صفحات الثقافة

يمكن أن تشيخ بعد الموت/ مانغ كي

 

 

قد نما من الأرض شعرُ الميت الأشيب

هذا يجعلني أُصدّق، أنَّ الإنسانَ يشيخُ بعد موته

الإنسانُ بعد موته تنقضُ عليه الكوابيس أيضاً

ويصحو مذعوراً، وترى عيناه

نهاراً جديداً يُولد من البيضة

وينشغلُ مسرعاً في التقاطِ الحبوب

كما يمكنه أن يسمعَ صوتَ خطواته

يسمعَ صوتَها في نشوتِها كانت أم بؤسها

يمكنه أن يستعيدَ ذكرياته أيضاً، رغم فراغِ رأسه

وعلى الرغم من أنَّ هؤلاء الذين يسكنون قلبه قد تعفنوا

يمكنه أن يمتدحَهم، يمتدحَ حبيبته

ويمسكَ وجهها بيديه

ثم يضعها بحذرٍ على الأعشابِ الكثيفة

ويراها تسحبُ بمشقةٍ جسدَها المثير

يمكنه الانتظار

انتظارُ الشمس

التي تختفي في النهايةِ مثل حصيرةٍ طيَّرتها الرياح

ينتظرُ المغيب، الذي يشبه حيواناً مفترساً

يمزقُ لحمه هرباً منك

أما الليل، فسيتركك تنزلقُ بوادعةٍ في حضنه

لتلهو كما تشاء، تُنفِّسُ عمَّا في داخلك، ويبقى ساكناً

يمكنه أن يستلقي ليرتاح من تعبه، يغمضَ عينيه

ويسمعَ زئيرَ الحيواناتِ البريةِ أثناء تصارعِها

يمكنه أن يقلقَ، أو ربما خلالَ ليلةٍ

ستسيلُ دماءُ السماءِ متدفقةً على الأرض

يمكنه أن ينهضَ، وينعى وجهاً ميتاً

ولكن عينيه لا تزالان تراقبانك

يمكنه أن يأمل، ويتمنى لو أنه يعيشُ إلى الأبد

يتمنى ربما لو أنه حيوانٌ اصطاده أحدهم

يدخل النار ليُشوَى، ويُؤكل

يمكنه أن يتألم، يمكنه ألَّا يحتمل

قد نما من الأرض شعرُ الميتِ الأشيب

هذا يجعلني أُصدّق أنَّ الإنسانَ يشيخُ بعد موته.

 

* مانغ كي (Mang Ke) شاعر صيني بارز أغفله مترجمو الشعر إلى العربية هو وبقية أبناء تيار “الشعر الضبابي الرمزي” كـ قو تشنغ، ودوَ دوَ، باستثناء بي داو كونه رُشّح لجائزة نوبل. وهو تيار انخرطت فيه مجموعة أثّرت في حركة الشعر الصيني المعاصر في القرن العشرين، متحررة من القيود التي فرضت على الأدب خلال “الثورة الثقافية” الصينية.

أسس عام 1978 مع صديقه بي داو مجلة “اليوم” التي كانت من أهم الدوريات الأدبية حينها. في عام 2003 صدر له كتاب “أنظر، إلى هؤلاء!”، حيث كتب عن أصدقائه هؤلاء وغيرهم كثيرين مسترجعاً ذكرياته معهم.

ولد مانغ كي في تشرين الثاني/ نوفمبر 1950 (اسمه الحقيقي “جيانغ شي ويّ”)، وإضافة إلى كونه شاعراً، فهو كذلك رسام محترف، بدأ مسيرته الفنية عام 2004 ويعيش الآن في بكين متفرغاً للكتابة والرسم.

له العديد من المؤلفات الشعرية مثل “وقت بلا وقت”، “أي يوم هو اليوم؟”، و”هموم” ورواية طويلة.

 

** ترجمة عن الصينية وتقديم يارا المصري

 

المترجمة

درست اللغة الصينية في كلية الألسن ـ جامعة عين شمس في القاهرة وفي جامعة شاندونغ للمعلمين في مدينة جينان بالصين، ونشرت قصصاً ونصوصاً شعرية ودراسات في مجلات وصحف مصرية وعربية.

صدرت لها الكتب الآتية مترجمة عن الصينية: “العظام الراكضة” للكاتبة آشه (2014)، و”الفرار في عام 1934 وقصص أخرى” للكاتب سوتونغ (2015)، و”رياح الشمال” للكاتبة بينغ يوان (2016)، و”الذواقة” للكاتب لو وين فو (2016).

 

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى