صفحات العالم

السوري فاعل فرداني… لكن من دونه ليس هناك ما هو جمعي/ مطاع صفدي

 

 

 

بالرغم من سيطرة الأجواء شبْه الهادئة على محاور التوترات السياسية والعسكرية، فإن شعور الناس يبدو غير مطمئن لهدوء السطح من الظواهر العامة. فالناس ملّوا جميعاً التوقعات الكارثية المنتظرة من هذه الأحداث غير الواقعة فقط، وإن كانت مرشحة لتكون العناوين الأولى لحقائق اليوم التالي، من كل حدث خطير أمني أو دبلوماسي. فهل نقول أن أعنف مسلسلات العنف، ربما قد بلغت حالة استنزاف لفائض الهيجانات الكبيرة، ولتفضيل أن العالم العربي لو هدأت فيه الأمور لكان ذلك مبعث سلام ما قد يوصف بالعالمي بالمعنى المادي المباشر. كأنما ما حققته كوارث الربيع المشرقي كان ثمرة واحدة؛ هي إعادة ربط الحدث العربي عضوياً بالسياق العالمي حوله، واللحظة الراهنة من ثورة العنف المجتمعة تنبئ بكل وضوح، أن قرارات الحرب والسلم والهدنة لم تعد حكراً على أقطابها الميليشياوية وحدهم، لم تعد أمريكا حاكمة العالم، ومعها أوروبا. وحتى لو وجد بوتين لذاته مكاناً له في كرسي القرار، فلن يكون لذلك ثقله الخاص. فالمشكلة مع موسكو أن هذه الإمبراطورية المتخلفة في شتى مراحلها عجزت عن احترام قراراتها المصيرية الكبرى، ما دامت هي عينها عديمة التواصل ما بين شعوبها المحورية التي تفتقر روسيا دائماً إليها في الثقة بتماسكها القومي وتخطيطها الاستراتيجي.

في الغرب، لا يريد هناك أحد أن يبني علاقات أمم جديدة بمقاييسها، بل لا بد أن تتدخل إرادات المنافع الفئوية في طبيعة هذه المعادلات، وتنسف تماسكها الطبيعي الذي انطلقت منه.

الإنسان الغربي العالمي يعتبر نفسه المرجع الأصلي لكل موثوقية. هذه الحقيقة التي تسمح للمثقف العالمي ألا يغمط الانتماءات المحلية من قيمتها الأهلية، وتجعله قابلاً للاعتراف بأنداد له غير موالين، وإن لم يكونوا غير عدوانيين، فالاعتراف السياسي العمومي يتطلّب الحد الأدنى من الإعتراف بالآخر كائناً حقيقياً له مطامحه الإنسانية. لذلك يرفض هذا العربي (المتحرر) أن يرى في كل آخر عدواً منافساً له. بيد أنه يتخذ كامل حذره منه. هذه هي مشكلة بوتين مع أمريكا، متمثلة في الصراع مع النموذج الزنجي الأمريكي، فالرجلان يريان أن العالم لم يعد يتسع لأحلامهما معاً مجموعة، ولكن عندما يبدو الفرد الجديد الآخر، العربي، فإنه لن يجلب معه أية تحديات جديدة لأصحاب القوى الرئيسية القابضة على عنق العالم، غير أنها تبرهن كل لحظة أن سلامة الإنسانية متعلقة عملياً بالمزاج الفردي المسيطر على اجتماعات غرفه المغلقة.

إذا كانت سوريا هي الضحية المثلى لما يسمى بالحاجة إلى إستئناف مهرجانات النكبات شبه المستحيلة التي تحل بحضارات وأقوام وتواريخ، فإن أوباما أراد الإستثمار شبْه السحري في مثل هذه الأساطير، من أجل أن يحقق أخطر انقلاب كياني استراتيجي شامل ولا أخلاقي غالباً لأهم إمبراطورية لا تزال تحكم عالمنا الراهن ولا نملك تجاهها إلا ما هو استنساخ لدعوات لفظوية. فإن سوريا البلد الأفقر هذه استخدمها أوباما كرمز للأضحية العظمى عن إرادة أو سواها.

والسؤال الذي يؤرق الجميع من متابعي الأحداث المشرقية، ما زال تائهاً منقبّاً عن الفاعلين الحقيقيين، دون العثور على أية أجوبة لا تنفيها أجوبة أخرى مناقضة. حتى هؤلاء الكبار، أمريكا، روسيا، أوروبا، فهم يتنصلون يومياً من أية مسؤولية يتحملها جميعهم أو بعضهم.

فإذا ما تعثرت مفاوضات السلام المتخيل قبل أن يجتاز حتى مرحلة لقاء التعارف الأول بين المتحاورين لم يجد الرأي العام المراقب عربياً أو دولياً، أية غرابة، لأنه ما دام مصممو هذه الحروب الإجرامية هم أنفسهم المشاركين الذين يدعون معجزة إنهائها.

بالطبع لن يتورط أي متعامل في التبشير بنهايات معينة لمرحلة المفاوضات، إذ أنه ليست له هناك سلطة دولة ترمي الوعود جزافاً ومع هذا فالكل يتنصل من أية أجوبة حول المواعيد المنتظرة، وأهمها قرار وقف القتال وهو الموضوع الأصعب!

وماذا يتبقى من الثورة إذا نأت عن إرادة المقاومة المادية الخالصة في الشارع كما في الحقل.

ليس هناك من جديد حقاً لدى عقل المجتمع الدولي، إلا وسائل التضامن الدبلوماسي، ما يعني أن الجميع مضطرون، إلى أجل غير مسمى، العمل على ألفاظ لا رصيد لها من الوقائع سوى استخدام براعات المساجلة الدبلوماسية المتقدمة، أما تحقيق بعض المنجرات فيغدو أخيراً هو أضعف الإيمان في هذه الفترة.

٭ مفكر عربي مقيم في باريس

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى