صفحات الناس

الطبيب الذي يتسلّى بحرق الأطباء وتفجير المشافي!/ رأي القدس

 

 

 

لعلّ أكثر الكليشيهات التي استخدمها الغرب في تقريظ بشّار الأسد قبل انطلاق الثورة السورية أنه طبيب جرّاح تعلّم في الغرب وأن زوجته («وردة الصحراء» على حدّ وصف راج بعد لقاء لصحيفة إنكليزية معها قامت بترتيبه شركة علاقات عامّة) نشأت ودرست أيضاً في بريطانيا، وبالتالي فإن هذا الثنائي الذهبي سيفتح الطريق للديمقراطية والتحديث في سوريا. وقد قامت وسائل إعلام عديدة بتجريع السوريين هذه التقييمات والأوصاف متجاهلة الطريقة الكاريكاتورية التي وصل فيها الوريث إلى السلطة وتاريخ والده الدكتاتوري الذي حكم بلاده بالنار والحديد.

لكن مزركشي الحكاية الإعلامية للطبيب المتعلم في الغرب أو ضحاياه، لم يتوقعوا أن يتفوق الأسد الابن على والده بمراحل كبيرة في التنكيل بأبناء بلاده وأن يحوّل الجرّاح الخطير وطنه إلى أشلاء على طاولة التشريح، وأن تصبح سوريا، التي كانت إحدى الدول التي بدأت فيها الزراعة والكتابة والتجارة ممرّاً مفتوحاً لانتهاك سيادتها من قبل جيوش من كل لسان ولون، فتصبح «الجبهة الجنوبية» مناطاً بغرفة «الموك» التي لأمريكا وإسرائيل يد طولى فيها، وتصبح الحسكة والقامشلي وعفرين شبه دويلة كردية، ويغدو الشريط المحاذي للبنان محطّ تجارب التغيير الديمغرافي الطائفي لـ«حزب الله» اللبناني، وتغدو الرقة عاصمة لتنظيم «الدولة الإسلامية» المتطرف (الذي تعهّده النظام بالعناية واستخدمته أبواق الغرب العنصرية مجددا لإعادة تأهيل رئيس الضرورة)، ويغدو الساحل السوري محكوماً من قاعدتي حميميم وطرطوس الروسيتين، فيما أزيلت مدن وقرى وبلدات من الخارطة وتم قتل وتهجير سكانها الذين فاضت بهم البلدان المجاورة وابتلعت الكثيرين من الهاربين منهم قيعان البحار.

المثير للسخرية أن الأسد نفسه، والذي تشير دلائل عديدة إلى أنه لم يُنه درجته العلمية المزعومة في بريطانيا، لم يكفّ عن استخدام حكاية الطبيب الأثيرة إلى نفسه، وفي أحد لقاءاته هذا العام مع قناة «سي إن إن» قال: «عندما يوجد طبيب يبتر قدم مريض ويجنبه الموت بالغرغرينا فأنت لا تسميه جزاراً بل تسميه طبيباً».

لكنّ أكثر ما يثير الغرابة في شخصية الأسد هي كراهية نظامه المرضيّة للأطباء وللمشافي فهم أكثر جماعة تم استهدافها من قبل مخابراته وقوّاته، بحيث أنهم يعتبرون الصيد الأثمن للصواريخ والقنابل والقناصة، فهل يكون تفسير ذلك في أن الأسد يدرك في أعماقه أنه ليس طبيباً ولا جرّاحاً (وأنه ليس رئيساً حتى بل وريث غير شرعيّ) وأن الطريقة الوحيدة لإقناع الآخرين بذلك هي القضاء على الأطباء الحقيقيين؟

غير أن هذا التأويل النفسيّ لا يفسّر كيف تحوّل حرق الأطباء (كما حصل مع محمد وسيم معاز آخر طبيب أطفال في حلب وطبيب أسنان وثلاثة ممرضين وعشرين مريضاً قضوا في قصف النظام لمشفى القدس)، وتفجير المشافي إلى استراتيجية يتشارك فيها النظام وحليفته روسيا التي قضت الأسبوع الماضي وهي تسخر من الناطق باسم البيت الأبيض الذي قال إنها قصفت خمسة مشاف ولم يستطع تسمية أسمائها حين طالبته مراسلة «روسيا اليوم» بذلك!

حسب ميريام اليا، المنسقة الطبية السابقة لأقسام الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود ـ سوريا والتي عاشت في حلب من 2012 إلى 2014، فالأمر استراتيجية متعمدة ومخطط لها وأن المستشفيات والمراكز الطبية وسيارات الإسعاف وسائقيها وعناصر الخوذات البيضاء هم الضحايا المفضلون، ولذلك يقوم النظام بقصف منطقة ثم ينتظر وصول فرق الطوارئ لمساعدة المصابين فيلقي قنابل جديدة للقضاء عليهم والفكرة وراء هذه الاستراتيجية هي: «مقابل كل طبيب يموت هناك 200 مدنيّ أقلّ»، أي أنها استراتيجية للإبادة الجماعية.

… ولكي يثبت بشار الأسد ونظامه أنه يجد في هذه الإبادة للبشر مجرد ملهاة مسلّية فقد اختار هذه الأيام بالذات ليعلن حلب «مدينة للسينما السورية».

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى