صفحات الناس

يسطون على قلوب المحسنين بملابسهم الانيقة وحاجتهم للانفاق على عائلاتهم

اطفال سوريون يتسولون في شوارع القاهرة ويثيرون غضب الشحاذين المصريين

القاهرة ـ ‘القدس العربي’ من حسام عبد البصير: لا تخطئهم العين ولا ينساهم القلب، اطفال في عمر الزهور اجبروا على التسول من اجل اعانة اسرهم التي نزحت للمدن المصرية على اثر الحرب الدائرة في سورية منذ قرابة ثلاثة اعوام ،عرفوا الطريق للهم في سنوات الصبا ،وجوههم كالبدر وإن كان قد ارهقهم فراق الاحبة واستشهاد الآباء وتحملهم المسؤولية في سن مبكرة.

جلهم ما بين الثامنة والعاشرة من العمر غير ان الحياة اهلتهم لأن يكونوا رجالاً قبل الاوان .. هم الاطفال السوريون الذين هبطوا على القاهرة مع امهاتهم مخلفين آباءهم وراءهم من خلفهم إما قتلى او مشاركين في الحرب الدائرة هناك.. بسبب ضيق ذات اليد وارتفاع اسعار الشقق والمنازل والمواد الغذائية اجبرت العديد من الاسر السورية على ان تدفع باطفالها للشوارع من اجل تدبير نفقات المعيشة.

في منطقة وسط القاهرة وتحديداً في شوارع 26 يوليو وعماد الدين وباب اللوق والعتبه ينتشرون في جماعات ما بين خمسة وعشرة اطفال قاصدين المقاهي بهدف التسول، ما يفرق بينهم وبين الأطفال المصريين هو انهم لا يجيدون فنون التسول، كما انهم لا يرتدون الملابس البالية، وفق ما يبدو عليه شكل التسول بل في كثير من الاحيان يبدون في ابهى ازيائهم يرددون جملة واحدة بات يحفظها المصريون عن ظهر قلب (انا طفل سوري جاي مع امي ياريت تساعدنا).

كريم ومصعب ولقي ثلاثة اشقاء حضروا مع ابناء عمومتهم وامهاتهم منذ ثلاثة اشهر اجبرتهم قسوة الحياة على الخروج للشوارع من اجل التسول يقول كريم ‘نقيم في شقة ضيقة من غرفتين بحي عابدين ايجارها ثمانمئة جنيه شهرياً ليس لنا اي دخل امي مريضة وابي استشهد في الثورة لذا وجدنا انفسنا امام حل وحيد ان نعمل لكننا لم نجد اي فرصة لذا كان علينا ان نلجأ لأهل الخير من اجل ان يساعدونا’.

شقيقه لقي يقول ما كنت اتصور ان نأتي إلى هنا كان لدينا بيت جميل في حلب تم تدميره بالكامل واغلب الاقارب استشهدوا، كنت امتلك العديد من الالعاب في بيتنا اما هنا فالمكان لا يتسع لنوم الجميع دفعة واحدة.

ويكمل مصعب الحكاية التي تتشابه مع العديد من حكايا السوريين الفارين من الحرب الدائرة هناك في ذات الشقة الضيقة بعابدين تقيم اسرتان افرادهما 23 شخصاً ننام بالتناوب حيث تنسق امهاتنا على النوم والطعام، يضيف مصعب حالتنا تتشابه مع معظم السوريين الوافدين حيث معظمنا فقراء، كان الاشقاء الثلاثة يتسولون مع زملاء لهم في مقهى أوديون المواجه لفندق اندسور القديم بوسط العاصمة حين التقيت ام مصعب التي قالت بوجه لم يفسد الفقر والتشرد نضارته، كنا مستورين نملك بيتا كبيراً في حلب والاولاد في مراحل التعليم ونوفر لهم حياة جيدة، لكن القدر كان يخبئ لنا ما لم نكن نتوقعه مطلقاً.. ومن الطبيعي ان يتسبب تعاطف المصريين مع هؤلاء الصبية ان يؤدي لحالة من الغضب في صدور الاطفال المصريين الذين يمتهنون التسول خاصة حينما يجدون ان منزلتهم في قلوب المارة والجالسين على المقاهي تراجعت لصالح الاطفال السوريين.

يقول رأفت طفل في الثالثة عشرة من عمره تقريباً ‘انا اعيش مع امي في غرفة ضيقة بشبرا الخيمه واحضر لوسط المدينة كل يوم في الثامنة صباحاً للتسول’ ويعترف ان الصبية السوريين باتوا يشكلون تهديداً له ولغيره من المتسولين المصريين ويقول ‘في الاول كنا بنضحك منهم.. ايه العيال الشيك دول مين هيعطف عليهم غير اننا اكتشفنا ان الناس تكرمهم وتحترمهم’، غير ان مصعب وبعينين دامعتين يعترف بأن التسول بالنسبة له امر لا يفرحه على الاطلاق ‘لولا امي مريضة ما تسولت في سورية نحنا ما نتسول التسول عيب’.

على رصيف شارع 26 يوليو وجدته في الخامسة من عمره تقريباً انيق جداً يرتدي بنطلون جينز وحذاء لامعا يخطف الابصار وقميصا غاية في الشياكة نظرت لقميصي وامعنت النظر ثم شعرت بان المقارنة لصالح هذا الصغير، قال لي بصعوبة بالغة اسمي عبد الله من حلب جيت مع اسرتي من اسبوعين نقيم مع اسرة في شقة بحي بولاق الدكرور.. عبد الله يتردد مع اطفال من اقربائه يقودهم محمود وهو في الخامسة عشرة من عمره على دراية بشوارع المدينة ومهمته الاساسية بجانب التسول ان يرعى الاطفال خشية ان يضلوا، يعترف محمود: كلنا هنا ولاد ناس يمثل التسول بالنسبة لنا اختيار صعب لم نقم به في بلادنا يوماً، لكن اجبرتنا الظروف وعن طبيعة نشاطه اليومي، يقول: احضر في الثامنة صباحاً مع ثمانية من الصبية ونتوجه لأماكن التجمعات سواء في المقاهي او الشوارع المزدحمة وما يرزقنا الله به نذهب به لعائلاتنا حيث يتم جمع المبلغ بالكامل ويتم الانفاق من خلاله على ثلاث اسر تقيم في نفس المنزل ويعترف محمود ان الاهمية القصوى بالنسبه للمال الذي يتم جمعه توجه نحو تسديد ايجار المنزل، اما بالنسبة للاكل والشرب فهو امر يأتي في المرتبة التالية ‘رغم قسوة الشعور بانك بت متسولاً لكن رعايتي لاسرتي تخفف من عبء هذا الشعور’.

كلمات معبرة قالها ناصر الذي حضر بصحبة امه وشقيقاته الثلات ‘انا طالب في المرحلة الاعدادية تبدد ما لدينا من مال خلال شهرين ووجدت نفسي كبير العائلة والمطلوب ان انفق على امي وشقيقاتي فلم اجد امامي سوى البحث عن عمل لكن المحاولات باءت بالفشل فلم يكن امامي سوى اللجوء للتسول.. قالها وذرفت عيناه بالدموع فيما خجلت انا من نفسي.. وين السفارة المصرية ياعمو قالها لي وانا جالس على مقهى متروبول طفل ذو شعر جميل يذكرك بصغار الاوربيين، قلت له لماذا تريد الذهاب إلى هناك ‘أريد ان اقدم شكوى للسفير السعودي لكي يمنحنا راتباً شهرياً امي فقيرة ومريضة.. قبل ان اقول له السفارة في حي غاردن سيتي إذ بصبي يقتحم دائرة الحوار: انس ياحبيبي رحت قبلك وما حدا سأل فينا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى