صفحات الناس

يوميات من حيّ الدويلعة/ عالية الميلاوي

 

 

(بلغة الرعيّة كلنا أقليات..

وبلغة المواطنة كلنا بشر)

الدويلعة حي شعبي سمته العامة هي العائلية. لذلك تجد العائلة الكبيرة الواحدة مجتمعة تسكن في بيوت متلاصقة أو طوابق متجاورة. ولأن أزمة المياه خانقة وتكاد تكون سبب الخلافات الوحيد بين الأهل، فإليكم ما حصل اليوم:

علقت خناقة حامية بين 3 سلايف ع المي وتشغيل الموتورات. طبعاً نادوا لأزواجهن. ولأن الثالثة أرملة فقد انكفأت إلى داخل المنزل تلوكها الغصات، وفي غفلة عن حزنها اكتشفت أن جميع المتشاجرين يتقاتلون على باب البناية واكتشفت أن الموتور واقف عن العمل والمي جاي لعندها بقوة، فما كان منها إلا أن شغلت موتور المي وبدأت بملء كل ما يمكن ملؤه ووجهها ضاحك وعيونها باشة، وكلما امتلأ وعاء كانت تزيحه جانباً كغنيمة عظيمة وتقول: الله يرحمك يا جوزي، لو كنت عايش كانوا راحوا علي الميات. (13 آب)

دخلت محلاً لأشتري حلق، فسألتني البائعة من وين، فقلت لها ديرية. فقالت مو مظبوط. شكلك مسيحية. وأنا أصريت أن أبي من الدير وأمي من درعا. رفضت بيعي. بالدولعة الإيجار للمسيحية بـ20 ألف ليرة، وللإسلام بـ40 ألف ليرة. وكتير مرات بيقول لك علناً ما بدنا نأجرك. (16 آب)

مبارح كان في سيارة معباية ولاد ونسوان ماشية بعكس السير وهربانة من القذائف. وفي ولد عم يعيط ع كل السيارات الرايحة بالاتجاه التاني وعم يقللن رجعوا في قذائف وهو معصب وخايف. وفجأة صرخ بأمو وقلها «أمي.. أمي هاي عرانيس! ما بدك تشتريلنا؟«. (4 آب)

مبارح ولأنو بيتي ع الطريق فات لعنا شي عشرين مرة واحدة عم تبكي. واحدة بدها تحكي تلفون ووحدة بدها ترتاح شوي من الرعبة. بس الـ 13 البقايا كلن بدن يفوتوا ع التواليت، فصرت نظم الدور واندب حظي لأنو

ما في ميّ. (4 آب)

قذيفة حنونة جداً على بيتنا المتوحش جداً. فجأة أكتشف كم أنا غنية! كل هذا الحطام ملك لي وحدي. كل هذا الركام هو سندي وجذري الضارب في أرض وطن صار شتاتاً. لا ضحايا إلاّ ما تبقى من أحلام كانت وستبقى خلبيّة جداً. (13 آب)

بصوت ما بين رجولة موجعة وطفولة مسروقة، وبشاربين غضين ونحيلين وباهتين كان يتمثل دور رب العائلة الحريص المقتدر. قال لأمه على الهاتف: «دبرت ألف ورقة يامو. شو جبلك غير الدوا؟«. ومشى متبختراً بقدرته على التدبر والاقتراض، متعثراً بثقل العوز والفاقة والعمر الشائخ باكراً. (14 آب)

اليوم ساكنتني الشام. ريحتها، بردى، الفول والحمص، السيران وجمعات البشر. مدحت باشا، وعربيات الحديد مجرورة بإيدين ولاد مهريين من الشقا.

واليوم تذكرت محل الفلافل ببيروت والقرص المفشفش يلي حقو 50 ليرة سورية.

تذكرت كيف صانع الفلافل ضحكلي وقال «إنت سورية«. ومن كل قلبي قلتلو أي يا أمي، والله أنا متلك سورية واتذكرت عيونو المعباية حذر وخوف لما غافل صاحب المحل وعطاني 3 فليفلات مخلل وخباهن تخباية بورقة لحالن. اليوم كتير ساكنتني الشام، وأكتر شي ولادها يللي كتير بعاد. دخيل ربك يا شام. (15 آب)

عندما يكون الاعتماد على أغذية الإعانات هو أساس المطبخ السوري. تتحول رائحة الطبخ إلى ما يشبه الجائحة. اليوم يبدو أن أغلبية البيوت تطبخ معكرونة براغي، وكان الطلب شديداً على دبس البندورة في دكاكين السمانة، وكل السيدات اشترين بصل يابس فقط من عند الخضري. وطبعاً، وليس لمجرد ذكائي الخارق فقد تأكدت من سريان جائحة المعكرونة البراغي في الحي، لكن هماً كبيراً يسكنني الآن، فبعد سرعة تهضيم المعكرونة ستسري في الحي أيضاً جائحة أخرى: «أمي.. جوعان لفيلي عروسة زعتر«. وبعدها سيسرح زيت المعونات النباتي أيضاً على أكواع الأمهات والأبناء. أما الزعتر فهو ع الريحة، لأن المعونات لم تشتمل على مادة الزعتر إلاّ في ما ندر. (15 آب)

شوارع الشام مليانة بسطات، وأكتر شي شناتي المدرسة، وشواحن الكهربا.

والناس فايرة ومعباية الطرقات وعجقة بتفرّح وبتعّب بنفس الوقت، وشايلين الحاجز يللي كان عند السبع بحرات. ومن فرحتي عديت البحرات متل كل مرة، وطلعوا سبعة متل كل مرة كمان. في انجاص رخيص وحلو والناس هاجمة ع الطرطيرة وعم تشتري بالكيليات. وبدون ما حس، أو دوق شي نجاصة عبى طعم النجاص تمي. والناس عم تحكي سير وحكايا كلها حزينة، بس الناس عم تضحك، أو عم تبتسم شوي. وفي مرة عم تسأل عن سرفيس المهاجرين وشي عشرين واحد تطوعوا ليدلوها. وزلمة حامل ابنو وعم يدور ع عيادة دكتور طلع محلها بوشو دغري مع إنو قال إلو شي نص ساعة واقف وما عرف محلها.

يا إما نحنا صارت أحلامنا كتير صغيرة، يا إما البلد ناطرة روح البلد. الشام ناطرة ولادها.. ارجعوا يا روح الروح… (16 آب)

عم عبي القناني من السطل. وكل نقطة بتنكب بعصب وبسب الميّ وصحابها. زاد شوية مي بالسطل خفت كبن، ومتل الخوتة دلقتن ع راسي بحجة الشوب والتوفير. وبعدين شطفت المطبخ فيهن. يعني يا منجن يا إما هلق وقت نطالع كل جناننا القديم. (18 آب)

اليوم صار 3 خناقات حامية: وحدة ع المي، ووحدة ع صفة السيارة، ووحدة تلطيشة بايخة لبنت. المهم عملت حالي كوووول، وحاولت أتدخل وأحكي حكي مدوزن، وما حدا كيّل بعلبتي طبعاً. بس أنا تنحت، وظليت عم إحكي وشّبر بإيدي وأحلف أيمان عظيمة، ومو عظيمة، ووصل معي العيار لعند الوحدة الوطنية، وما شابه، فانفضت الخلافات، وعبرت الناس عن وعي والتزام شديدين، وراحوا ع بيوتن، وبعدها ما عاد حدا قللي مرحبا. (19 آب)

في بيروت طالعتني لافتة عملاقة مكتوب عليها أحلى السهرات مع المطربة العربية سارية السواس. يمكن إذا بطّلت فنانة سورية وصارت عربية بيحبوها اللبنانيين أكتر، أو بيصير الدفع بالعملة العربية الصعبة، يعني لا السورية، ولا اللبنانية. بالنهاية، المخلوقة عرفانة مصلحتها، ومحل ما بترزق إلزق، مع إنو واضح إنها تيفال أصلي.. (18 تموز)

سيدة دمشقية

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى