، وكانت حصيلتها اعتقال عدد لا بأس به من المتظاهرين، كانت هذه المظاهرة صفارة البدء لهذه الثورة في مدنية التل. حيث تتالت بعدها أيام الجمع المقاومة، وتتالى معها خروج المتظاهرين مترافقاً معه القمع المتكرر من قبل رجال الأمن والشبيحة.

    مع تقدم الحراك قرر ثوار مدينة التل الالتحام بثوار منطقة برزة بعد القمع الكثيف الذي تعرضت له برزة، وذلك من خلال مظاهرة تنطلق من التل، وتم ذلك في جمعة 22/4/2011، لكن قوات الأمن تعرضت لهم  عند قرية معربا وتم تفريق المتظاهرين بشكل همجي فلم تكتمل اللوحة، لكن الثوار تمكنوا يومها من تهريب ستة متظاهرين مصابين من ثوار منطقة برزة رغم التواجد الأمني الكثيف وإسعافهم إلى مشفى الزهراء في مدينة التل، ولدى معرفة قوى الأمن بالأمر لم تتوار لحظة عن التوجه إلى المشفى مطالبةً باعتقال المصابين، عندها تمت محاصرة المشفى من قبل ما يقارب 1500 ثائر من أهالي مدينة التل مانعين وصول قوات الأمن إلى مرادهم، وتمت معالجة المصابين حيث أجري لبعضهم عمليات جراحية وتم ترحيلهم إلى منازل آمنة في المدينة باستثناء مصاب واحد كانت حالته تتطلب بقاءه في المشفى ثلاثة أيام مما دفع الثوار للتناوب على تأمين الحراسة اللازمة له. لكن قوى الأمن لم تدع الموقف يمر بسلام فقامت باعتقال الأطباء الذي قاموا بمداواة المصابين مع عدد من الثوار الذي وصلت أسماؤهم إليهم ممن كانوا مسؤولين عن التظاهر وبعض الأهالي الذين لا علاقة لهم حيث كان من بينهم بضعة نساء. ذلك للتذكير بإمكانية ممارساته القمعية التي لا ضابط لها، هذا الاعتقال التعسفي دفع أهالي مدينة التل إلى الخروج بشكل أكبر.

 المظاهرة الأكبر كانت في جمعة 29/4/2011 حيث نزل ما يزيد على 6000 آلاف متظاهر و500 متظاهرة وعدد ليس قليل من السيارات في موكب جال مدينة التل دون أن يتعرض لأي تضيق من قبل قوى الأمن، لكنها كانت نية مبيتة للبدء في عملية اعتقال واسعة جداً على مستوى المدينة بأكملها طالت جميع العائلات وذلك بالتنسيق مع أعوانه المخبرين من أهالي المدينة، مع التنويه أن مدينة التل تغص بالكثير منهم على اختلاف مناصبهم في هذا النظام الأحادي الفاسد. حيث بلغ الاعتقال ذروته يوم الأربعاء 4/5/2011 عندما قامت بعض من قوات الجيش بتطويق المدينة من جميع منافذها مانعة الدخول والخروج لأي شخص كان من وإلى المدينة بما فيهم الموظفين الرسميين وطلاب المدارس، مع قطع في خطوط الهواتف الأرضية والنقالة وشبكة الانترنت، مطلقة العنان ليد قوى الأمن الغاشم لاستكمال ما نقصه من أسماء في قوائمه الرخيصة، حيث بلغ عدد المعقتلين في ذلك اليوم فقط ما يزيد على الـ 400 معتقل، مقتنعاً بنجاعة إجرائه في قمع حركة التظاهر في المدينة، ومرسلاً رسالة إلى أهلها بأن قذارته موجودة، ولكن ربما غادرت بعض الأذهان! لكن إرادة الثوار كانت رافضة لأي نوع من أنواع التدجين مرددةً شعارها الأساسي: “بعد اليوم ما في خوف” مؤكدةً مطلبها الرئيسي في إسقاط النظام، وسارت باتجاه هذا الهدف رامية خلف ظهرها كل حالات التهديد المباشر من أزلامه ومن ممارساته الوحشية في بقية المدن السورية.

     لم تقتصر تظاهرات أهالي مدينة التل على أيام الجمع فقط، بل تحول التظاهر إلى حالة ليلية يومية لم يعط من خلالها المتظاهرين أي لحظة هدوء أو راحة لقوى الأمن حتى مجيء يوم الجمعة السابق لرمضان 29/7/2011 حيث قام المتظاهرون بالتقدم بمعايدة بسيطة لقوى الأمن ممثلة بتقديم عبوات الماء مع قطع العجوة حيث ألصقت عليها قصاصة صغيرة كتب عليها: (كلنا سوريون … لماذا تقتلوننا … رمضان كريم)، وأننا اليوم لن نتظاهر بل سنكتفي بالمعايدة وبترديد النشيد الوطني السوري، حيث عاد الثوار إلى بيوتهم تحضراً لزخم أكبر في شهر رمضان، الذي تحول كل مساء إلى يوم جمعة، ولم يتورع الأمن فيه عن استخدام جميع أنواع قمع المتظاهرين وتفريقهم مستخدماً الغاز المسيل للدموع والضرب منتهياً بالاعتقال.

   الحراك في مدينة التل حراك حضاري ملتزم بقواعد السلمية، تتشارك فيه المرأة مع الرجل في أغلب مظاهره وحالاته، فكثيرة هي المظاهرات التي تخرج فيها نساء مدينة التل إلى جانب رجالها هاتفين جميعاً بصوت واحد للشهيد وللحرية ومطالبين بإسقاط النظام ورحيل رموزه، كما سجلت حالات نسائية فقط كالاعتصام الذي حدث في إحدى ساحات المدينة يوم الخميس 21/7/2011 الذي دام لما يزيد على ساعتين وكان اعتصاماً نسائياً فقط.

     قابل النظام هذا الحراك السلمي بالممارسات القمعية والوحشية من قبل أجهزته الأمنية، حيث تم تسجيل حالات تعذيب كثيرة أدت إلى تهشيم الأسنان وحالات طرش كما تم فقئ عين أحد المتظاهرين مع ترك العين الأخرى ليكون عبرة لمن اعتبر. والعنوان الأبرز لوحشية الأمن في مدينة التل هو الشاب أحمد برغلة صاحب الأربعة وعشرين عاماً الموجود الآن بين أهله، لكن في موته السريري نتيجة للضرب الوحشي الذي تعرض له من قوى الأمن عند خروجه في المظاهرة الأولى. مع الإشارة إلى أن أحمد متزوج، وزوجته وضعت حملها الأول بعد رحيله في غيبوبته الطويلة.

التل مدينة تحالفت فيها السلطة مع المال ذات مرة، لكن من يخط حاضرها الآن هم مجموعة شبان آثروا تكريس مفردات تختلف عن المفردات السابقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى