صفحات مميزة

يوسف عبدلكي: التسليح اغتيال للثورة وذريعة للتدخل العسكري كما رأينا في العراق


راشد عيسى

يعتقد أن الأعمال الفنية التي رسمت من عشرين ألف سنة هي أعمال مباشرة لكن ما رسم أقل من الحدث الاستثنائي السوري

أنشأ التشكيلي السوري البارز يوسف عبدلكي ورفاقه الغاليري الخاص بهم على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تحت اسم «الفن والحرية»، غاليري افتراضي يتضامن مع ثورة بلدهم، في انتظار العثور على ميدان يضم أعمالهم. حوالى مئة عمل لفنانين أصروا أن يعلنوا أسماءهم، لأن الرسم هنا فعل تضامن وثورة قبل أي شيء آخر.

عبدلكي لم يتوقف عند هذا الحد، فقد بحث مثل كثيرين عن طرق للانخراط بهذا الحراك الجماهيري الاستثنائي. وهو يتحدث هنا عن «الفن والحرية»، وعن أحوال المثقفين السوريين تجاه ثورة بلدهم، وعن جماليات هذه الثورة.

 كيف جاءت فكرة صفحة “الفن والحرية”؟ من هم مؤسسوها؟

} ما يعيشه البلد اليوم منذ ستة أشهر هو أمر استثنائي في التاريخ السوري المعاصر، وهو قد حرّك كل قطاعات المجتمع وكل فئاته، وكان لا بد لهذا الحراك أن يجد أكثر من تعبير في الوسط التشكيلي. واحدة من أشكال التعاطي مع الثورة الشعبية هذه المبادرة التي صنعت بجهود ستة أو سبعة فنانين سوريين، وكان مقصوداً منها نشر الأعمال الفنية التي تتعلق بهذا الحراك، ليس من باب الرصد، لأن هذا من مهمات الإعلام والقنوات الفضائية، إنما من باب انعكاسه على وجدان ومخيلة الفنانين. ومن جهة أخرى هو نوع من إعلان تضامن مع القوى الشعبية ضد الاستبداد، بحيث لا يقف الفنانون التشكيليون المشاركون في هذا الحراك موقفاً حيادياً، ـ وهو أسوأ المواقف ـ في لحظات ثورية كهذه. لم يكن مصادفة أن طلبنا من الفنانين المشاركين الإعلان عن أسمائهم الحقيقية، فإعلان الاسم صراحة هو فعل تضامن بحد ذاته، مع الشهداء والمعتقلين والمتظاهرين، ومع الآمال الكبيرة التي يعلقها المجتمع السوري على هذا الحراك.

 وماذا عن الاسم؟ لماذا “الفن والحرية”؟

} أحببنا أن نقدم تحية غير مباشرة لشباب الثورة المصرية، فأخذنا اسم “الفن والحرية”. وهو اسم الجماعة الفنية التشكيلية المصرية المعروفة التي تأسست عام 1939، وكان من أهم رموزها كامل التلمساني ورمسيس يونان وفؤاد كامل، وطرحت وقتها افكاراً جديدة معاصرة، وعبرت عن رغبة عارمة بتثوير الفن والثقافة وهز المسلمات في المجتمع والفن.

 هل أنت راض عن حجم المشاركات؟

} اليوم نحن في الشهر الرابع من عمر صفحة “الفن والحرية”، وتأتينا مشاركات كثيرة ومتنوعة، ومن الواضح أنها تنتمي إلى سويات ودرجات فنية مختلفة. اختياراتنا للأعمال لا تتدخل لا بالرؤى ولا بالتقنيات ولا بالمواقف، نحن نطلب ببساطة أن يكون العمل الفني مقبولاً كسوية. لافت أيضاً أن هناك حماساً كبيراً بين الفنانين الشباب، وأن هناك مشاركات عربية لا بأس بها.

إن اللحظة التي تعيشها سورية هي، رغم كل زخمها الواسع والشعبي، لحظة فرز، نراها عند أكثر من فئة وقطاع، وكذلك الأمر بين المثقفين. ولا يغيب عن الذهن حجم الضغوط اللا إنسانية، وأحياناً غير الأخلاقية التي تعرّض لها الفنانون العاملون في مجال الدراما التلفزيونية لاستجرار أي تأييد للسلطات الحاكمة، أو لانتزاع أي كلمة نقد تجاه الحراك الشعبي، وهذا مفهوم من قبل السلطات لأن العاملين في هذا المجال نجوم شعبيون لهم تأثيرهم، وبالتالي حجم الضغوط أكبر عليهم مما يتعرض له الشعراء والفنانون التشكيليون مثلاً. وبغض النظر عن الضغوط هناك من هم مع، ومن هم ضد، ومنهم من لديه أسئلة لا يجد لها إجابات. فمن الطبيعي أن يكون جزء فقط من الفنانين السوريين موجودا في هذه الصفحة، خاصة أن النشر ـ وهو إعلان موقف ـ يتطلب شجاعة سياسية، وليس موقفاً يتبناه المرء بينه وبين نفسه.

هناك فئة كبيرة من الفنانين غير مشاركة وهذا طبيعي، غير أن المشاركين أيضاً عددهم كبير، وبالنسبة لي مفاجأة رائعة، ودرجة حماستهم رائعة وتصل الصفحة أحياناً رسائل مؤثرة جداً من الفنانين، وبالتالي أعتقد أنه لم يكن مأمولاً من هذه الصفحة أن تفعل أكثر من ذلك. إن مجرد استمرارها لأكثر من أربعة أشهر هو نجاح بحد ذاته وهو أمر بديع لي وللفنانين الذين ساهموا بتأسيسها.

 هل هناك فعاليات أو أشكال ستسلكها هذه الأعمال الفنية بعيداً عن صفحتها على الفيسبوك؟

} الفنانون دائمو النقاش حول اقتراحات ومشاريع وقصص، لكنها في أغلبها تصطدم بالدرجة غير العادية من القمع. ما يفعله رجال الأمن ضد المتظاهرين مثلاً ليس منعاً للتظاهر وإيقافاً للمظاهرة، هو فعل همجي بكل معنى الكلمة ضد أجساد المتظاهرين. هذا يشكل لجماً للمثقفين والفنانين، يمنعهم من الانخراط بأشكال أخرى من التضامن والتأييد. أحياناً هناك تداول لمشاريع وأفكار للمستقبل كأن تجمع الأعمال في معرض، لكنني شخصياً لا أتمنى أن يقام معرض كهذا في مكان آخر غير سوريا، بالطبع، سوريا الغد، سوريا الحرية.

 في مناسبات مثل هذه غالباً ما يطرح السؤال حول المباشرة والعمل الفني؛ إلى أي حد ينبغي للعمل الفني أن يكون على مسافة من الحدث كي يتمكن من التعبير عنه؟

المباشرة

} مسألة المباشرة كانت دائماً مثار لغط في الأوساط النقدية والإعلامية وكان تضخيمها على علاقة بالحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي في القرن الفائت! أعتقد أن أغلب الأعمال الفنية التي رسمت منذ عشرين ألف سنة حتى الآن هي أعمال مباشرة، بدءاً من تلك التي رسمت على جدران الكهوف، لمقاصد السيطرة السحرية على الطرائد، إلى اللوحات الجدارية الفرعونية التي كانت تمجّد الملوك وانتصاراتهم، إلى الأيقونات البيزنطية التي تقدس رموز الدعوة المسيحية، إلى لوحات البورتريه في القرون السابقة التي ترصد شخصيات من الطبقة الحاكمة والثرية، وصولاً إلى القرن العشرين حيث نجد الكثير من الأعمال التي تعتبر آيات إبداعية مثل “الجرنيكا” واللوحات الجدارية المكسيكية وأعمال التعبيريين الألمان ونصب الحرية لجواد سليم …إلخ. كلها أعمال مباشرة، وهي أيضاً من أرفع الأعمال الفنية سويةً في تاريخ الفن. عندما يرسم دافنشي صورة وجهيّه للمدام موناليزا، أليس هذا عملاً مباشراً! بهذا المعنى لا يصبح السؤال عن المباشرة أو عن غير المباشرة، السؤال يجب أن يتمحور حول إن كان العمل الفني فناً حقيقياً أم عملاً ركيكاً بغض النظر عن كونه مباشراً أم غير مباشر! علماً أن الكثير من الأعمال التي تتناول الحدث السياسي يمكن أن تخرج من قلب هذا الحدث، وربما تأتي بعد زمن طويل. ليس هناك مواصفات، فهناك كثير من الأعمال الباهرة التي أنجزت بزمن قياسي، وهناك الكثير من الأعمال الركيكة التي أنجزت بعد سنوات طويلة! دائماً السؤال يتعلق بموهبة الفنان ومدى عمق تعبيره. وعلى أي حال فأنا أظن أن كل الأعمال التي صنعت حتى الآن هي أقل من ضخامة الحدث الاستثنائي السوري، وأقل من الآلام التي ترتبت عليه، والآمال التي تشكل أشواق السوريين وأحلامهم التي تريد أن تشق السماء.

 من خلال متابعة لحركة اللوحة السورية، هل لاحظت أن الثورة أسبغت أساليب مختلفة، أو لمسة جديدة على أعمالهم؟

} بالنسبة للأعمال التي اطلعت عليها هناك من اشتغلوا ضمن مألوف رؤيتهم وتقنياتهم السابقة، وهناك فنانون عملوا بتقنيات مختلفة عما اعتادوا التعاطي معه. أعتقد أن الثورة الشعبية في سوريا ستعيد صياغة وجدان السوريين ومثقفيهم في المستقبل وستغير من رؤاهم وأدواتهم ـ إن لم تكن قد انجزت ذلك فعلاً ـ ربما نحن اليوم لا ندرك تماما إلى أي مدى حطمت الثورة الجدران من حولنا. لكن علينا الصبر قليلاً، دائماً العمل الفني يحتاج إلى وقت. إلى وقته.

 بالنسبة لك شخصياً؟ ماذا غيّرت الثورة في أعمالك؟

} من الصعب الإجابة على هذا السؤال، لأن هناك ما يمكن أن يقال، وهناك ما هو مؤجل القول فيه. أنا لا أشك في أن ما يحدث اليوم، ـ ومثلي مثل آلاف السوريين المتعاطين بالشأن الثقافي والعام ـ هو زلزال سياسي سيؤثر عليهم. في اللحظة الراهنة اشتغلت أكثر من قطعة على فكرة الشهيد، واحدة منها نشرت على صفحة “الفن والحرية” هي “شهيد من درعا”، وكانت واحدة من مرات قليلة أعود فيها إلى رسم الأشخاص بعد سلسلة الطبيعة الصامتة الطويلة، فمنذ خمسة عشر عاماً لم أفعل ذلك. من جهة أخرى دفعتني الأحداث لأن أحقق نحتاً مباشراً ساخراً، (وهو أمر طالما فكرت به منذ عقود وكنت أؤجله دائماً!) لكن كل هذا هو على المستوى الآني، لكن هناك الكثير متروكاً للمستقبل وللمستقبل القريب.

 الثورات والحروب مؤلمة،، لكن رغم ذلك يمكن الحديث أحياناً عن جماليات للحرب؟

} من حيث المبدأ أعتبر الثورة الراهنة مشروعاً لإعادة صياغة البلد كلّه. إعادة صياغة للعلاقة بين المواطن والسلطة، وبين السلطة والدولة، وإعادة صياغة لعلاقة المواطن بالسياسة. وأتصور أن السيطرة الأمنية التي استمرّت أربعين عاماً نقلت عشرات ومئات الآلاف بل ملايين من حقل المواطنة إلى حقل الخوف. ربما نكون اليوم على أبواب استعادة الشعب السوري ثقته بنفسه وثقته بقدرته على صياغة حياته كما يشاء هو، وليس كما هو مفروض عليه. ففي الجوهر نحن ننتقل من الحقبة البوليسية إلى حقبة المواطنة. وأعتقد أن السوريين اليوم حينما يخرجون إلى الشارع كي ينادوا بالحرية وإسقاط النظام، وإسقاط الفساد والاستبداد، فإنهم يزيلون عن كاهلهم أربعين سنة من جبال الخوف، أربعين عاماً من الاستقالة الإكراهية من السياسة. لا أعتقد أن هناك مطهراً للبشر أكثر من فعل الخروج للشارع والمناداة بالحرية. لذلك، الشارع السوري مليء اليوم بالآلاف من الحكايا التي فيها أمثولات التضحية وأمثولات التضامن والتحرر من الأفكار السابقة واستعادة البشر لإنسانيتهم. هذا كله في النهاية أجمل من أي عمل فني. وللأسف أعتقد أنه لا زال أمام المجتمع السوري الكثير من التضحيات وضرائب الدماء. للأسف دائماً الأحداث العظمى تتطلب تضحيات عظمى. وبالعودة إلى السؤال: الحرب دائماً بشعة لأنها تعني قتل البشر. لا أحد يريد الموت. الشهداء يقتلون بالرغم منهم وليس باختيارهم، لو كنت أملك قوة خارقة لأعدتهم كلهم إلى الحياة ليساهموا في إعادة بناء بلدنا، وليحبوا، ويتزوجوا، ويربوا الاطفال، ويشربوا الشاي مع اصدقائهم. إن ما يصنعه النظام بأبناء بلدنا جريمة ضد الإنسانية.

من أين يأتي الفن

 هل تستوحي عادة من حركة الناس، من الشارع، كيف تغير ذلك اليوم؟

} هناك مئات المشاهد التي حُفرت وتُحفر في قلب وعقل الإنسان؛ كيف يمكن نسيان مشهد بقعة الدم القانية التي يخلفها سحب جثة متظاهر في درعا في الأسابيع الأولى! كيف يمكن نسيان وداعة عيون حمزة الخطيب! كيف يمكن نسيان الطفلة ليال من قرية الحراك وهي ملفوفة في كفنها كقديسة! إن ما رآه السوريون من وحشية النظام لن يمحى أبداً ما داموا أحياء. أي فن يستطيع أن يصل إلى هذا النبل وهذا الهول! من جهة أخرى لا بد من القول إن عمل الرسام مختلف تماماً عن عمل المصور أو السينمائي. منذ القرن التاسع عشر صارت علاقة الفنان مع الواقع مختلفة انتقلت من كونها رصداً عيانياً للخارج لتكون ذات مسحة ذهنية. الفن التشكيلي ترك الرصد للعدسة الفوتوغرافية وللعدسة السينمائية مع ما يحمله ذلك بالطبع من أفكار ومشاعر وعلاقته بما هو جواني. لوحة الموسيقيين الثلاثة لبيكاسو مثلاً لا علاقة لها بمظهر ثلاثة موسيقيين لحظة العزف، بل لها علاقة بالخيال وببنية الجمال. وهو أمر مختلف تماماً عن اللقطة الفوتوغرافية. بناء على كل ذلك ما يختزنه الرسام قطعاً مصادره واقعية، لكنه يعيد تمثله وإنتاجه لتصبح جملة جديدة هدفها الحقيقي هو ابتكار رؤية جمالية درامية فردية تلتصق بالشرط الانساني وتمس وجدان البشر وتقترح علاقات بصرية مختلفة بما يحمله ذلك من جلاء والتباسات.

 من أين تأخذ هذه المشاهد؟

} هناك قطعة عملتها في الفترة الأخيرة اسمها “شهيد من درعا 2” هذه في الحقيقة من جهة تريد أن ترصد تراجيدية الموت، الاستشهاد، ومن جهة ثانية هي عبارة عن ثلاثة بقع أفقية بيضاء وسوداء ورمادية تقطع المربع من منتصفه. هذا المشهد هو في الحقيقة غير مأخوذ لا من الشارع ولا حتى من مشاهدتي للأفلام التي تصور في المظاهرات، هو مشهد متخيل تماماً. الخارج هو الخزان البصري والعاطفي للفنان، لكن ما ينتجه ليس بالضرورة ترجمة عيانية للحدث أو للمشاهدات الخارجية.

 هل كان الرسم بالنسبة لك وسيلة كافية للتعبير والتضامن أم أنك حاولت التضامن والتفاعل بأشكال أخرى؟

} كل المواطنين السوريين لديهم رغبة أن يهتفوا بكلمة من دون أن تكون مفروضة عليهم، بهذا المعنى تظاهرات اليوم السلمية هي قطعاً للمطالبة بالتغيير السياسي، بإنهاء الاستبداد بإنهاء الدولة الأمنية لكنها أيضاً فيها فعل تطهر للإنسان من الخوف الذي تراكم في اعماقه على مدى عقود. شاركت في تظاهرات في حي الميدان، وفي مدينة حماه، ولمست الحاجة الحقيقية لدى الناس أن يرفضوا النفق الأسود الذي يعيشون فيه. أذهلتني المظاهرة نصف المليونية في حماه بنأيها عن كل ما هو غرائزي وانتقامي وطائفي وحرصها على سلامة الأبنية الحكومية ومؤسسات الدولة، وهي المدينة الجريحة منذ ثلاثة عقود. شعارات البشر تقول بالحرية والوحدة الوطنية واسقاط النظام. في نهاية المظاهرة نظف المتظاهرون ساحة العاصي. وعندما انتهت المظاهرة شعرت أني أتنفس هواء آخر. لقد كانت إحدى المرات القليلة في حياتي التي أحسست بالفخر لأني سوري.

 أليس غريباً هذا الانقسام الحاد في المشهد الثقافي السوري، بين مثقفين مؤيدين للمتظاهرين أو منخرطين فيها، وبين مؤيدين للنظام؟

} إذا عرف المرء تاريخ سوريا المعاصر لا يجب أن يستغرب لأن السلطة اليوم في سوريا ليست غبية، أدركت من وقت مبكر أن لا شرعية حقيقية لديها من الشعب السوري، وأنها تحكم بقوة العنف، ولأنها كذلك فهي بحثت منذ وقت مبكر عن حلفاء، لذلك عملت على أن توقع في اذهان الأقليات إنما هي سلطة حامية لهم، كما أنها متنت إلى الدرجة القصوى آلتها الأمنية العسكرية. كما امتلكت آلة اعلامية فعالة إلى حد كبير، كل هذا مصادر قوة حقيقية للنظام في مواجهة الشعب السوري. هذا هو الأساس الحقيقي للانقسام الذي نراه اليوم في المشهد السوري، انقسام قائم على بث المخاوف من التغيير، وعلى الخوف من بطش النظام.

 متفائل؟

} أنا أعتقد أن التغيير حصل في سوريا، وأن سوريا اليوم لم تعد سوريا البارحة بكل المقاييس؛ ولو عاد كل السوريين إلى بيوتهم وأوقفوا التظاهرات فإن التغيير قد حصل. السؤال اليوم ليس هنا، بل إلى أي مدى سيصل هذا التغيير؟ هل هو تغيير لبعض رموز السلطة مع الاحتفاظ بالنظام، أم هو تغيير سياسي يغير آليات عمل المؤسسات وعلاقتها بالمواطن، أم هو تغيير سياسي شامل يقلب كل المعادلات رأساً على عقب. ما يريده الشارع اليوم هو هذا التغيير الشامل، أما ما سيحصل حقيقة فهذا ما سترينا إياه الأيام المقبلة.

وهنا لا بد من الإشارة إلى عناصر جديدة بدأت تدخل إلى الحقل السوري في الفترة الأخيرة، من تمويل خارجي وتسليح، وهذا يصب في طاحونة النظام، لأنه هو من يريد تحويل الصراع إلى صراع عسكري، أي يريد إفقاد الثورة تفوقها الأخلاقي عليه، وهو يعرف بالطبع أنه سيكون الأقوى في الميدان العسكري. علينا الانتباه إلى أن التسليح اليوم هو اغتيال للثورة. غير أن هناك عناصر خارجية تريد أن يصبح الصراع العسكري ذريعة لها للتدخل في شأن البلاد بما فيه التدخل العسكري، بما يمكن أن يجره على البلاد من خراب وتقسيم وتدمير للمجتمع والدولة وهو ما سبق ورأيناه بأم العين في العراق. كل ذلك يتحمل مسؤوليته النظام بالطبع، فهو من عمل على إغلاق كل المنافذ السياسية أمام الشعب السوري ولو دفع البلد إلى الهلاك بما فيه هلاكه هو كنظام. إن السوريين يريدون ـ وبغض النظر عما يخطط له خارجياً ـ دولة جديدة ودولة مواطنة، وعدالة، وعيش كريم، وحرية، وهم اليوم يرسمون خارطة هذا الطريق بدمائهم.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى