صفحات سورية

يوسف عبدلكي الفلسطيني

عصام السعدي

 

كنتُ في بداية المرحلة الإعدادية -في بداية السّبيعينات من القرن الماضي-، مراهقًا هاجر مع عائلته من الأردن، وراح يتسكّع في دمشق محاولا قهم هذه المدينة الكبيرة المدهشة، المليئة بالحياة والأسرار…
قادني شغفي بالفن التّشكيلي إلى اكتشاف ” صالة الشعب للفنون التشكيليّة” في شارع جانبي على شمال الصاعد من جسر فكتوريا باتجاه سوق الصّالحية…
مرّة، وجدتُ معرضا لفنان شاب اسمه ” يوسف عبدلكي”…وفجأة كنتُ أقفُ وجها لوجه أمام لوحة بالأبيض والأسود، تحتلُّ جدارا كاملا…في البداية اندهشتُ من حجم اللوحة المكوّنة من ثلاث لوحات متلاصقة ( كانت أكبر لوحة أراها في حياتي حتى ذلك الوقت)…ثمّ أخذتُ أتملّى تفاصيلها المرسومة بدقّة بلغت منتهاها…على الجانب الأيسر السّفلي تحت اللّوحة ثُبٍّتَ اسم اللوحة “ثلاثية أيلول”…جمال اللّوحة واسمها جعلاني أقف مدّة طويلة وأنا مأخوذ بها…اقتربّ منّي شابّ ملتحٍ، وعرّفني بنفسه ” أنا يوسف عبدلكي، أنت أصغر الزائرين لمعرضي، وأكثرهم وقوفا أمام هذه اللّوحة….هل تعجبك؟”…قلت متلعثما ” آه، عجبتني كثير”…سألني ” ما الذي يُعجبك فيها؟”…قلت” حلوة كثير.. وبتْحَزِّن”…قال” هل تعرف موضوع اللّوحة؟”…أجبتُ بشئ من قبيل ” أنا هون بسبب موضوعها”…قال لي “هل أنت فلسطيني ” قلت له “نعم”..أخذ يتلطّف في الكلام معي، وشعرتً بحنوِّه الصّادق عليّ…ولاحظتُ أنّ لهجته ليست شاميّة، فسألته ” أستاز إنتَ فلسطيني”..أجابني ” نعم”…ثمّ سألني “من أي بلد في فلسطين أنتَ يا عصام”…قلتُ ” أنا من جنين”، وأضفتُ ” أستاز إنتَ من أيّ بلد بفلسطين”…قال لي دون تردّد ” من القامشلي”…صعقني جوابه، وأحببته…أحببت الرّجل وجوابه ولوحاته…قال لي عُد غدا فَلَكَ عندي هديّة…
في اليوم التالي أعطاني بوسترا ورقيّا ملفوفا بعناية، فتحته أمامه فكان اسكتشا بالأسود، مطبوعا على شكل بوستر ليدين مقيّدتين بحبل خشن، اليدان تحتلاّن معظم مساحة اللوحة فيما يبتعد في العمق من اللوحة وجه صاحب اليدين حاملا كل معاني الألم والتصميم وقوّة الإرداة، وهو يحاول فكّ الحبل عن يديه دافعا قبضنيه إحداهما عن الأخرى مقاوما الحبل حولهما بكلّ ما أوتيَ من قوّة…
فيما بعد سيبقى هذا البوستر معلّقا فوق سريري لسنوات طوبلة، قبل أتركه خلفي في دمشق سنة 1985 حين غادرت دمشق في ظروف مُلتبسة…
ظللتُ أتابع ما ينتجه يوسف عبدلكي بعد أن غادر دمشق ، إلى منفاه في باريس…ثمّ بعد عودته إليها منذ سنوات، دون أن تتاح لي فرصة اللقاء به…

صديقي القلسطيني من القامشلي يوسف عبد لكي: ما زال ذلك الولد الذي التقاك في صالة الشعب يُحبّك…فكن بخير، والحريّة لك
ولا نامت أعين الجبناء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى